الخطبة الأولى:
أما بعد:
الموطن الرابع عشر: من مواطن الصلاة على النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - إذا مررت بآية فيها ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - أو سمعتها مثل قوله - تعالى -: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب: 56]. تقف وتصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - وتفعل ذلك في الصلاة أيضا إذا كانت نفلا نص على ذلك الإمام أحمد - رحمه الله -.
الموطن الخامس عشر: في كل كلام ذي بال فيه خير عليك أن تبدأه بحمد الله - تعالى -والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أما حمد الله فلما روى الإمام أحمد في مسنده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل كلام لم يبدأ فيه بحمد الله فهو أجذم))[1]، وروى أبو موسى المديني هذا الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا بلفظ: ((كل كلام لم يذكر الله فيه ولم يبدأ به بالصلاة علي فهو أقطع ممحوق من كل بركة))[2].
الموطن السادس عشر: من مواطن الصلاة على النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - في صلاة العيد بين التكبيرات لما روى القاضي إسماعيل بن إسحاق - رحمه الله - عن عبد الله بن مسعود وأبي موسى الأشعري وحذيفة بن اليمان - رضي الله عنهم - أجمعين وإليه ذهب الإمام الشافعي والإمام أحمد - رحمهما الله - أنه يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - بين التكبيرات في صلاة العيد.
الموطن السابع عشر: في كل موضع يجتمع فيه على ذكر الله - تعالى -لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن لله سيارة لله من الملائكة ملائكة يسيرون في الأرض فإذا مروا بحلق الذكر قال بعضهم لبعض اقعدوا فإذا دعوا أي أهل الذكر أمنوا على دعائهم وإذا صلوا على النبي - صلى الله عليه وسلم - صلوا عليه معهم حتى يفرغوا من ذلك فيقول بعضهم لبعض طوبى لهؤلاء يرجعون مغفورا لهم))[3].
الموضع الثامن عشر: عند دخول المنزل فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فشكا إليه الفقر وضيق المعاش فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دخلت منزلك فسلم إن كان فيه أحد أو لم يكن فيه أحد ثم سلم علي واقرأ قل هو الله أحد مرة واحدة))[4]، ففعل الرجل ذلك فأدر الله عليه الرزق حتى أفاض على جيرانه وقراباته روى ذلك أبو موسى المديني في كتابه عن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الموضع التاسع عشر: بعد الفراغ من الوضوء فقد روى أبو الشيخ عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا فرغ أحدكم من طهوره فليقل أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ثم ليصل علي فإذا قال ذلك فتحت له أبواب الرحمة))[5].
الموضع العشرون: إذا نسي الشيء وأراد أن يذكره فعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا نسيتم شيئا فصلوا علي تذكرونه إن شاء الله)) [6]والوارد في القرآن ذكر الله - تعالى -عند النسيان قال الله - تعالى -: واذكر ربك إذا نسيت [الكهف: 24]. فالأحسن للناسي أن يجمع بين ذكر الله - تعالى -وبين الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - يجمع بذلك بين الكتاب والسنة.
الموضع الحادي والعشرون: من مواضع الصلاة على النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - أول النهار وآخره فقد روى الطبراني عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى علي حين يصبح عشرا وحين يمسي عشرا أدركته شفاعتي يوم القيامة)) وروي في حديث ضعيف عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى علي في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة)).
ثم اعلم يا محب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الرب - عز وجل - يبلغ صلاتك وسلامك نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - فقد وكل على ذلك ملائكة يقومون بذلك قال أيوب السختاني - رحمه الله -: بلغنا والله أعلم أن ملكا موكلاً بكل من يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى يبلغه النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن بكر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((حياتي خير لكم ووفاتي خير لكم تحدثون فيحدث لكم فإذا أنا مت عرضت علي أعمالكم فإن وجدت خيرا حمدت الله وإن رأيت شرا استغفرت لكم)) وعن سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسين بن علي - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تجعلوا قبري عيدا أي لا تعتادوا زيارته في مواعيد محددة من السنة تكثرون الزيارة فيها ولا تجعلوا بيوتكم قبورا وصلوا علي حيثما كنتم فسيبلغني سلامكم وصلاتكم)) وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن لله ملائكة سياحين يبلغونني من أمتي السلام)).
اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
----------------------------------------
[1] أحمد (2/359).
[2] أورده ابن القيم في جلاء الأفهام (333) وسنده ضعيف.
[3] أخرجه أحمد (2/252) بنحوه. والحاكم (1/495).
[4] لم أقف عليه.
[5] عزاه السخاوي في القول البديع (171) إلى أبي الشيخ في فضائل الأعمال وقال في سنده محمد بن جابر وقد ضعفه غير واحد.
[6] عزاه السخاوي في القول البديع (227) إلى أبي موسى المديني بسند ضعيف.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين. أما بعد:
فيتبين مما سبق أن الصلاة والسلام على النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - من أفضل الأعمال وأحسن القربات وأعظمها بركة وعاقبة محمودة على المسلم أما يكفيك يا محب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنك إذا صليت عليه مرة واحدة يصلي الله عليك بها عشرا؟
ثم إنك بالصلاة والسلام على سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - تكون على اتصال به بأكرم وسائل الاتصال بواسطة الملائكة السياحين الذين يبلغونه - صلى الله عليه وسلم - صلاتك وسلامك بأمر الرب - عز وجل - فما دمت تصلي وتسلم على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنت على اتصال به ولكن اعلم أن أولئك الملائكة الكرام الذين يبلغون النبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - صلاتك وسلامك عليه يبلغونه أيضا حالك فاحرص على أن تكون في أحسن حال احرص على ألا يبلغونه - صلى الله عليه وسلم - عنك إلا أحسن الأحوال وأكرم الأفعال الخوف كل الخوف أن يبلغوه مع سلامك عليه أنك تعاند سنته وتهمل شريعته ونسيت آدابه وأنك غارق في الشهوات وأنك غارق في الملذات تجري وراء الأهواء وراء الدنيا وزخرفها غفلت عن سنته وشريعته وأن جسدك غذي بالحرام وأن جسدك امتلأ بالربا الخوف كل الخوف يا مسلم من أن يبلغوه أنك أعلنت الحرب عليه فكل من شيد صرح الربا فقد أعلن الحرب على الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وكل من شارك في الربا فقد شارك في الحرب على الله ورسوله فالخوف كل الخوف من أن يبلغوه مع سلامك أنك أعلنت الحرب عليه أو شاركت في الحرب عليه فيرد عليك بقوله: لا بارك الله لك ولا سلم عليك.
فاحذر يا محب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذه الموبقات الكبار واحرص على أن تجمع مع السلام عليه والصلاة الحرص على اتباع سنته - صلى الله عليه وسلم - وعلى تحكيم شريعته وعلى التأدب بآدابه والتخلق بأخلاقه فإن فعلت ذلك رجونا أن تنال شفاعته الكبرى وأن تحشر معه - صلى الله عليه وسلم - وأن تكون رفيقه في الجنات العلى جنات الفردوس.
أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وعليكم أيها المسلمون بالجماعة فإن يد الله على الجماعة ومن شذ شذ في النار واعلموا أن الجماعة هي التمسك بالكتاب والسنة وبمنهج الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين.
يا ابن آدم أحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك ملاقيه وكن كما شئت فكما تدين تدان.
ثم صلوا على خاتم النبيين وإمام المرسلين فقد أمركم الله بذلك في كتابه المبين فقال جل من قائل: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب: 56]. وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا))[1]، اللهم صل وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة أبى بكر الصديق وعمر الفاروق وذي النورين عثمان وأبي السبطين علي وعن آل بيت نبيك الطيبين الطاهرين وعن أزواجه أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك وعفوك وإحسانك يا أرحم الراحمين.
----------------------------------------
[1] صحيح مسلم (408).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد