فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

18.3k
9 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده. أما بعد:

فإن للصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - منزلة كبيرة في قلب كل مسلم، لذا سوف نتحدث بإيجاز عن الأحكام الفقهية المتعلقة بها، فنقول وبالله التوفيق:

قال اللَّه - تعالى - في كتابه العزيز: إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب: 56].

قال ابن كثير - رحمه الله -: «المقصود من هذه الآية أن اللَّه أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة، وأن الملائكة تصلي عليه، ثم أمر - تعالى -أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ليجتمع الثناء عليه من أهل العالَمَينِ، العلوي والسفلي جميعًا». [تفسير ابن كثير جـ3 ص514]

فائدة هامة: لماذا خُصَّ المؤمنون بالسلام دون اللَّه والملائكة؟

الجواب: لأن السلام هو تسليم النبي - صلى الله عليه وسلم - مما يؤذيه، فلما جاءت هذه الآية عقيب ذِكر ما يؤذي النبي - صلى الله عليه وسلم -: وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما [الأحزاب: 53]، والأذية إنما هي من البشر، فناسب التخصيص بهم والتأكيد، وإليه الإشارة بما ذكره بعده». [الفتوحات الإلهية للعجيلي جـ3 ص454]

معنى الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال أبو العالية: «صلاة اللَّه ثناؤه عليه عند الملائكة، وصلاة الملائكة الدعاء (أي أن الملائكة تطلب من اللَّه الزيادة من ثنائه على النبي).

وقال ابن عباس: «يصلون: يَُبِّركون» (أي يدعون له بالبركة) البخاري - كتاب التفسير - باب 10).

قال الحليمي: معنى الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -: تعظيمه، فمعنى قولنا: اللهم صلِّ على محمدٍ,: عظِّم محمدًا.

قال ابن حجر: المراد تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بإجزال مثوبته وتشفيعه في أمته، وإبداء فضيلته بالمقام المحمود.

وقال ابن حجر أيضًا: معنى صلاة اللَّه على نبيه: ثناؤه عليه وتعظيمه، وصلاة الملائكة وغيرهم: طلب ذلك له من اللَّه - تعالى -، والمراد طلب الزيادة، لا طلب أصل الصلاة. [فتح الباري جـ11 ص16]

وقال ابن القيم: معنى صلاة اللَّه على النبي - صلى الله عليه وسلم -: الثناء على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والعناية به، وإظهار شرفه، وفضله وحرمته، وصلاتنا على النبي - صلى الله عليه وسلم -: تعني أننا نطلب من اللَّه الزيادة في ثنائه على النبي - صلى الله عليه وسلم - وإظهار فضله وشرفه وتكريمه وتقريبه له.

[جلاء الأفهام ص261، 262]

معنى التسليم على النبي - صلى الله عليه وسلم -:

التسليم: معناه السلام، الذي هو اسم من أسماء اللَّه - تعالى -، ومعنى التسليم أيضًا: لا خلوت يا محمد من الخيرات والبركات، وسلمت من المكاره والآفات والنقائص، فعندما نقول: اللهم سَلِّم على محمد، فإنها تعني: اللهم اكتب لمحمد في دعوته وأمته وذكره السلامة من كل نقص، فيزداد على مَرِّ الأيام عُلوًا، وأمته تكاثرًا، وذِكره ارتفاعًا».

[فضل الصلاة على النبي للشيخ عبد المحسن العبَّاد ص88]

حُكم الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -:

الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فرض على كل مسلم بالغ عاقل، مرة واحدة في العمر، وما عدا ذلك فهي سنة مستحبة. [الشفا للقاضي عياض جـ2 ص62]

فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -:

جاء في فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أحاديث كثيرة، سوف نذكر بعضًا منها:

1- روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صلى عليَّ صلاة واحدة، صلى اللَّه عليه عشرًا». [مسلم حديث 408]

2- روى النسائي عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صلى عليَّ صلاة واحدة، صلى اللَّه عليه عشر صلوات، وحُطت عنه عشر خطيئات، ورُفعت له عشر درجات». [حديث صحيح: صحيح النسائي للألباني جـ1 ص415]

3- روى النسائي عن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن للَّه ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام». [حديث صحيح: صحيح النسائي للألباني جـ1 ص410]

4- روى الطبراني عن أبي الدرداء أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من صلى عليَّ حين يصبح عشرًا وحين يُمسي عشرًا أدركته شفاعتي يوم القيامة». [حديث حسن: صحيح الجامع للألباني حديث 6357]

5- روى الترمذي عن أُبي بن كعب قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذهب ثُلثا الليل قام فقال: «يا أيها الناس: اذكروا اللَّه، اذكروا اللَّه، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه، جاء الموت بما فيه، قال أُبيُّ: فقلت: يا رسول اللَّه، إني أكثر الصلاة عليك فكم أجعل لك من صلاتي عليك؟ قال: ما شئت، قلت: الربع؟ قال: ما شئت، فإن زدت فهو خير لك. قلت: فالنصف؟ قال: ما شئت، وإن زدت فهو خير لك، قلت: فالثلثين؟ قال: ما شئت فإن زدت فهو خير لك». قلت: أجعل لك صلاتي كلها؟ قال: إذا تُكفَى هَمَّك ويغفر

ذنبك». [حديث حسن: صحيح الترمذي للألباني حديث 1999]

قال المنذري: قوله: «فكم أجعل لك من صلاتي» معناه: إني أكثر الدعاء، فكم أجعل لك من دعائي صلاة عليك؟ »

[الترغيب والترهيب جـ2 ص389]

وقال المباركفوري: قوله: «أجعل لك صلاتي كلها» أي أصرف بصلاتي عليك جميع الذي كنت أدعو به لنفسي. وقوله: «إذًا تُكفى همك» يعني إذا صرفت جميع أزمان دعائك في الصلاة عليَّ أُعطيت خَيري الدنيا والآخرة.

[تحفة الأحوذي جـ7 ص129، 130]

التحذير من ترك الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عمدًا:

1- روى الترمذي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «رَغِمَ أنفُ رجل ذُكرتُ عنده فلم

يصلِّ عليَّ». [حديث صحيح: صحيح الترمذي حديث 2870]رغم أنف: يعني لصق بالتراب ذلاً وهوانًا.

2- روى الترمذي عن علي بن أبي طالب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «البخيل مَن ذُكِرتُ عنده فلم يصلِّ عليَّ». [حديث صحيح، صحيح الترمذي حديث 2811]

3- روى الترمذي عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما جلس قوم مجلسًا لم يذكروا اللَّه

فيه، ولم يصلوا على نبيهم، إلا كان عليهم ترة (حسرة وندامة) فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم». [حديث صحيح: صحيح الترمذي حديث 2691]

صفة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -:

سوف نذكر أصح صيغ الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يلي:

1- روى الشيخان عن كعب بن عُجرة قال: «خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلنا: يا رسول اللَّه، قد علمنا كيف نُسلِّم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد».

[البخاري حديث 6357، ومسلم حديث 406]

2- روى الشيخان عن أبي حميد الساعدي قال: قالوا: يا رسول اللَّه، كيف نصلي عليك؟ قال: قالوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى أزوجه وذريته كما باركت على إبراهيم، إنك حميد مجيد. [البخاري حديث 2369، ومسلم 407]

3- روى النسائي عن زيد بن خارجة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلوا عليَّ واجتهدوا في الدعاء، وقولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد». [حديث صحيح: صحيح النسائي جـ1 ص414]

حُكم جهر المؤذن بالصلاة على النبي بعد الأذان:

إن جهر كثير من المؤذنين بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - عقب الأذان بدعة لم يفعلها النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمؤذنون في عهده، ولم يفعلها الصحابة والخلفاء الراشدون والتابعون مع عِلمهم بفضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحرصهم على الطاعات، ولو كان ذلك خيرًا لسبقونا إليه، ومن المعلوم أن ألفاظ الأذان عبادة مبنية على التوقيف، لا يجوز الزيادة فيها ولا النقصان.

روى البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد». [البخاري 2697]

قال الإمام مالك بن أنس: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم -

خان الرسالةº لأن اللَّه - تعالى -يقول: اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا

[المائدة: 3]، فما لم يكن يومئذ دينًا، فلا يكون اليوم دينًا. [الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم جـ6 ص225]

حكم الصلاة على غير نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -:

سوف نتناول الحديث عن هذه المسألة من عِدة وجوه بإيجاز شديد:

أولاً: الصلاة على الأنبياء والمرسلين:

قال ابن القيم: سائر الأنبياء والمرسلين يُصلى عليهم ويُسلَّم.

[جلاء الأفهام ص627]

روى البيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «صلوا على أنبياء اللَّه ورسله فإن اللَّه بعثهم كما بعثني». [حديث حسن: صحيح الجامع للألباني حديث 3782]

ثانيًا: الصلاة على آل نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم – جميعًا بمعنى أن نقول:

اللهم صلِّ على آل محمد.

قال ابن القيم: آل النبي - صلى الله عليه وسلم - يُصلي عليهم بلا خلاف بين الأمة. [جلاء الأفهام ص636]

ثالثًا: هل يُصلى على آل نبينا محمد منفردين؟

بمعنى أن يفرد واحد منهم بالذكر، فيُقال: اللهم صلِّ على علي، أو اللهم صلِّ على الحسن أو الحسين أو فاطمة ونحو ذلك، وهل يُصلى على أحد من الصحابة ومَن بَعدهم؟

قال الإمام النووي - رحمه الله - عند الإجابة عن هذين السؤالين: الصحيح، الذي عليه الأكثرون أنه مكروه كراهة تنزيه، لأنه شعار أهل البدع، وقد نُهينا عن شعارهم. [الأذكار للنووي ص159]

قال ابن القيم: إن الرافضة إذا ذكروا أئمتهم يصلون عليهم بأسمائهم، ولا يصلون على غيرهم ممن هو خير منهم وأحب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فينبغي أن يُخالفوا في هذا الشعار. [جلاء الأفهام ص640]

فائدة

هامة:

قال الإمام النووي: اتفق العلماء على جواز جَعل غير الأنبياء تبعًا لهم في الصلاة، فيُقال: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وأصحابه وأزواجه وذريته وأتباعه، للأحاديث الصحيحة في ذلك، وقد أُمرنا به في التشهد، ولم يزل السلف عليه خارج الصلاة أيضًا. [الأذكار للنووي ص160]

حُكمُ قول: فلان عليه السلام:

فَرَّق أهل العلم بين السلام والصلاة، فقالوا: السلام يُشرع في حق كل مؤمن، حي وميت، حاضر وغائب، فإنك تقول: بَلِّغ فلانًا مني السلام، وهو تحية أهل الإسلام، ولذا يجوز أن نقول: فلانٌ - عليه السلام -.

وأما الصلاة فإنها من حقوق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولهذا يقول المصلي: السلام علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين، ولا يقول: الصلاة علينا وعلى عباد اللَّه الصالحين. [جلاء الأفهام ص639، 640]

أوقات الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -:

ذكر أهل العلم أوقاتًا وأحوالاً يُستحبُ عندها أن نصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، يمكن أن نوجزها فيما يلي:

1- بعد ترديد نداء المؤذن للصلوات المفروضة.

2- عند دخول المسجد والخروج منه.

3- بعد التشهد الأخير في الصلاة.

4- عقب دعاء القنوت.

5- في صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية.

6- قبل الدعاء

وبعده على الإطلاق.

7- عند خطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء وغيرها.

8- عند ذِكر اسمه - صلى الله عليه وسلم - أو كتابته.

9- عند الصفا والمروة في الحج والعمرة.

10- يوم الجمعة.

11- عند الصباح والمساء.

12- عند ختام المجلس.

13- عند إلقاء دروس العلم وختامها.

14- بين التكبيرات أثناء صلاة العيدين. [الشفا للقاضي عياض جـ2 ص66- 72، جلاء الأفهام ص463، 611]

ثمرات الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -:

ذَكَر الإمام ابن القيم ثمرات للصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، يُمكن أن نجملها فيما يلي:

1- أنها امتثال لأمر اللَّه - تعالى -.

2- سبب للحصول على الحسنات ورفع الدرجات ومحو السيئات.

3- شفاعته يوم القيامة لمن يصلي عليه.

4- أنها سبب لقرب المسلم من النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم القيامة.

5- أنها سبب لصلاة اللَّه والملائكة على المسلم.

6- أنها سبب لإجابة

الدعاء.

7- أنها سبب لمغفرة الذنوب وجلاء الهموم.

8- أنها سبب لطيب المجلس.

9- أنها تنفي عن قائلها صفة البخل.

10- أنها سبب لدوام محبة قائلها للنبي - صلى الله عليه وسلم - وزيادتها.

11- أنها متضمنة لِذكر اللَّه وشكره، ومعرفة نعمه على عباده بإرساله النبي - صلى الله عليه وسلم - لهداية الناس.

12- أنها سبب للبركة في ذات المصلي وعمره وعمله وأسباب مصالحه. [جلاء الأفهام ص612، 626]

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصلى اللَّه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق