إن رباط الأخوة في الإسلام رباط عظيم ولذلك حرص النبي - صلى الله عليه وسلم - عليه وأكده، وكان من أوائل الأمور التي قام بها بعد وصوله المدينة أن آخى بين المهاجرين والأنصار.
ويبدو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استمر يؤاخي بين أصحابه مؤاخاة مواساة وتعاون وتناصح دون أن يترتب على ذلك حق التوارث بين المتآخين،
وهكذا وردت أخبار تفيد أنه آخى بين أبي الدرداء وسلمان الفارسي مع أن سلمان أسلم بين أحد والخندق مما جعل الواقدي والبلاذري ينكران ذلك.
وكذلك أنكر ابن كثير مؤاخاة جعفر بن أبي طالب لمعاذ بن جبل لأن جعفراً قدم في فتح خيبر أول سنة 7هـ.
ومثل ذلك مؤاخاة الحتات مع معاوية بن أبي سفيانº لأن معاوية أسلم بعد فتح مكة سنة 8هـ.
وكذلك فإن الحتات قدم المدينة في وفد تميم في العام التاسع للهجرة، وإذا اعتبرنا المؤاخاة مستمرة إلا ما يتعلق بحق التوارث الذي أبطل بعد بدر فلا موجب لهذا الاعتراض والإنكار الذي أبداه المؤرخون تجاه هذه الروايات.
وكذلك إذا قبلنا وقوع مؤاخاة دون إرث قبل وبعد تشريع المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار فإن ذلك سوف يفسر الالتباس الذي وقع فيه ابن إسحق عندما أورد في قائمة المتآخين خبر مؤاخاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي ومؤاخاة حمزة لزيد بن حارثة وكلهم مهاجرون في حين أن سائر الأسماء الأخرى التي وردت في قائمته توضح أن المؤاخاة كانت بين مهاجري وأنصار.
وقد عقب ابن كثير على مؤاخاة النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي ومؤاخاة حمزة لزيد بأنه لا معنى لهذه المؤاخاة إلا أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجعل مصلحة علي إلى غيره فإنه كان ممن ينفق عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - من صغره. وإلا أن يكون حمزة قد التزم بمصالح مولاهم زيد بن حارثة فآخاه بهذا الاعتبار.
ولكن هذا التعليل الذي قدمه ابن كثير غير مقبول لأن المصادر ذكرت مؤاخاة حمزة ابن عبد المطلب لكلثوم بن الهدم وغيره، كما ذكرت مؤاخاة زيد بن حارثة لأسيد بن حضير.
كما أن المؤاخاة بين الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعلي تقتضي التوارث، والنبي لا يورث كما جاء في الحديث، كما أن البلاذري ذكر مؤاخاة علي لسهل بن حنيف.
وكذلك فإن البلاذري ذكر وقوع مؤاخاة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلي وحمزة وزيد بمكة
ونخلص من ذلك إلى أن هذه المؤاخاة بين النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلي وبين حمزة وزيد إذا كانت قد وقعت، فإنها مؤاخاة تقتضي المؤازرة والرفقة دون حقوق التوارث وأنها جرت في غير الوقت الذي أعلن فيه نظام المؤاخاة في دار أنس بن مالك.
وأخيراً فإن المؤاخاة التي شرعت بين المؤمنين باقية لم تنسخ سوى ما يترتب عليها من توارث فإنه منسوخ، وبوسع المؤمنين في كل عصر أن يتأخوا بينهم على المواساة والارتفاق والنصيحة ويترتب على مؤاخاتهم حقوق أخص من المؤاخاة العامة بين المؤمنين. والله نسأل ان يؤلف بين المؤمنين ويجعلهم أخوة متحابين متناصرين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد