الوحي رحمة من الله - تعالى - على عباده وفضل منه، أخرجهم به من الظلمات إلى النور وهداهم إلى الصراط المستقيم، وأصلح لهم به أمور دنياهم وآخرتهم، فمن اتبعه سعد في حياته وبعد مماته، فقد سماه الله - تعالى -روحاً، ولا حياة إلا بالروح، قال - تعالى -: {وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا} (الشورى: 52).
وجعل الله حياة القلوب بهذا الوحي فقال - تعالى -: {أومن كان ميتا فأحييناهُ وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله فِي الظلمات ليس بخارج منها} (الأنعام: من الآية122) ولأهمية هذا الوحي وحاجة العباد إليه، اختار الله صفوة البشر فبعثهم بوحيه إلى الناس، واصطفى للرسالة الخاتمة والمهيمنة أفضل أنبيائه وخاتم رسله محمداً - عليه الصلاة والسلام -، فأكرمه بهذه الرسالة، وأكرم أمته من بعده، فنزل عليه الوحي أول ما نزل وهو بغار حراء، فأتاه جبريل بآيات من القرآن الكريم، ثم توقف الوحي وانقطع فترة بعد ذلك، لحكمة أرادها الله - تعالى -، فعن انقطاع الوحي وتوقفه كان هذا المقال الذي بين يديك.
لماًّ نزل الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للمرة الأولى، وفاجأه المَلَك في غار حراء خاف على نفسه، ورجع إلى خديجة - رضي الله عنها - وأخبرها بالذي حصل له وقال لها: لقد خشيت على نفسي، فذهبت به خديجة إلى ابن عمها ورقة بن نوفل وكان نصرانياً وله علم بالتوراة فأخبرته الخبر، فقال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا الناموس الذي نزل على موسى - عليه السلام ـ أي الوحي ـ وحينئذٍ, اطمأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفرح بإكرام الله - تعالى - له بالنبوة، ولما ترقَّب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نزول الوحي مرة ثانية، وتهيأ لذلك، انقطع الوحي وتوقف فترة من الزمن، وقد روى ابن سعد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ما يفيد أن فترة انقطاع الوحي كانت أياماً.
وبقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيام انقطاع الوحي كئيباً حزيناً تعتريه الحيرة والدهشة، حتى أراد أن يتردى ويرمي بنفسه من رأس الجبل كما في صحيح البخاري ولكن كان كلما أراد أن يفعل ذلك ظهر له جبريل وقال له: يا محمد إنّك رسول الله حقاً، فيهدأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويطمئن، فإذا طالت الفترة رجع ليرمي نفسه من الجبل، فيظهر له جبريل مرة أخرى، ويقول له: يا محمد إنَّك رسول الله حقاً، فيطمئن لذلك وتستريح نفسه، ثم نزل الوحي بعد ذلك وتتابع.
وقد كان في انقطاع الوحي خلال تلك الفترة حكم لله - تعالى -منها: أن يذهب الخوف والفزع الذي وجده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عندما نزل عليه الوحي أول مرة، وليحصل له الشوق والترقب لنزول الوحي مرة أخرى، ولما ذهبت الحيرة وثبتت عنده الحقيقة، وعلم علم اليقين أنه رسول الله، وأن ما جاءه هو سفير الوحي ينقل إليه خبر السماء، صار شوقه وترقبه لمجيء الوحي سبباً في ثباته واحتماله عندما عاوده الوحي مرة ثانية.
وبالجملة: فإن الله - تعالى - له الحكمة البالغة يفعل ما يشاء ويختار، فقد كان انقطاع الوحي بعد نزوله لفترة من الزمن لحكمة عظمية كما تقدم معنا، وثبت أمر الله بعد ذلك، وتمت نعمته على عباده بوحيه الكريم، فله الحمد في الأولى والآخرة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 2 )
الرد على محاولة التردي من الجبل
12:20:29 2019-12-03
الرد على حديث محاولة التردي من على الجبل
-أبو حذيفة
05:38:30 2018-04-01