قراءة تحليلية لسيرة ومسيرة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله


  

بسم الله الرحمن الرحيم

(1)

صحيح أنه أعمى، لكن إذا عرضت مشكلة تجد المبصرين يبحثون عنه.

وصحيح أنه كفيف، لكن لا يكف - عند النازلة - ذوو العقول والأحلام في التنقيب عنه.

وصحيح أنه لا يرى لكن تجد من يرى لا يطمئن حتى يفتش عنه ويستفتيه، هو - الشيخ عبد العزيز بن باز - تفسيراً لقوله - تعالى -: {أَفَلَم يَسِيرُوا فِي الأَرضِ فَتَكُونَ لَهُم قُلُوبٌ يَعقِلُونَ بِهَا أَو آَذَانٌ يَسمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعمَى الأَبصَارُ وَلَكِن تَعمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصٌّدُورِ} [الحـج: 46].

وسبب التفتيش والبحث والتنقيب ما يملكه - رحمه الله - من الإدراك، القوي للأمور، والأعمى يشترك مع البصير في قوة الإدراك، وقد يفوقه، كما قيل لبشار بن برد: إنك تأتي بالمعجب والتشبيه القريب مع أنك أعمى؟!

فقال: \"عدم النظر يقوي ذكاء القلب ويقطع عنه الشغل\"(1).

بل هناك من يرى أن المشاهدة قد تكون في بعض الأحيان سبباً في عدم إتاحة المجال للتدبر والتفكر الهادف إلى تنمية ملكات العقل والإبداع، يقول: د/ ناجي حلواني: \"لا يتيح التليفزيون مجالاً للتخيل، لأنه يشغل حواس المشاهد، ولا يسمح له بأن ُيحَلَّق في خياله، وذلك بعكس الراديو الذي يتيح للإنسان فرصة للتخيل، وكذلك الكتاب الذي يجعل القارئ يسبح في أحداث رواية من الروايات، فالمطلوب هنا الخيال الهادف إلى تنمية ملكات العقل في التخيل والإبداع، وإثارة التطلعات نحو حياة أفضل، والعمل الجاد على تحقيقها\"(2).

ومَن تدبر حياةَ هذا الإمام، واستقرأَ أحوالَه تبين كيف كتب الله له أن يعيشَ محبوباً، وليس له أعداء مع تميزه على غيره ومخالفته لهم، وهذا من النادر جدًّاº لأن التميزَ سببٌ في خلق الأعداء وعلة للبغضاء، كما يقول الفيلسوف الفرنسي: \" إذا أردتَ أن تخلق الأعداء فتميز على أصدقائك، وإذا أردتَ الأصدقاء فدعهم يتميزون عنك\"(3).

وكيف استطاع ذلك مع أن المعاصرة سبب للمنافرة، وكيف استطاع أن يبقى متمسكاً بمبادئه لا يتنازل عنها مع شدة النوازل وقوة الأزمات فمن كان عنده قوة إدراك ولديه تدبر قوي كان باستطاعته إدارة الأزمات، ووصف دوائها.

فليست العبرة بالبصر والمشاهدة، بل العبرة بالإبصار القلبي، الذي هو محل الإدراك والتفكر العقليين في إدارة الأزمات وتشخيص القضايا وحلّ المعضلات، ووصف الدواء وتحضير العلاج.

والسمع كاف للإبصار القلبي لذلك كان من شروط النبوة، والعلماء ورثة الأنبياء.

قال الصفدي - رحمه الله -: \" فضل كثير من العلماء السمعَ على البصر، وقالوا: إنَّ السمع شرط في النبوة بخلاف البصر، ولذلك لم يأت في الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - من كان أصم، وجاء فيهم من طرأ عليه العمى، وقالوا: بالسمع تصل نتائج العقول، فالسمع كأنه سبب لاستكمال العقل....قلت: ولا شك أن أدلة فضيلة السمع أقوى من أدلة فضيلة البصر\" (4) ا هـ.

يقول العلامة محمد رشيد رضا - رحمه الله - بمعنى كلامه: \" إنَّ كثيراً ممن ينظرون للقضايا، ويقومون بإدارة الأزمات - كالعلماء وفلاسفة السياسة والاقتصاد والاجتماع أناس منغلقون في غرف وقابعون في دور\".

أي أنهم لم ينتقلوا إلى مسرح الأحداث، ولم يرحلوا إلى مواقع الأزمات، ولم يشاهدوها وجهاً لوجه، بل نقلت إليهم الأخبار، لذلك لم يكن الصحفي الذي يتنقل، ويرحل، ويشاهد هو المشخص للقضايا، والمخطط لإدارة الأزمات والأحداث، بل غيره أفضل منه، وله اعتبار أكبر، ولديه حلٌُّ للقضية والمخرج من الأزمة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply