بسم الله الرحمن الرحيم
4 ربيع الأول 886 هـ ـ 3 مايو 1481م:
هو أعظم وأشهر سلاطين الدولة العثمانية، وصاحب الشرف الذي سعى له ملوك وأمراء وخلفاء المسلمين منذ العهد الأموي حتى وقته وهو شرف فتح القسطنطينية، هو السلطان محمد الثاني بن مراد الثاني بن محمد الأول بن بايزيد الصاعقة بن مراد الأول بن أورخان بن عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية([1]).
ولد محمد الثاني سنة 833هـ، وأعده أبوه «مراد الثاني» وأهّله لهذه الدرجة الرفيعة منذ صغره, فعهد به للعلماء والصالحين ليربوه تربية صحيحة، كان العالم «أحمد بن إسماعيل الكوراني» أشدهم تأثيراً في نفسه وعقله، فحفظ محمد القرآن، وقرأ الفقه والسنة، وتاريخ العربº وهو فتى صغير، وتلقى تدريباته على القتال والسياسة في قصر السلطنة، بل إن أباه قد اعتزل السلطنة وعهد إليه بها وهو في الرابعة عشرة من العمر فباشرها قدر استطاعته، ولما رأى أبوه استخفاف قادة الجيش به عاد للسلطنة، وباشرها حتى يشتد عود ولده محمد الثاني.
تولى محمد الثاني السلطنة بعد وفاة أبيه «مراد الثاني» سنة 855هـ وكان عمره آنذاك 22 سنة, فوجه كل همه وقوته أولاً لفتح القسطنطينية، ودعمه معنوياً في ذلك شيخه «آق شمس الدين», وظل يعد العدة، ويجمع الأسلحة، ويجهز الجيوش، ويشحذ الهمم لهذه الغاية العظيمة حتى تم له الفتح سنة 857 في ملحمة هي الأروع في تاريخ العصور الوسطى، بل هو الحادث الأهم في هذه الحقبة الزمنية.
لم تقتصر فتوحات محمد الفاتح على القسطنطينية فقط بل قام بتحويل ولاية الصرب البلقانية إلى ولاية عثمانية، وفتح بلاد المورة «جنوب اليونان»، وجزر بحر إيجه، وفتح بلاد الأفلاق «جنوب رومانيا»، وفتح بلاد البوسنة، ودخل أهلها في دين الله أفواجاً، ثم استكمل فتح ألبانيا، وحاول محمد الفاتح فتح بلاد البغوان «غرب رومانيا» وإيطاليا ولكنه فشل، وأدخل شبه جزيرة القرم تحت السيطرة العثمانية.
ولم يكن محمد الفاتح مجرد قائد حربي لا يعرف إلا القتال والغزو فقط بل كان له من الإنجازات الحضارية والعمرانية الشيء الكثير، فلقد كان شديد الاهتمام بالمدارس والمعاهد العلمية، ونشر العلوم في كافة أرجاء الدولة المتسعة, وأنشأ المكتبات الكبيرة، ووضع لها نظاماً دقيقاً ينم عن عقلية علمية تسبق زمانها, وكان محباً للعلماء، يحرص على إحضارهم لبلاطه، والاستفادة من علومهم، وهو مع ذلك مهتم بالشعراء والأدباء والترجمة، وبنى المستشفيات والقصور والمساجد والأسواق الكبيرة، واهتم بتنظيم التجارة والصناعة، وأنشأ نظاماً دقيقاً للإدارة خاصة بالجيش والبحرية، ونظم القضاء وجعله مستقلاً، وشدد على حرمة القضاة ونوابهم.
كان محمد الفاتح شجاعاً ذكياً ذا عزم وإصرار وهمة تناطح قمم الجبال، عمل بهدف وضعه نصب عينيه، ولم يبال بالصعاب والمشاق، فحاز الشرف، ونال قصب السبق رغم تأخر زمانه عن أقارنه، ونال الفتح العظيم، وظل طوال حياته ناصحاً للإسلام وأهله، مجاهداً في سبيل الله حتى أتاه اليقين في 4 ربيع أول سنة 886 الموافق 3 مايو 1481م وهو يعد الجيوش لغزو إيطاليا بعدما أقسم أن يربط حصانه في مذبح كنيسة بطرس، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
________________________
([1]) راجع ما يلي: سلاطين آل عثمان, محمد الفاتح للرشيدي, تاريخ الدولة العثمانية, العثمانيون في التاريخ والحضارة
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد