ترجمة الإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ


  

بسم الله الرحمن الرحيم

كان من أعلم أهل زمانه وأحسنهم تعليماً وعناية بالطالب.

الإمام عبد العزيز ابن باز

 

عرفنا فيه وفور العلم وموفور العقل وتمام الحكمة والصبر المنقطع النظير فهو - رحمه الله - فيما اعتقد وأجزم به من نوادر الرجال الذين عرفتهم علماً وعملاً وحلماً وعقلاً وحكمة

 الإمام محمد الأمين الشنقيطي

 

أجمع عارفوه على أن الله - تعالى - وهبه عقلاً كبيراً وأعطاه فهماً ثاقباً ومنحه جلداً وصبراً ورزقه قوة في بدنه وفكره

الشيخ عبد الله البسام

 

كان ظهوره في عالم الدعوة صدمة مزلزلة للجاحدين والخرافيين ونعمة أبهجت قلوب المعتصمين بحبل الله المتمسكين بكتابه المبين وسنة رسوله الأمين

الشيخ محمد المجذوب

 

ترجمة للشيخ محمد بن إبراهيم [1]

اسمه وولادته:

هو شيخ مشايخنا الإمام العلامة سماحة الشيخ: محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن شيخ الإسلام محـمد ابن عبد الوهاب - رحمهم الله - من بني تميم.

ولد - رحمه الله - تعالى - يوم عاشوراء من عام 1311هـ، وقيل أن أمه كانت صائمة عاشوراء يوم ولدته [2].

أبـوه هـو الشيـخ القـاضي إبراهيم بن عبد اللطيف، وأمه هي (الجوهرة بنت عبد العزيز الهلالي) من (عرقة) من المزاريع من بني عمرو من تميم.

 

نشأته وفقده لبصره:

نشأ نشأة دينية علمية، في بيت علم و دين، فأدخل الكتّاب في صغره فحفظ القرآن مبكراً، ثم بدأ الطلب على العلماء مبكراً قبل أن يبلغ السادسة عشر، ثم أصيب - رحمه الله تعالى - بمرض في عينيه، وهو في هذه السن ولازمه سنة تقريباً حتى فقد بصره في حدود عام 1328هـ وهو في سن السابعة عشر.           

قال المجذوب: قدر الله أن يصاب مترجمنا كالكثيرين من فضلاء نجد في بصره إذ ذهب الجدري الذي كان على أشده في تلك الأيام بنور عينه.

قال الحمين: كان يعرف القراءة والكتابة قبل فقده لبصره، و يوجد له بعض الأوراق بخطه قبل أن يفقد بصره، وكان يعرف الكتابة حتى بعد فقده بصره وشاهدته - رحمه الله تعالى - يكتب بعض الكلمات على الأرض.

 

زواجه وأولاده:     

تزوج الشيخ - رحمه الله تعالى - ست مرات، وأول زواجٍ, له كان في سنة 1335هـ تقريباً وهو في الرابعة والعشرين من عمره، ومات وفي عصمته ثلاث زوجات.

أوصافه:

كان - رحمه الله تعالى - متوسط الطول، ملئ الجسم، متوسط اللون ليس بالأبيض ولا بالأسمر بل بين ذلك، خفيف شعر العارضين جداً، يوجد شعر قليل على ذقنه، إذا مشى يمشي بوقار وسكينة، وكان - رحمه الله - تعالى - كثير الصمت وإذا تكلم لا يتكلم إلا بما يفيد.

 

مشايخه وطلبه للعلم:      

حفظ القرآن مبكراً، ثم بدأ بطلب العلم على مشايخ عصره قبل فقده لبصره، وهو في سن المراهقة قبل أن يفقد بصره - رحمه الله تعالى -، وبعد أن فقد بصره استمر في طلبه العلم حتى نبغ مبكراً، وتصدر للإفتاء والتدريس.            

ومن المشايخ الذين درس عليهم:   

1- الشيخ عبد الرحمن بن مفيريج: وقرأ عليه القرآن وهو صغير، وكان الشيخ محمد - رحمه الله - يثني كثيراً على حفظ هذا الشيخ وسمعته يقول عنه: (إنه آية في حفظه لكتاب الله، وفي ضبطه للإعراب، و كان أثناء القراءة عليه يكتب فإذا أخطأ أحد في الحفظ أو القراءة يرد عليه، وكان يرد الخطأ في الحفظ والخطأ في الإعراب، وكان يفتح على الأئمة إذا أخطئوا من أول الآية أو التي قبلها)اهـ.

 

2- عمه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف: وبدأ في الدراسة عليه قبل أن يفقد بصره، وكان الشيخ عبد الله - رحمه الله - يحب الشيخ محمداً ويقدره كثيراً رغم صغر سنه آنذاك، وقد سمعت الشيخ محمد - رحمه الله تعالى - يصفه ويقول: (كانت عيون الشيخ عبد الله - رحمه الله - حسنة، وكنت إذا أتيت إليه يرحب بي ترحيباً كثيراً، ويقدمني في المجلس، وكان هذا الفعل من الشيخ - رحمه الله تعالى - يخجلني)اهـ.            

3- الشيخ سعد بن حمد بن عتيق: وكان الشيخ محمد يحبه ويقدره كثيراً، وكان إذا ذكره قال: (شيخنا الشيخ الكبير والعالم الشهير).       

4- الشيخ عبد الله بن راشد: سمعت الشيخ محمداً يقول: (درست عليه علم الفرائض وكان آية فيها).           

5- الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع: رأيته مراراً إذا جاء للشيخ محمد - رحمه الله - قام إليه واستقبله ورحب به وأجلسه مكانه، فسألت عن السبب في تقدير الشيخ له، فقيل لي إنه شيخ له، ولأنه يكبره بالسن.

 

من أعماله التي تولاها:    

1- عين قاضياً في (الغطغط) واستمر في هذا العمل ستة أشهر، وتزوج الشيخ من أهلها أثناء إقامته هناك.      

2- كان إماماً لمسجد الشيخ عبد الرحمن بن حسن المسمى الآن مسجد الشيخ محمد بن إبراهيم- وقد حدثني الشيخ نفسه - رحمه الله - أن اسم المسجد هو (مسجد الشيخ عبد الرحمن بن حسن)، وكان خطيباً للجامع الكبير، واستمر في الإمامة والخطابة إلى موته - رحمه الله تعالى - .           

3- التعليم: وكان - رحمه الله - قبل انشغاله بالأعمال الكثيرة في مصالح المسلمين - له حلقة تدريس في مسجده بعد الفجر، وفي بيته في الضحى، وفي مسجده أيضاً بعد العصر أحياناً.

4- وكذلك كان هو المفتي للبلاد، وكان قبل فتح (إدارة الإفتاء) رسمياً هو الذي يفتي، ثم افتتحت (إدارة الإفتاء) رسمياً في شهر شعبان من عام 1374هـ تحت إشرافه.

5- ولما افتتحت رئاسة المعاهد والكليات أيضاً كان هو الرئيس، وكان قد أناب عنه أخاه الشيخ عبد اللطيف.     

6- ولما تأسست رئاسة القضاء عام 1376هـ عمد رسمياً برئاسة القضاء، ووضعت لها ميزانية خاصة، وعين ابنه الشيخ عبد العزيز نائباً له فيها، و الشيخ عبد الله بن خميس مديراً عاماً.         

7- ولما افتتحت رئاسة البنات عام 1380هـ كان هو المشرف العام عليها، فوضع الشيخ عبد العزيز ابن ناصر بن رشيد رئيساً عليها، ثم عين بدلاً عنه الشيخ ناصر بن حمد الراشد.   

8- ولما افتتحت رابطة العالم الإسلامي كان هو رئيس المجلس التأسيسي لها، وكان الأمين للرابطة هو محمد سرور الصبان.    

9- ولما افتتحت الجامعة الإسلامية عام 1380هـ كان هو المؤسس لها وعين نـائباً له الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

 

طريقته في التعليم وتلاميذه:

1- كان إذا صلى الفجر استند على سارية مستقبلاً القبلة في الصيف على الجدار الشرقي لمسجده، وفي الشتاء في خلوة المسجد-، ويتحلق عليه الطلبة، ثم يبدأون بالقراءة عليه من المتون حفظاً، ثم يبدأ بالشرح، لمدة ساعة أو أكثر، ثم يفترقون ويأتي آخرون عند الشيخ في البيت للدرس وقت الضحى.           

2- كان يطلب القراءة من بعض الطلبة الذين يمتازون بقوة الصوت أو حسنه - دون من في صوتهم ضعف- كالشيخ أحمد بن قاسم وأخوه الشيخ محمد والشيخ فهد بن حمين والشيخ عبد الرحمن بن فريان.    

3- كان يلزم طلبته بحفظ المتون، وكان حازماً في هذا الأمر، ويقول: إن الذي لا يحفظ المتون ليس بطالب علم، بل هو مستمع.

4- وكان يلزم طلبته بالحضور للدرس دائماً ولا يرضى بغياب أحد منهم.    

5- كان طريقته في درس المطولات الاختصار في الشرح، فلا يشرح إلا مواضع قليلة تحتاج للشرح بخلاف المختصرات فإنه كان يطيل الشرح فيها.

6- وكان لا يريد الأسئلة التي تكون خارج الدرس أو التي يراها قليلة الفائدة.         

7- كان في أول وقته يدرس طلبته جميع الدروس، ثم لما بدأت مسئولياته تكثر صار يأتي غيره في بعض العلوم كالشيخ أبي حبيب والشيخ حماد الأنصاري والشيخ إسماعيل الأنصاري - رحمهم الله -.      

8- كان له درس عام قبل صلاة العشاء في مسجده في التفسير وكان الذي يقرأ عليه في هذا الدرس هو الشيخ (عبد العزيز بن شلهوب).            

9- وكان - رحمه الله - يحضر دروسه بعد العشاء الآخر، وكان الذي يأتيه لهذه المهمة هو الشيخ أحمد ابن عبد الرحمن بن قاسم، فكان يأتيه بعد العشاء ويقرأ عليه دروس الغد، وكان يطلب منه أن يأتيه بحاشية أبيه (الشيخ عبد الرحمن) على الروض - قبل أن تطبع - ويطلب منه أن يقرأ فيه، وكان يقرأ من حاشية العنقري أيضاً وكان يقول: إن العنقري طالت مدته في القضاء لذلك فحاشيته عن علم وفهم وممارسة.

10- وكان يختبر طلبته دائماً بنفسه في جميع العلوم التي يدرسهم إياها، ويصحح اختباراتهم أيضاً، فلا يعين الطالب قاضياً أو مدرساً ونحو ذلك إلا بعد اجتيازه هذه الاختبارات.       

وسألت شيخنا الشيخ حمود العقلا - رحمه الله - عن طريقة الشيخ في التدريس فقال لي: كان سماحة الوالد من أحرص المشايخ على طلابهم وكانت طريقته في التدريس هي كالتالي: يجلس للطلاب في المسجد بعد الفجر ونقرأ عليه في الألفية والبلوغ والزاد وقطر الندى ـ وكنا نحفظها كاملة ـ ثم يطلب الشيخ أن نعرب الأبيات كاملة ثم يقرأ الشيخ محمد بن قاسم شرح ابن عقيل على الشيخ ـ وهو شرح للأبيات التي قرأناها قبل قليل، ثم بعد إشراق الشمس بنحو نصف ساعة يذهب الشيخ إلى بيته والطلاب يلحقونه إلى بيته ثم بعد مدة يأذن لهم فيدخلون ويجلس لهم كذلك وتبدأ قراءة المختصرات أولاً كتاب التوحيد ثم كشف الشبهات ثم الواسطية ثم إن كان هناك دروس خاصة لأحد الطلاب قرأ من يريد القراءة ثم تبدأ قراءة المطولات مثل صحيح البخاري أو المغني أو منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام، وهي تسمي قراءة المطولات هذا يقرأ والشيخ يستمع فقط وإذا عرض لأحد الطلاب إشكال سأل الطلاب وإلا الشيخ لا يشرح، وللشيخ جلسة ثالثة قبل العشاء يقرأ عليه فيها تفسير ابن كثير يقرأها الشيخ عبد العزيز بن شلهوب وأحياناً يعلق الشيخ على التفسير، وليس له إلا هذه الجلسات فقط.

 

تلاميذه:

قال حمد بن حمين [3]:    

ينقسم الذين درسوا على الشيخ إلى ثلاثة أقسام:   

القسم الأول: من درسوا عليه قديماً وهؤلاء كثيرون ومنهم:      

1- الشيخ عبد الله بن حميد - رحمه الله - .   

2- الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - .    

3- الشيخ سليمان بن عبيد - رحمه الله - .   

4- الشيخ صالح بن غصون - رحمه الله - .     

5- الشيخ محمد بن مهيزع - رحمه الله - .    

6- الشيخ عبد الرحمن بن سعد - رحمه الله - .          

7- الشيخ عبد الرحمن بن هويمل - رحمه الله -.        

8- الشيخ عبد الرحمن بن فارس - رحمه الله -.          

 

القسم الثاني: طلبته الذين أدركتهم، وكانوا ملازمين له دائماً، وهؤلاء عشرة طلاب هم:

1- الأخ الشيخ فهد بن حمين: وقد التحق بالشيخ من عام 1370هـ ولازمه ملازمة تامة، وكان صوته جميلاً في القراءة فكان الشيخ محمد - رحمه الله - يرتاح لقراءته فيجعله إذا قرأ يطيل أكثر من غيره.      

2- الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم: وكان يمتاز بحفظه للمتون وضبطه واستحضاره لها.       

3- الشيخ أحمد بن عبد الرحمن بن قاسم: وكان كثير القراءة على الشيخ، وهو الذي كان يأتي للشيخ لتحضير الدروس بعد العشاء، وهو الذي كان كثيراً ما يسافر مع الشيخ في رحلاته ويقرأ عليه فيها، وهو الذي قام بترتيب مكتبة الشيخ محمد.           

4- الشيخ محمد بن جابر - رحمه الله - وكان كفيفاً وصار قاضياً في المحكمة المستعجلة.   

5- الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن فريان.

6- الشيخ عبد الله بن سليمان بن معيوف - رحمه الله تعالى - ولم يكمل.            

7- الشيخ محمد بن عبد الله السحيباني - رحمه الله - وقد صار قاضياً.    

8- الشيخ عبد الله بن سعدان الجظعي وصار قاضياً.    

9- الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين.           

10- الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن مقرن - رحمه الله -.       

 

القسم الثالث: من لم يلازمه دائماً، بل كان يأتي لحلقة الدرس أحياناً، وهؤلاء كثيرون منهم:

1-الأمير محمد بن عبد العزيز بن سعود بن فيصل بن تركي - رحمه الله تعالى - .

2- الشيخ ناصر البكر.        

3- والشيخ عبد الله بن عقيل [4].

4- والشيخ أحمد الحميدان.

5- والشيخ عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ.    

وممن ذكرهم البسام:      

1. الشيخ حمد بن محمد بن جاسر - رحمه الله -.      

2. الشيخ حمود بن عقلا الشعيبي - رحمه الله -        

3. الشيخ عمر بن عبد العزيز بن مترك - رحمه الله -.   

4. الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع.      

وغيرهم كثير.

أخلاقه:    

قال حمد بن حمين:           

1-الذكاء: فقد كان - رحمه الله - ذكياً، ولم يبلغ إلى ما بلغ إليه مع فقده بصره مبكراً إلا لذكاء باهر تميز به عن غيره.

2-الحفظ: فقد كان - رحمه الله - حافظاً للمتون، متقناً للقرآن فلا أذكر مرة خلال 18سنة قضيتها معه- أنه قد رد عليه أحد أثناء قراءته للقرآن في المسجد أثناء الصلاة، وإن كان الشيخ - رحمه الله - لا يتحدث مطلقاً عن سعة حفظه أو عن محفوظاته أو ما أشبه ذلك.            

3-الحزم والشدة: فكان - رحمه الله - حازماً شديداً، فكان يلزم الطلبة بالحفظ للمتون ولا يرضى بأقل من ذلك، ولا يرضى بغياب أحد منهم.

4-الزهد في الألقاب والمديح: وقد صحبته ثمانية عشر عاماً ما سمعته يوماً قال عن نفسه (الشيخ) أو (المفتي) حتى لو كان ينقل الخبر عن غيره بل كان إذا ذكر اسمه ذكره مجرداً إلا مرة واحدة فقط وذلك عندما استضاف أحد وجهاء الخليج الصالحين فأراد مني أن أتصل له على الفندق ليحجز له فيه، فلما كلم موظف الفندق- وكان مصرياً- قال له: معك محمد بن إبراهيم، فلم يعرفه، فقال: محمد بن إبراهيم آل الشيخ، فلم يعرفه، فردد عليه مراراً فلم يعرفه، فقال: المفتي، فلما انتهت المكالمة قال: هداه الله، ألزمني أن أقول هذه الكلمة. وكان إذا أثنى عليه أحد أو مدحه يقاطعه بقوله: الله يتوب علينا، الله يعفو عنا.

5-الورع: فقد كان - رحمه الله تعالى - ورعاً خصوصاً في أمور العبادات إذا استفتي فيها، وأحياناً لا يقضي فيها بشيء بل يتوقف، وأحياناً يسأل عن المسألة فيتأملها يوماً أو يومين قبل الإجابة عليها كما سيأتي بعض الأمثلة على ذلك إن شاء الله - تعالى -.           

6- تقديره للعلماء والمشايخ والدعاة والقضاة:

فكان يثني على مشايخه الذين درس عليهم فكان يقول عن شيخه الشيخ سعد بن عتيق: شيخنا الشيخ الكبير والعالم الشهير، وكان إذا أتاه الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع قام له ورحب به وأجلسه مكانه.      

ومن ذلك أنه كان يحب الشيخ عبد الله القرعاوي - رحمه الله تعالى - الداعية في (جيزان)- ويقدره، فكان إذا أتى إليه يكرمه كثيراً.            

ومن ذلك أنه كان يحب الشيخ حمود التويجري - رحمه الله تعالى - ، وقد رأيت الشيخ حمود مرة أتى إلى الشيخ محمد يقرأ عليه أحد ردوده التي ألفها ضد بعض المبتدعة، فلما نهض الشيخ حمود وانصرف قال الشيخ محمد: الشيخ حمود مجاهد جزاه الله خيراً.            

ومن ذلك أنه كان يحب الشيخ أحمد شاكر والشيخ محمد حامد الفقي - رحمهما الله تعالى - ، وقد رأيتهما عنده كثيراً إذا أتيا إلى المملكة، وكان يكرمهم ويجلهم.       

ومن ذلك احترامه وتقديره أيضاً للشيخ محمد الأمين الشنقيطي صاحب (أضواء البيان) والشيخ محمد المختار الشنقيطي.

ومن ذلك أنه كان لا يرضى لأحد من العامة أن يتكلم في القضاة مطلقاً إذا كان بغير حقٍ, أو اتهام لنية القاضي وقصده، ولو حدث ما يستدعي عزل القاضي لعزله ولا يتكلم عليه ولا يجعل أحداً يتكلم عليه إلا بحدود القضية.

7-الغيرة على دين الله: وكان - رحمه الله - صاحب غيرة شديدة على دين الله، وله حوادث كثيرة جداً في هذا الباب.

ومن ذلك أنه أتاه في أحد الأيام خطاب ذكر له فيه بعض المنكرات، فأصبح من الغد مهموماً، وسمعته يقول: لم أنم طول الليل من الضيق.  

8-الحرص على الوقت: فقد كان - رحمه الله تعالى - وقته كله معمور بالعلم والتعليم والسعي في مصالح المسلمين، وكان يأخذ جميع العرائض والأوراق التي تقدم إليه من عامة المسلمين في كل وقت، ويجعل أحد الذين معه يقرأها عليه ثم يحيل كل ورقة إلى الجهة المختصة.      

ومن حرصه على الاستفادة من الوقت أنه كان يحرص على الفائدة حتى في نزهاته، ومن ذلك أننا خرجنا معه مرة لـ(روضة نورة) في عام 1374هـ وكان معه في تلك الرحلة أحمد ابن قاسم فكان يطلب منه أن يقرأ عليه بعض الكتب، وأذكر من تلك الكتب في تلك الرحلة: مسودة كتاب (دفع إيهام الاضطراب عن آي الكتاب) للشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله تعالى - وكان قد أعطى الشيخ محمداً مسودتها ليراجعها فراجعها في تلك الرحلة، ومنه كتاب في (التعزير) لمؤلف مصري يدعى الشرباصي، وخرجنا معه أيضاً في رحلة عام 1377هـ لروضة (أم حجول) قرب (رماح) وعام 1383هـ لـ(بطين ضرمى) وفي كل هذه الرحلات كان يصطحب معه بعض تلاميذه الذين يقرؤون عليه بعض الكتب.

9-الدعابة: كان - رحمه الله تعالى - رغم شدته وحزمه وهيبة الناس له صاحب دعابة خصوصاً مع خاصته-، وأحفظ له - رحمه الله - في ذلك حكايات كثيرة.     

10-العبادة: كان - رحمه الله تعالى - لا يتحدث عن عبادته مطلقاً ولا يطلع أحداً عليها، وكان - رحمه الله - يحج كثيراً خصوصاً في آخر عمره، وكان كثير الاعتمار في رمضان، وكان كثيراً ما يقرأ القرآن في سره.         

11- طهارة القلب وعدم الغيبة والنميمة واستصغار الناس: وكان لا يرضى أن يغتاب أحد في مجلسه، ولا أذكر مرة طيلة صحبتي له- أنه تكلم على أحدٍ, بسوء، بل كان إذا أحب شخصاً مدحه، وإن لم يحبه تركه فلم يذكره ولا يرضى أن يذكره أحد بسوء عنده.        

 

نماذج من شعره:

كان - رحمه الله - ممن يقرض الشعر ومن شعره في معاتبة الطلاب:

واسوأتاه لطالب العلم الذي *** ثقلت عليه مجالس التدريس  

وإذا قراءته تقضت قام لا *** يلوي على ما بعد من تأسيس     

هذا وفي حال القراءة تنقضي *** في لحظة ماذا يقول جليسي           

إن قلت نهموا لعمري ما لهم *** من رغبة في نيل أي نفيس  

أو قلت ما لهموا من الإقبال من *** إدلاجه حظ ولا التغليس     

يا رب أشكو زهدهم في العلم إذ *** رفضوا إيثارًا لنيل خسيس           

ورضوا الترسم وهو غير مفيدهم *** إن الأماني حظ ذي التفليس         

يا رب واجعلنا من الحزب الذي *** تختاره للتنزيه والتقديس    

وإبانة التوحيد محضاً صافياً *** وإزاحة التشبيه والتلبيس

 

وفاته [5]:          

في صباح أحد أيام شعبان من عام 1389هـ خرج الشيخ - رحمه الله - إلى عمله كالعادة ووقف يوصيني ببعض الأعمال، ورأيت على وجهه أثر صفرة ظاهرة فسألته إن كان متعباً، أو لم ينم؟ فسأل عن سبب سؤالي، فقلت له عن أثر الصفرة في وجهه، فرجع إلى بيته فسأل أهل البيت فأخبروه فذهب إلى (المستشفى المركزي)، فأجروا له بعض التحاليل، فاكتشفوا فيه أحد الأمراض المستعصية فلم يخرج من (المستشفى) إلا عند تحري رؤية هلال رمضان حيث خرج إلى البيت فلما ثبت الشهر عاد إلى المستشفى، ثم صدر أمر ملكي بنقله إلى (لندن) لمواصلة العلاج، فلما وصل (لندن) أجروا له الفحوصات والتحاليل اللازمة فرأوا أن المرض بلغ غاية لا ينفع معها عملية أو علاج، ثم دخل في غيبوبة - رحمه الله تعالى - وهو هناك، فأتي به إلى (الرياض) على طائرة خاصة محمولاً على (نقالة) وبقي في غيبوبة حتى وافته المنية - رحمه الله تعالى - في الساعة الرابعة صباحاً بالتوقيت العربي- من يوم الأربعاء الرابع والعشرين من شهر رمضان من عام 1389، عن عمر يناهز 78 سنة وثمانية شهور وثمانية أيام [6]، وصلي عليه بعد صلاة الظهر من نفس اليوم وأم الناس عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - وامتلأ المسجد وجميع الطرقات المؤدية إليه حتى أن كثيراً من الناس لم يدركوا الصلاة عليه من الزحام، وحمل على الأعناق إلى مقبرة (العود).

 

قال الشيخ عبد الله البسام: (والله إنه لم يمر بي بيت حافظ إبراهيم في رثاء الشيخ محمد عبده وهو:

ووفقت بين الدين والعلم والحجى *** فأظهرت نوراً من ثلاث جهات       

إلا تذكرت الشيخ محمد في حياته وبعد مماته. )

 

عقبه:   

1. معالي الشيخ عبد العزيز مستشار بالديوان الملكي [7].      

2. معالي الشيخ إبراهيم وزير العدل متقاعد [8].        

3. الشيخ أحمد من كبار رئاسة القضاء وبقي فيها فشكلت وزارة.           

4. معالي الشيخ عبد الله وزير العدل.           

وممن برز في العلم من أحفاد الشيخ معالي الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية، ومن أحفاد الشيخ - رحمه الله - الشيخ عبد المحسن بن عبد العزيز عضو الدعوة والتوجيه، والشيخ عبد الرحمن بن أحمد الوكيل المساعد لهيئات الأمر بالمعروف [9].

 

رثاء قيل في الشيخ:

اختار الشيخ عبد الله البسام مرثية الدكتور محمد كامل الفقي ومن أبياتها:

دهي الجزيرة خطب ليس يحتمل *** فلتنفطر مهج ولتنهمر مقل          

الراحلون قرون والردى شعب *** وأفجع الموت ما ماتت به الملل           

والناس إن فقدوا بالموت رائدهم *** ساد على حلك ضلت به السبل    

من للشريعة والأخلاق يحرسها *** أو يسطب لها إن لجت العلل          

في كل بيت نحيب من فحيعته *** وللمنابر في ترحاله شغل   

والناس لو أنصفوا ما انفض مأتمهم *** بكاؤهم لمعين الرشد لو فعلوا    

من ر كيدا عن البيضاء واعتصمت *** به فمنه لها ردء ومتكل    

يا صاحب الحزم لم يعرض له وهن *** وثاقب الرأي يخزي دونه الجدل     

كنت الشجاع الذي في الله غضبته *** وكل جرح بما داويت يندمل        

قهرت أعداء دين الله فانخذلوا *** لهفي عليك فهل يضحوا لهم أمل       

والذكر عمر مديد والعظائم لا *** تفنى وفاز بدار الخلد من علموا.

 

------------------

[1] ترجم للشيخ الكثيرون منهم: الدرر السنية ابن قاسم 16/ 474، علماء نجد عبد الله البسام 1/242، مشاهير علماء نجد 169، الأعلام الزركلي 5/306، روضة الناضرين 2/ 335، علماء الحنابلة بكر أبو زيد برقم: 4066، علماء ومفكرون عرفتهم محمد المجذوب 2/ 247، علماؤنا 13 ومما أفرد في حياة الشيخ: سيرة سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ناصر الفهد، الشيخ محمد بن إبراهيم وأثر مدرسته محمد آل إسماعيل.            

[2] قال الشيخ عبد الله البسام في علماء نجد: (ولد اليوم السابع عشر من شهر محرم) وكذا ذكره الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن قاسم في فتاوى الشيخ 1/ 9، وما أثبته من كلام حمد بن حمين الفهد حيث قال: (حدثني الشيخ عبد الله بن إبراهيم - رحمه الله - تعالى - أخو الشيخ الأكبر- قال: كانت أمه صائمة عاشوراء يوم ولدته) اهـ واغلب النقل منها وقد كتبها ولده الشيخ ناصر الفهد.         

[3] بلغ بهم البسام 67 طالباً ثم قال: (هذا ما عثرنا عليه والذي فاتنا أكثر منهم فهو أستاذ أجيال وشيخ المسلمين - رحمه الله -) أما محمد آل إسماعيل فبلغ بهم 83 طالباً.         

[4] وكان الشيخ وقتها قاضياً، ثم عينه الشيخ محمد في الإفتاء.              

[5] ذكر البسام أنه توفي في عام 1386هـ، وذكر ابن قاسم في الفتاوى أنه توفي في 14/9/1398هـ وهو تصحيف فليصحح هناك. (1/23)  

[6] الشيخ محمد بن إبراهيم ـ محمد آل سماعيل ـ 25.           

[7] وكان سابقاً الرئيس العام لهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.  

[8] كان أستاذاً في جامعة الإمام.   

[9] الشيخ محمد بن إبراهيم ـ محمد بن إسماعيل ـ 26.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply