الشيخ حمود بن عقلاء الشعيبي


  

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة:

الحَمدُ لِلَّهِ نَحمَدُهُ وَنَستَعِينُهُ وَنَستَغفِرُهُ وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِن شُرُورِ أَنفُسِنَا وَمِن سَيِّئَاتِ أَعمَالِنَا مَن يَهدِهِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَن يُضلِل فَلا هَادِيَ لَهُ وَأَشهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ:       

\" يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُسلِمُونَ\" \" يَا أَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ, وَاحِدَةٍ, وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأرحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيبًا \"  

\" يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولاً سَدِيدًا، يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا \" أَمَّا بَعدُ:            

فَإِنَّ خَيرَ الحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيرُ الهُدَى هُدَى مُحَمَّدٍ, ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وآله وَسَلَّمَ ـ وَشَرٌّ الأُمُورِ مُحدَثَاتُهَا وَكُلٌّ بِدعَةٍ, ضَلالَةٌ

مازالت الأمم تسطر بكل فخر واعتزاز تراجم عظمائهم وكبرائهم ليقتدى بهم من جاء من بعدهم ممن كان على طريقتهم، فكان لزاما على هذه الأمة أن تسطر تأريخ رجالاتها عامة وتسطر تأريخ علمائها بشكل أخص حيث إن هذه الأمة هي الأمة الخالدة الباقية إلى قيام الساعة ورجلاتها هم من يفتح الله بهم الدنا ويعبّد بهم العباد له جل شأنه وتقدست ذاته، وخير رجلاتها العلماء لأنهم ورثة النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ و آله وَسَلَّمَ ـ فأكرم به من رسول وأكرم بميراثه من ميراث وأكرم بورثته من ورثة.

ومازال الناس يسطرون التراجم فكل جيل يكتب عمن سبقه، ومن هذا المنطق انطلقت في سفر طويل قاصدا سماحة والدنا وشيخنا العلامة الفقيه الأصولي الشيخ حمود بن عبد الله العقلاء الشعيبي، حيث إنني كنت أسمع الثناء العاطر على سماحته ولم أفز بلقائه فبحثت فترة من الزمن عن كتاب يتحدث عنه أو ترجمة ولو مختصرة له ولكن لم أجد فعزمت على السفر واللقاء به، فنعم اللقاء كان، فقد رحب سماحته أيما ترحيب وفتح بابه ومن قبل صدره.

وقد حزت على شرف لم يبلغه غيري فلا أعرف أن أحدا ترجم لسماحته - رحمه الله - مع كثرة طلابه وانتشارهم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده، وبعد أن كتبت ردود سماحته على أسألتي عرضتها عليه مرة أخرى فأجازها، وها هي بين يدين فاظفر بها تظفر بخير كثير.      

وأحب أن أبين للقارئ الكريم أن ما كتب في كل الحواشي هو من كلامي.

 

نبدأ بالحديث معكم يا فضيلة الشيخ ونود أن تحدثوننا عن نسبكم ومولدكم ونشأتكم ؟       

أنا أبو عبد الله حمود بن عبد الله بن عقلاء بن محمد بن علي بن عقلاء الشعيبي الخالدي من آل جناح من قبيلة بني خالد، جدنا الخامس (1) انتقل من المنطقة الشرقية إلى شقراء ثم تحول إلى القصيم وأقام فيها، وأخوه أنتقل إلى الجوف وأقام فيها، والعقلاء من أهل الجوف من أبناء عمومتنا.           

ولدت في بلدة الشقة من أعمال بريدة (2)º سنة 1346هـ ونشأت فيها، وعندما بلغت السادسة ألحقني والدي بالكتّاب فتعلمت القراءة والكتابة والحساب، وأتقنت هذه الأمور ثم انتقلت إلى قراءة القرآن ولما بلغت السابعة من عمري كف بصري بسبب مرض الجدري الذي عم كثير من مناطق المملكة وذلك عام 1352هـ، وعلى الرغم من ذلك واصلت دراستي في الكتَّاب بناءا على رغبة والدي - رحمه الله - فقد أمرني بحفظ القرآن وكان والدي هو الذي يحفظني القرآن قبل ذهابي للكتاب وبقيت مدة أحفظ القرآن على يد الشيخ عبد الله بن مبارك العمري، وقد حفظت القرآن وعمري ثلاثة عشر عاما وذلك عام 1359 هـ، ولكن ضبطت الحفظ والتجويد عندما بلغت الخامسة عشر من عمري وكان ذلك عام 1361هـ، وكان لوالدي جهدٌ كبير في تنشأتي وتعليمي فكان - رحمه الله - يحرص على أن أكون من طلبة العلم.

وبعد حفظ القرآن عملت مع الوالد في الحقل بما أقدر عليه وقد كنت أشارك في تلقيح النخل واصلاح المزرعة قدر الاستطاعة.

ثم رحلت إلى الرياض لطلب العلم وذلك في سنة 1367هـ بإشارة من والدي - رحمه الله - ، فبدأت بتلقي العلوم على فضيلة الشيخ عبد اللطيف بن إبراهيم آل الشيخ، وأكملت الأجرومية والأصول الثلاثة والرحبية في الفرائض والقواعد الأربعة حتى أكملتها فهما وحفظا.

ثم انتقلت للقراءة على سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ سنة 1368هـ، فقرأت عليه وبدأت بقراءة زاد المستقنع ثم كتاب التوحيد وكشف الشبهات والواسطية لشيخ الإسلام والأربعين النووية وألفية ابن مالك وبلوغ المرام وهذه تقرأ على الشيخ عادة ولابد منها، وأضفت أنا عليها كتب أخرى كنت أقرأها لوحدي على سماحة الشيخ - رحمه الله - الطحاوية والدرة المضيئة للسفاريني والحموية لأبن تيمية هذه قرأتها لوحدي واستمرت القراءة على سماحة الوالد الشيخ محمد بن ابراهيم - رحمه الله - حتى فتح المعهد العلمي عام 1371هـ وهو أول معهد يفتح. وكل هذه الكتب كنت احفظها كما أحفظ الفاتحة.

 

هل كان لوالدكم - رحمه الله - أثر في تربيتكم؟

والدي - رحمه الله - كان عاميا يقرأ القرآن فقط ـ ولا يحفظه ـ وكان حريصا عليّ وهذا يظهر أنه لما فقدت بصري حرص على تحفيظي القرآن بل كان يحفظني كل يوم الجزء المطلوب منى قبل ذهابي للكتاب، ثم أرسلني للرياض لأكمل دراستي وتعليمي - رحمه الله - وغفر له ـ.

 

شيخكم في الكتّاب لو حدثتمونا عنه - رحمه الله - ؟

هو الشيخ عبد الله بن مبارك العمري - رحمه الله - كان يدرس في الكتّاب متبرعا لا يأخذ أجرا وكان يحتسب عمله لله - جل وعلا -، وكان أحيانا يساعده بعض أولاده.

 

ما هي طريقة الدراسة في الكتّاب؟

نبدأ بدراسة حروف الهجاء، ثم ينقل منها لمعرفة الحركات الفتحة والضمة وهكذا، فنقول مثلا {بُ} رفاع يعني باء مرفوعة و{بِ} خفاض يعني باء مكسورة وهكذا، ثم ننتقل للحركتين. ثم ننتقل للحرفين من الهجاء وأكثر، وبعدها يعمل لنا اختبار نسميه الهجوه وطريقته أن المدرس يعطي الطالب كلمة أو أكثر ليتأملها ويعرفها بعيدا عن الطلاب لوحده ثم بعد قليل يطلبه المدرس ويسأله عنها فإن عرفها كتب له ثانية وثالثة فإن عرفها يعتبر قد أجتاز هذه المرحلة من الكتاب، وأنا اذكر الكلمة التي كتبت لي وحتى الآن لم أنساها فوالدتي - رحمها الله - اسمها هيلة وكتب لي المطوع ـ المدرس ـ هيلة فعرفتها وأضاف لها كلمة أو كلمتينº فنجحت وهذا عام 1352هـ.

وبعد هذه المرحلة نبدأ بقراءة القرآن قراءة فقط بدون حفظ ويكون الحفظ للأعمى فقط، فيأخذ الطالب لوحا من خشب له حبل يعلق به، ويطلي للكتابة فإذا انتهى من الكتابة يطلى بطين أبيض يسمى (طلو)، ويكتب عليه مرة أخرى.

وبعد أن ينتهي من جزء عمّ يستمر في قراءة القرآن تلاوة في المصحف حتى يتمه كاملا، ومن رغب حفظ القرآن يكمل حتى يحفظه ولكن هذا نادر.

 

هل تذكرون بعض زملائكم في الكتّاب ممن طلب العلم وبرز؟

أذكر ضحيان بن عبد العزيز الضحيان من قبيلة عتيبة الذي كان من خيرة طلبة العلم - رحمه الله - وهذا فقط الذي أذكر أنه تعلم وصار طالب علم ومن خيرة العلماء.

 

هل بقي شيء مما كنت تحفظ من المتون؟

الحمد لله كنت أحفظ المتون كما أحفظ الفاتحة من القرآن، ولكن بعد دخولي للمعهد العلمي ودرسنا مدرسين من بعض البلاد خربوا علينا هذه الطريقة وقالوا: الحفظ ما يصلح والحفظ يدمر الذهن ويفسد عقلية الطالب ينبغي الفهم بدون حفظ فأهملنا الحفظ ولكن بحمد لله إذا سمعت الباب مرة واحدة استعدته.

 

هل تذكر أحدا ممن زاملكم في الدارسة وبرز على الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبد اللطيف؟

درس كثيرون على الشيخين وبرزوا، أذكر منهم الشيخ صالح على بن الغصون - رحمه الله - وإن كنت ما زاملته إلا في آخر دراسته تخرج ثم تولى القضاء ثم صار في التمييز ثم مجلس هيئة كبار العلماء ثم توفي - رحمه الله - ومنهم الشيخ زيد بن فياض - رحمه الله - ومنهم الشيخ إبراهيم بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ وزير العدل السابق، ومنهم محمد الدريبي وكيل وزارة الداخلية سابقا، والشيخ علي بن سليمان الرومي تولى التدريس ثم القضاء في المحاكم ثم انتقل إلى التمييز، هؤلاء بعض من زاملتهم في الدراسة.

 

ما هي طريقة الدراسة على الشيخ محمد - رحمه الله - ؟

كل واحد يقرأ لنفسه حفظا، كلٍ, على حده فإذا فرغوا من قراءة المتن حفظا بدأ الشيخ بشرح ما سمّعوه.

 

ألتحقت بالمعهد العلمي فكيف كانت الدراسة فيه؟

كان المعهد مرحلة ثانوية ومتوسطة وتمهيدي، والتمهيدي تعادل الخامسة والسادسة الابتدائيتين، ثم الكلية أربع سنوات، وعلى حسب مستوى التحصيل يصنف الطالب إما في الأولى أو الثانية أو الثالثة حسب تقويم اللجنة وأنا صنفت في الثانية الثانوي، وبعد أن درست عشرة أيام تقريبا نقلت بأمر من مدير المعهد إلى الثالث، وذلك عام 1371هـ.

 

هل الطلاب الذين درسوا في المعهد هم أنفسهم الذين التحقوا بالمعهد؟ وهل تذكرون بعضا ممن زاملكم في المعهد؟

لا.. الذين درسوا على المشايخ كثر يزيدون على المئة بينما في المعهد كنا واحدا وعشرين طالبا فقط، منهم، الشيخ على الضالع، والشيخ زيد بن فياض والشيخ محمد بن دخيل هؤلاء توفوا - رحمهم الله - ، الشيخ إبراهيم بن محمد الشيخ علي الرومي والشيخ عبد الله بن ادريس الشاعر المعروف والشيخ محمد الشاوي كاتب العدل والشيخ عبد الله الغديان (3) والشيخ عبد العزيز بن عبد المنعم، الشيخ إبراهيم بن عثمان، والشيخ سعد بن اسحاق والشيخ علي بن سليمان الرومي كل هؤلاء باقين.

 

لو تذكرون لنا بعض من درسكم في تلك الفترة؟

درسنا الشيخ عبد العزيز ابن باز - رحمه الله - التوحيد والحديث، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي، والشيخ عبد الرحمن الأفريقي عالم جيد في الحديث، والشيخ عبد العزيز بن رشيد (4) درسنا الفقه وهو عالم كبير، والشيخ عبد الله الخليفي والشيخ حمد الجاسر درسنا الإنشاء والإملاء، ودرسنا آخرين من أهالي مصر في النحو والبلاغة منهم يوسف عمر حسنين وعبد اللطيف سرحان ويوسف الضبع.

 

انتقلتم بعد الدراسة في المعهد للدراسة في الكلية مباشرة؟

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply