إيقاظ الجنان بمناقب الإمام أبو حنيفة النعمان


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وإمام المتقين نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد:

إلى طلبة العلم الذين تنكبوا طريقة الأئمة المجتهدين، وطلبوا العلم من غير طريقه، نقدم لكم طرفاً من سيرة الأئمة المجتهدين الذين نحث أنفسنا وإخواننا طلبة العلم على اقتفاء آثارهم وتتبع منهاجهم فهم الشموس المضيئة في سماء العلم، في الوقت الذي أظلمت فيه الدنيا بالجهلة والمبتدعين، الذين تنكبوا طريقة أسيادهم وتطالوا على الجبال، وقالوا نحن رجال وهم رجال.

أيها الأحبة الكرام:

أن من يتتبع سيرة العلماء يجد أن الغالبية الساحقة من العلماء لم يصبح لهم شأن إلا بعدما تفقهوا على مذاهب الأئمة، لذا نقول لطلبة العلم إذا أردتم نيل العلم فأتوا العلم من بابه، وهم الأئمة المتبعين، وها نحن نعرفك بطرف من سيرة إمام عظيم من أئمة المسلمين وحبر بحر من كبار أهل السنة ألا وهو الإمام أبو حنيفة النعمان عسى أن يكون قدوة لك في العلم والعمل.

 

فهيا بنا لنتعرف على بعض من سيرة هذا الإمام الجليل....

 

مـن هـو؟

هو: الإمام فقيه الملة عالم العراق أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى التيمي الكوفي مولى بني تيم الله بن ثعلبه يقال إنه من أبناء الفرس.

ولد سنة ثمانين في الكوفة في حياة صغار الصحابة ورأى أنس بن مالك لما قدم عليهم الكوفة ولم يثبت له حرف عن أحد منهم.

 

شخصيته:

عن النضر بن محمد قال: كان أبو حنيفة جميل الوجه، سري (1) الثوب، عطر الريح. أتيته في حاجة، وعلي كساء قرمسي، فأمر بإسراج بغله، وقال أعطني كساءك وخذ كسائي. ففعلت: فلما رجع قال: يا نضر خجلتني بكسائك هو غليظ.

قال: وكنت أخذته بخمسة دنانير ثم إني رأيته وعليه كساء قومته ثلاثين دينارا.

وعن أبي يوسف قال: كان أبو حنيفة ربعة من أحسن الناس صورة، وأبلغهم نطقا وأعذبهم نغمة، وأبينهم عما في نفسه.

وقال عبد الرحمن بن محمد بن المغيرة: رأيت أبا حنيفة شيخا يفتي الناس بمسجد الكوفة على رأسه قلنسوة سوداء طويلة.

وعن حماد بن أبي حنيفة قال: كان أبي جميلا، تعلوه سمرة، حسن الهيئة كثير التعطر هيوبا لا يتكلم إلا جوابا، ولا يخوض - رحمه الله - فيما لا يعنيه.

وعن ابن المبارك قال: ما رأيت رجلا أوقر في مجلسه ولا أحسن سمتا(2) وحلما من أبي حنيفة.

وفي هذا دلالة على أن العلماء وطلبة العلم لابد لهم من الإهتمام بمظهرهم من ناحية الثياب والتعطر لأن ذلك أحرى في أن يقبل عليه الناس وينتفعوا منه وينتفع منهم لا كما يفعله بعض طلبة العلم من عدم الإهتمام بالمظهر بدعوا أن هذا من الزهد..

كما أنهم يلتزمون فلا يتكلمون إلا فيما يعنيهم لقوله - عليه الصلاة والسلام -: \" من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه \". ولا يخوضون مع الخائضين خاصة في هذا الزمان الذي كثر فيه التطاول على حملة هذا الدين من العلماء وطلبة العلم والدعاة.

 

طـلـبـه للـعـلـم و أبـرز شـيـوخـه:

فقد كان أبوحنيفة يبيع الخز(4) ويطلب العلم في صباه فقد روى عن جماعة من التابعين منهم: الحكم، وحماد بن أبي سليمان، وسلمه بن كهل، وعامر الشعبي، وعكرمة، وعطاء، وقتادة، والزهري، ونافع مولى ابن عمر، ويحيى ين سعيد الأنصاري، وأبو إسحاق السبيعي.

قال أبو حنيفة: قدمت البصرة فظننت أني لا أسأل عن شيء إلا أجبت فيه، فسألوني عن أشياء لم يكن عندي فيها جواب، فجعلت علي نفسي ألا أفارق حمادا (5) حتى يموت فصحبته ثماني عشرة سنة.

وفي ذلك عبرة بأن طالب العلم لا يتعجل في أن يكون مدرسا، بل عليه أن لا يفارق شيخه حتى تكمل الفائدة فهذا إمامنا أبى حنيفة - رحمه الله تعالى -يضرب أروع مثال في صحبة الأستاذ لا كما يفعل بعض طلبة العلم فإنه يدرس ثلاث أو أربع سنوات فيظن نفسه أصبح اهلا للفتوى والترجيح والإجتهاد...

 

زهـده وعـبـادتـه وورعـه

فقد كان الإمام أبو حنيفة ليس إمام في الفقه فحسب بل كان من سادة الزهاد العباد، فقد كان رأس في العبادة فكان صواما قواما عابد لله وهذا من أهم سمات العلماء وطلبة العلم، وإليك صور من زهده وعبادته وورعه:

عن أسد بن عمرو: أن أبا حنيفة - رحمه الله - صلى العشاء والصبح بوضوء أربعين سنة.

وعن القاضي أبي يوسف قال: بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة إذ سمعت رجلا يقول لآخر: هذا أبو حنيفة لا ينام الليل.

فقال أبو حنفية: والله لا يتحدث عني بما لم أفعل فكان يحيى الليل صلاة وتضرعا ودعاء.

وقد روي: أن أبا حنيفة قرأ القرآن كله في ركعة.

وقال مِسعَر بن كِدَام: رأيت أبا حنيفة قرأ القرآن في ركعة.

وقال أبو عاصم النبيل: كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة صلاته.

وقال القاضي أبي يوسف: كان أبو حنيفة يختم القرآن كل ليلة في ركعة.

وروي عن يحيى بن عبد الحميد الحماني، عن أبيه أنه صحب أبا حنيفة ستة أشهر قال: فما رأيته صلى الغداة إلا بوضوء عشاء الآخرة وكان يختم كل ليلة عند السحر.

- وروى الخطيب بسنده عن أحمد بن عمرو أن أبا حنيفة كان يصلي بالليل ويقرأ القرآن كل ليلة ويبكي حتى يرحمه جيرانه ومكث أربعين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء وختم القرآن في الموضع الذي توفى فيه سبعين الف مرة.

وعن القاسم بن معن: أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله - تعالى -بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر القمر ويبكي ويتضرع إلى الفجر.

عن المثنى بن رجاء قال: جعل أبو حنيفة على نفسه إن حلف بالله صادقا أن يتصدق بدينار وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق بمثلها.

عن قيس بن الربيع قال: كان أبو حنيفة ورعا تقيا مفضلا على إخوانه.

وعن زيد بن كميت سمع رجلا يقول لأبي حنيفة: اتق الله فانتفض واصفر وأطرق وقال جزاك الله خيرا. ما أحوج الناس كل وقت إلى من يقول لهم مثل هذا.

قال يزيد بن هارون: ما رأيت أحدا أحلم من أبي حنيفة.

وعن شريك قال: كان أبوحنيفة طويل الصمت كثير العقل.

ــــــــــــــــــــــ

(1) السًّرِيِّ: النفيس. [لسان العرب جـ 4- صـ 573]

(2) سمتا: السمت حسن النحو في مذهب الدين والفعل.. وفي حديث حذيفة: ما أعلم أحداً أشبه سَمتاً وهديا ودلاً برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ابن أم عبد، يعني ابن مسعود. قال خالدبن جنبة: السمت اتباع الحق والهدى وحسن الجوار وقلة الأذية. قال: ودَلَّ الرجل حسن حديثه ومزاحه عند أهله. [لسان العرب جـ 4 صـ 671]

(4) الخز: اسم دابة ثم أطلق على الثوب المتخذ من وبرها. [المصباح المنير: صـ 64]

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply