شيخ محدثي العصر في ذمة الله


  

بسم الله الرحمن الرحيم

فجعت الأمة الإسلامية بوفاة نخبة من كبار علمائها، نذكر منهم:

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ علي الطنطاوي، الشيخ مصطفى الزرقا، الشيخ صالح بن غصون، الدكتور محمد خير العرقسوسي، الأستاذ محمد المجذوب، الشيخ عطية سالم، الشيخ مناع القطان، - رحمهم الله - جميعاً وأسكنهم فسيح جنانه.

 

ومن قدر الله أن هؤلاء العلماء توفاهم الله في عام واحد، بل في فترات متقاربة لا تتجاوز الشهر أو الشهرين بين كل منهم والآخر، ومن جهة أخرى فقد بارك الله في سني عمرهم، فأكثرهم ولد في بداية هذا القرن الميلادي، ولكنهم لو عاشوا قروناً لكان في موت الواحد منهم خسارة كبيرة فكيف بـهم جميعاً وقد فقدتـهم الأمة.

 

وننعى اليوم إمام المحدثين الشيخ محمد ناصر الدين الألباني الذي خدم سنة المصطفى خدمة تفوق الوصف، وكان - رحمه الله - عاملاً بعلمه، بعيداً عن مواطن الشبهات، ومثالاً يحتذى به في الاستفادة من وقته.

 

عرفت الشيخ في مرحلة الخمسينيات حيث كنت أتردد على المكتبة الظاهرية مساءً، وكنت أرى رجلاً فيها ظننته من موظفي المكتبة لأنه كان دائب العمل، وكان يُعامل بطريقة تختلف عن معاملة رواد قاعة المطالعة، كان يغادر القاعة ثم يعود بالكتب التي يريدها، أما نحن فكان علينا أن نطلب الكتاب، وننتظر حتى يأتي به الموظف المسؤول.. وإذا جاء وقت صلاة المغرب صلى بنا إماماً في ساحة المكتبة السماوية، وكانت تشدني إليه قراءته للقرآن، وبعد الصلاة يلتف بعض الطلبة حوله سائلين مستفسرين، ولم أكن من بين هؤلاء، وإنما كنت أعود إلى صالة المطالعة في الدور الثاني…

 

ومرت الأيام حتى جاء الوقت الذي تعرفت فيه عليه، كنت مع الأستاذ راتب النفاخ في حديقة جامعة دمشق ننتظر صلاة الجمعة، ومر هذا الرجل، فهشَّ النفاخ له وسلم عليه وسلمت مثله، وبعد مغادرته لنا سألت جليسي عنه، فقال لي: كيف لا تعرفه هذا هو المحدث الشيخ ناصر الدين الألباني، وكنت فيما بعد أمر من أمام محل الشيخ الذي كان يعمل فيه بصنعته تصليح الساعات التي ورثها عن أبيه، ثم صرت أجتمع به في المكتب الإسلامي، وفي المناسبات كالزواج والعقيقة عند أصدقائي من تلامذته، وكان هؤلاء التلامذة في دمشق قلة.

 

وفي هذه الاجتماعات المحدودة كنت أتعجب من طول نفسه على المناقشة، ولم يكن عند الذين يجادلونه علم قريب من علمه، لكنهم كانوا يسمعون منه أقوالاً فيردون عليها بعواطفهم، وبما يسمعونه من الذين يقلدونـهم، وكنت في جميع هذه اللقاءات في صف المستمعين.

 

وبمناسبة ذكر المكتب الإسلامي الذي كنت ألقى الشيخ فيه في فترات متباعدة أقول: إن هذا المكتب هو الذي شهر مؤلفات الشيخ ناصر. وهنا قد يقال: بل إن علم الشيخ الغزير هو الذي شهر كتبه، وأنا لا أشك بعلم الشيخ وفضله، ولكن الأمور يجب أن ينظر إليها بزمانـها: فالشيخ كان محارباً من قبل شيوخ دمشق ومدارسها الشرعية، وكذلك الحال في سورية، وحتى السعودية موطن الدعوة السلفية - فقد حاربت الشيخ وأبعدته من التدريس في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ولم تكن هناك مكتبات ودور نشر مستعدة لنشر كتب الشيخ.

 

في هذا الوقع بالذات وفي هذه الظروف العصيبة فتح الشاويش باب مكتبه أمام الشيخ ناصر، ولم يعد الشيخ - رحمه الله - بحاجة إلى تضييع سحابة يومه في تصليح الساعات حيث أغناه الله بما أصبح يأخذه من المكتب الإسلامي.

 

والذي أعرفه جيداً - حينذاك - أن العلاقة بين الرجلين لم تكن قائمة على المنافع، وإنما كانت قائمة على المحبة، وزهير كان من جهته يتبنى الشيخ بقوة في أوساط الإخوان وأوساط معارفه ومحبيه، وهذا لا يمنع من القول: إن العلاقة أيضاً كانت علاقة عمل، وكل منهما كان يستفيد من نشر هذه الكتب.

 

هذه شهادة أشهد بـها عن علم، وسبحان الذي يغيّر ولا يتغير، وأنا - بعد ذلك - لا أعرف ما حدث بينهما فيما بعد، ولم أحاول معرفة أسباب هذا الخلاف، وكنت أتمنى عدم وقوعه، ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه.

 

مات الشيخ - رحمه الله -، وكل نفس ذائقة الموت، والذي يهمنا في هذا الموضع: ما هي الدروس التي نستفيدها من سيرة حياته؟!:

 

1 - بعض الشيوخ شهرتـهم الحكومات عندما أسندت إليهم وظائف دينية قيادية، وبحكم ذلك أصبحت المؤسسات الإسلامية وخطباء وأئمة المساجد مجبرين على التعامل معهم والتردد على مكاتبهم، وبعضهم الآخر شهرته الجمعية أو الجماعة التي ينتسب إليها، وقليل منهم من شهره علمه، وليست لهذه أو تلك فضل عليه.

 

والشيخ ناصر من هذا الصنف القليل، فقد كان - رحمه الله - عصامياً، اعتمد بعد الله - تعالى - على نفسه، وكان يواصل الليل مع النهار، رغم فقره وحاجته إلى العمل، وهذا مما يتحدث عنه فيما ذكره عن سيرة حياته، والصعوبات التي واجهته في مرحلة طلب العلم حتى أنه ما كان يجد ثمن الورق الذي يكتب عليه، ولم تكن هناك مدرسة شرعية أو دار نشر تتبناه وتقدم له التسهيلات اللازمة.

 

2 - نأى بنفسه عن مجالس الحكام وملأهم، وابتعد عن الوظائف الدينية العامة فلم ينافس أحداً عليها، وما كان يتكسب من علمه. وهذه المواقف كانت سبباً مهماً في متاعب لحقت به، وهو - رحمه الله - بـهذه الصفات النبيلة يعيد لنا سيرة علماء السلف الذين كانوا يرفضون الوظائف العامة[1] كما كانوا يرفضون التكسب من العلم:

 

ولو أن أهل العلم صانوه صانـهم  ولو عظّموه في الصدور لعظما

 

ولكن أهــانوه فهان وشـوهوا  محياه بالأطــماع حتى تجهما

 

ولم أقض حق العلم إن كان كلما  بدا طـمع صيرته لي ســلما

 

وكان - رحمه الله - صاحب مواقف لا يبالي في الصدع بـها، ولهذا فقد سجن في سورية بسبب حقد الخرافيين عليه، ولما لهم من حظوة عند النظام الباطني النصيري الذي لا يحقد على شيء كحقده على السلفيين وعلمائهم في القديم والحديث، وأُخرج من السعودية عندما كان مدرساً بالجامعة الإسلامية رغم حرص نائب رئيس الجامعة - حينذاك - الشيخ عبد العزيز بن باز عليه وعلى بقائه في عمله، وتعاقدت معه جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة - جامعة أم القرى الآن -، ولكن الجهات العليا رفضت الموافقة على هذا العقد، ومنذ عام أو يزيد قليلاً شنَّ بعض أعضاء حزب الولاة - بالسعودية - حملة ضده لا مبرر لها، واتـهموه بما تجود به أخيلتهم وأهواؤهم من اتـهامات باطلة، ومن جهة أخرى فقد اضطر إلى مغادرة أهله وذويه في دمشق، والتجأ إلى الأردن، وهذه الهجرة الثانية في حياته، أما الهجرة الأولى فقد كانت من بلده - ألبانيا - إلى دمشق وهو طفل مع أبيه وعائلته، وفي الأردن كان يجد صعوبات من رجال الأمن أجبرته على مغادرة عمان ثم عاد إليها بعد وساطة أحد طلابه … وهذه الابتلاءات كانت ثمناً للمواقف التي يقفها، وكل أمر عزيز لابد وأن يكون بثمن.

 

3 - كان الشيخ ظاهرة فريدة من نوعها - في هذا العصر - في واسع اطلاعه على الحديث النبوي ومعرفة صحيحه من ضعيفه، وفي الاستفادة منه في حواراته الدائمة مع العلماء والدعاة. زارني عندما كنت مدرساً في المعهد العلمي بالأحساء، وكان معه الأستاذ زهير الشاويش في طريقهما من قطر إلى الرياض، وفي مساء ذلك اليوم رتبت لهم لقاءً مع مجموعة من شيوخ المدينة، وكان أكثرهم من قضاة المحكمة، وكان السؤال الأول والأخير الذي وجهوه إلى الشيخ عما ذهب إليه بجواز كشف المرأة لوجهها في كتابه \"حجاب المرأة المسلمة\"، وتحدث الشيخ حوالي ساعة عرض فيها أدلته، وبيّن تـهافت أقوال الذين ردوا عليه، وكنت أشعر وهو يتحدث وكأن الأحاديث النبوية قد بسطت أمامه، فكان يأخذ منها ما يريد، ويبين صحته، ثم يستعرض الأحاديث التي استدل بـها مخالفوه ويبين ضعفها … وبعد أن انتهى من حديثه سكت القوم، ولم يحر أحد منهم جواباً، وكنت من قبل أسمع منهم في معظم لقاءاتنا استنكارهم لما ذهب إليه الشيخ في هذه المسألة، ثم انتهت الجلسة وعدت مع الضيفين إلى منـزلي، وفي الطريق قال لي الشيخ ناصر لماذا سكتوا؟ فضحكت، وكان من عادة الشيخ إذا دخل في نقاش ألا يكون الحديث له وحده حتى لو وافقه المخالف، بل لابد أن يسخن الحوار، ويكون فيه أخذ ورد.

 

4 - رفض الشيخ تأسيس حزب أو جماعة وكان بعض تلامذته يلحون عليه في هذا الطلب، وكانت له أقوال مشهورة في رده عليهم، منها قوله: كل ميسر لما خلق له، وقوله: من السياسة ترك السياسة، ومن جهة أخرى فقد كان إيجابياً في تعاونه مع الجماعات الإسلامية بدمشق. وعندما لاحظت أن بعض المشبوهين راحوا يروّجون كلمات مؤسفة ضد الجماعات الإسلامية زاعمين أنـهم سمعوها من الشيخ، سعيت إليه وأجريت معه مقابلة أكد فيها كل ما كنا نعرفه عنه في دمشق، وسجلت هذه المقابلة[2] في ثلاثة أشرطة ثم وزعت بشكل واسع في عدد من البلدان، وقد أزعجت هذه المقابلة الخفافيش التي تحاول أن تكون لسان حال الشيخ، والشيخ لا يقر لهم بذاك، وفيما يلي سؤال ورد الشيخ عليه يؤكد هذا الذي قلته:

 

سؤال: يقال، فضيلة الشيخ، إن الشيخ ناصر الدين الألباني يرفض أن يتعاون مع الجماعات الإسلامية كلها إلا إذا انصاعت لمعتقداته الكلامية والفقهية. فما مدى صحة هذا القول؟.

 

أبدأ فأقول: إنَّ هذا الكلام زور وبـهتان فقد سبق أن سجلنا ثلاثة أشرطة[3] في عمان، على ثلاث ساعات، وضحت فيها هذا الأمر بصراحة … وكان مما قلته: إنني أؤيد قيام الجماعات الإسلامية، وأؤيد تخصص كل جماعة منها بدور اختصاصي سواء أكان سياسياً أم اقتصادياً أم اجتماعياً… أو نحو ذلك، ولكني اشترطت أن تكون دائرة الإسلام هي التي تجمع هذه الجماعات كلها.

 

وذكرت أننا - معشر السلفيين - لا نعمل إلا في سبيل أهم ما نزل به كتاب الله - عز وجل -، وبعث من أجله رسله، ألا وهو التوحيد، وتوضيحه للناس بما يجعله خالصاً من كل شرك، ومنيعاً أمام كل وثنية، ودعوت إلى أن تحل الجماعات الإسلامية خصوماتـها وخلافاتـها بالعودة إلى كتاب الله، وإلى حديث رسول الله تحقيقاً لقوله - تعالى -: [فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً]. فنحن لا ندعو الجماعات إلى اتباعنا في آرائنا واجتهاداتنا التي قد يكون فيها أكثر من قول، ولكننا ندعوهم إلى أمر التوحيد وهو أمر لا يختلف فيه مسلمان … فكيف يكون فيه خلاف بين جماعتين أو أكثر؟!! هذا هو المرفوض.

 

أعود ثانية فأدعو المسلمين جميعاً إلى أن يرجعوا إلى دينهم الصحيح وإلى الاعتماد في ذلك على الكتاب أولاً وعلى السنة الصحيحة ثانياً، وأصر على هذه الدعوة، ولن نتراجع عنها مهما كانت الادعاءات والافتراءات … أقول هذا وأنا أتذكر السنوات الطوال التي عشتها في سورية، كان يحضر دروسي خلالها أعضاء من الإخوان، ومن حزب التحرير، ومن جماعة التبليغ، ومن المذهبيين… وفي هؤلاء من يصرح بتتلمذه علي، ويقر بالفضل … فكيف نُتَّهم بعد ذلك بمحاربة الجماعات الإسلامية؟! \"[4].

 

هذا الذي يعرفه تلامذة الشيخ ومحبوه عنه طوال نشاطه العلمي والدعوي في دمشق، فالدكتور الشيخ مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين في سورية وعميد كلية الشريعة بجامعة دمشق كان على صلة جيدة مع الشيخ الألباني، وكان ينشر مقالاته في مجلة \"المسلمون\" - حضارة الإسلام فيما بعد -، ويستعين به في بعض أنشطة كلية الشريعة العلمية، وذكرنا فيما مضى دور المكتب الإسلامي وصاحبه الأستاذ زهير الشاويش في تبني مشروع الشيخ ومؤلفاته، والشاويش كان من أهل الحل والعقد في جماعة الإخوان المسلمين، وكان الألباني من الذين يصلون الجمعة مع الأستاذ عصام العطار في مسجد جامعة دمشق، والأستاذ العطار كان مراقباً عاماً للإخوان المسلمين في سورية أثناء مرض الأستاذ السباعي - رحمه الله -، وبعد وفاته، والأخ الشيخ علي خشان وآخرون مثله كانوا من خاصة طلاب الشيخ الألباني مع أنـهم من جماعة الإخوان المسلمين… هذه هي الأجواء التي كنا نعيشها في مدينة دمشق… وهذه هي الطريقة التي كان الألباني يتعامل فيها مع الإخوان المسلمين، وبمثلها كان الإخوان يتعاملون معه.

 

غير أننا صرنا نسمع أقوالاً أخرى منسوبة إليه خلال السنوات الأخيرة من إقامته، وكان الذين يروجون هذه الأقوال أفراد عصابة مشبوهة أحاطت بالشيخ، وحاولت الاستفادة منه، وإبراز أنفسهم من خلاله، ومما يجدر ذكره أن هؤلاء الناس من الحاقدين على الجماعات الإسلامية، ومن الداعين إلى الإذعان لمن يسمونـهم ولاة أمورهم، وفضلاً عن ذلك فهم من المتهمين بسرقة مقالات غيرهم ومؤلفاتـهم ثم طبعها بعد تغيير طفيف فيها ونسبتها إلى أنفسهم، ولهم في ذلك قصص مزعجة ليس هذا وقت الحديث عنها.

 

ومن المؤسف أن أمور هؤلاء المشبوهين قد انطلت على الشيخ، فأحسن الظن بـهم، وصدّق بعض أقوالهم، ومنهم من احتكر تسجيل أشرطته، وهم الذين يوجهون الأسئلة إلى الشيخ، أو يتدخلون بين الشيخ وزواره بطرق ملتوية لا ينتبه الشيخ إليها، وأخيراً إذا لم يعجبهم الشريط يمارسون عليه الرقابة ويمنعون نشره، وهذا مما أعلمه من محبي الشيخ الذين كانوا يترددون عليه في عمان.

 

إنني في هذا الموضع أناشد أبناء الشيخ، وأخص منهم عبد اللطيف الذي كان قريباً من أبيه طيلة فترة مرضه، كما أدعو طلاب الشيخ أن يمنعوا هذه العصابة من استغلال اسم الشيخ بعد وفاته - رحمه الله -، وأن يوقفوا كتب بعضهم التي هي في الأصل من أشرطة الشيخ، لكنهم أدخلوا عليها أفكارهم الشاذة التي لا علاقة للشيخ بـها.

 

كما أطالبهم بعدم تفريغ وطباعة الأشرطة التي تخالف نـهج الشيخ طوال سني عمره، وإن كان قد قالها في ظروف معينة قبل وفاته بسنوات قليلة.

 

هذه العصابة كانت تأتيه بكتاب، ثم يقرأون عليه مقاطع منه مبتورة عما قبلها وبعدها، ثم يحكم الشيخ على هذا الكتاب ومؤلفه والمسجل جاهز لتسجيل أقوال الشيخ ثم نشرها على الملأ، مع أن الشيخ - رحمه الله - في شريط سابق شاء الله أن يفلت من رقابتهم كان قد أثنى على المؤلف نفسه وامتدح نـهجه، وهم يعلمون أن وضع الشيخ الصحي لا يساعده على قراءة الكتاب وبيان زيف ما أخفوه عنه، وكان الشيخ من قبل أن تشتد عليه وطأة المرض يتبيّن مما يقال له أحياناً، ويوبخهم لكنهم ما كانوا يبالون، لأن مقدار ما يحصلون عليه أضعاف ما يخسرونه.

 

وأنا في ذلك لا أعفي الشيخ من المسؤولية، ولكنني أسأل الله أن يغفر له ذلك، كما أسأله - تعالى - أن يفغر له شدته على المخالفين.

 

وخلاصة القول: لا يستطيع منصف يكتب عن النهضة الإسلامية في العقود الثلاثة الماضية أن يتجاهل دور الشيخ الريادي في هذه النهضة، كما أن أي مؤرخ للسلفية لا ينبغي أن يتجاهل جهد الشيخ في خدمة أحاديث رسول الله، ومعظم الذين يعملون بتحقيق الأحاديث النبوية لابد وأن يكونوا قد استفادوا من الشيخ، وقد سبقه محققون في هذا العصر، ولكن لم يبلغ أحد منهم - فيما أعلم - مبلغه.

 

وزيادة على ذلك فقد كان أواباً إلى الحق عندما كان يتبين له، وفي مؤلفاته أدلة كثيرة على ذلك، كما كان صاحب عبادة، وهذا مما اعترف لي به طالب من طلاب الجامعة الإسلامية يوم أن كان الشيخ مدرساً فيها، وكان هذا الطالب - الذي رافق الشيخ في سفر امتد أياماً - صوفياً عاقلاً. رحم الله الشيخ رحمة واسعة، وإنا لله وإنا إليه راجعون...

 

* * *

 

 

----------------------------------------

 

[1] - ليس في هذا تعريض بالقلة القليلة من العلماء الذين يقبلون هذه الوظائف لكنهم لا يترددون في إنكار المنكرات.

 

[2] - كان ذلك في شهر كانون الثاني من عام 1981.

 

[3] - يشير الشيخ إلى مقابلتي معه.

 

[4] - حياة الألباني وآثاره وثناء العلماء عليه، تصنيف محمد بن إبراهيم الشيباني، ص 394.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply