توفي يوم الاثنين 7 من ربيع الأول 1425ه الموافق 26-4-2004م الدكتور محمد بلتاجي حسن، الفقيه الأصولي، عن عمر يناهز ستة وستين عاماً، آثر خلالها أن يظل بعيداً عن الأضواء، فعاش في صمت ومات في صمت.
ولد في أسيوط في صعيد مصر عام 1938م، وتربى في كفر الشيخ، وكان مقامه بطنطا بدلتا النيل. تعلم في الأزهر وتخرج في كلية دار العلوم عام 1962م، حصل على الماجستير بتقدير ممتاز، عن موضوع: \"منهج عمر بن الخطاب في التشريع\" عام 1966م، وحصل على الدكتوراه بمرتبة الشرف عن موضوع: \"مناهج التشريع في القرن الثاني الهجري\" عام 1969م.
تربى وتعلم على علماء الفقه والأصول في عصرهº حيث تتلمذ على الشيخ محمد أبي زهرة، والفقيه الشيخ علي حسب الله، والشيخ علي الخفيف، والدكتور مصطفى زيد، والشيخ محمد الغزالي، وغيرهم.
كان من المقلين في التأليف، حيث لم يترك كثيراً من المؤلفات إلا أن ما خطه بيمينه أثرى المكتبة الفقهية والأصولية، وتميز بالأصالة العلمية والدقة البحثية، والعبارة المحكمة، والإحصاء والإحاطة فيما يتناوله، كما تميز بالجمع بين محكمات الشرع ومقتضيات العصر.
كانت له شخصيته، وأسلوبه المتين في تناول القضايا الفقهية، ومن أهم ما تركه:
منهج عمر بن الخطاب في التشريع
مناهج التشريع في القرن الثاني الهجري.
أحكام الأسرة. دراسة مقارنة.
الملكية الفردية، وهو حائز على جائزة الدولة.
بحوث في التفسير والأصول والتشريع.
دراسات في الأحوال الشخصية.
بحوث في القرآن والوحي.
التشريعات المالية في فقه عمر بن الخطاب.
مكانة المرأة في القرآن الكريم والسنة الصحيحة.
الجنايات وعقوبتها في الإسلام وحقوق الإنسان.
شغل الراحل منصب عميد كلية دار العلوم بالقاهرة إحدى عشرة سنة، من 1985م - 1996م.
وعمل رئيساً لقسم الشريعة بالكلية منذ عام 1995م، حتى وفاته، وفي عام 2002 م عين رئيساً لمركز الدراسات الإسلامية بالكلية.
وقد أشرف - رحمه الله - على أكثر من 200 رسالة علمية، وناقش مثلها، وكان يعمل رئيساً للمحاكم الشرعية في الأحوال الشخصية بطنطا.
وكان عضواً بمجمع البحوث الإسلامية.
كما اختير عام 2003م عضواً بمجمع الخالدين (اللغة العربية) بالقاهرة.
من مواقفه التاريخية:
وقد شهدت الساحة الفقهية مشاركات عدة وبحوثاً قيمة له في قضايا خطيرة، دافع فيها عن الإسلام وعقيدته.
ومن هذه المواقف موقفه من قانون الأحوال الشخصية الذي تكلم فيه مفتي مصر الأسبق الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، فرد عليه د. بلتاجي وقدم دراسة كاملة بعنوان: \"دراسات في الأحوال الشخصية\".
ومن مواقفه أيضاً رده على د. محمد سيد طنطاوي، وقت أن كان مفتياً لمصر وتكلم عن الربا فرد عليه د. بلتاجي وقال: \"إننا مهما تأملنا آيات القرآن الكريم الواردة في الربا، وما يتصل بها من أحاديث السنة، وأسباب النزولº فلن نجد فيها ما يشير من قرب أو بعد إلى ما قام في أذهانهم من أن الله حرم ربا الجاهلية لمحض ما كان يتضمنه من استغلال الفقير وظلمه. وقد يرى العقل البشري أن هذا كان من جملة الحِكم التي روعيت في التحريم، ولكن لا يستطيع أحد الجزم بأن مناط علة التحريم في منع استغلال حاجة الفقير وظلمه. ومن يراجع كتب التفسير سيجد أن الظلم الوارد في الآيات إنما هو مطلق الزيادة على الحق بصرف النظر عن حال الدائن والمدين، ورغبة كل منهما ومصلحته في الصفقة الربوية\".
ومن مواقفه الشهيرة موقفه من قضية الدكتور نصر حامد أبو زيد، حيث قدم تقريراً عن الأعمال التي قدمها دكتور نصر ليحصل بها على الترقية الجامعية، رافضاً كل ما كتبه أبو زيد، وبين أن كلامه احتوى على مغالطات وجهل مركب وتجاوزات تخرجه من الملة.
كما كان له موقف من العمليات الاستشهادية، حيث كان يرى أن هذه العمليات من أرقى أنواع الشهادة في سبيل الله، وأنها هي التي أفقدت الصهاينة وأعوانهم الأمن، وقذفت في قلوبهم الرعب والفزع، ولا تمت بصلة إلى الانتحار أو الإلقاء بالأيدي إلى التهلكة.
من آرائه واهتماماته:
كانت للدكتور محمد بلتاجي آراء واهتمامات ونصائح منها ما كان شخصياً ومنها ما كان عاماً، فمن آرائه الشخصية، أنه لم يكن يرغب في الإعلام والظهور على الشاشات، ووجهة نظره أن الإعلام يمارس على صاحبه نوعاً من الضغوط والتعجل، وهذا ليس في صالح الفقيه لا سيما في القضايا المستجدة والخطيرة، فكان يفضل العيش في صمت حتى يبحث القضايا بهدوء، وتأخذ معه وقتها الكافي ليصل فيها إلى رأي مقرر.
ومن اهتماماته العامة - يرحمه الله - مشكلات الأسرة المسلمة وما يتعلق بها، وهو ما ورثه عن عمله في المحاكم الشرعية الخاصة بالأسرة قاضياً ورئيساً، فكان يرى أنه لا يمكن للمجتمع أن يسير نحو التقدم إلا بحل جميع المشكلات التي من شأنها أن تعوق هذه المسيرة، وعلى رأسها المشكلات المتعلقة بالأسرة باعتبارها إحدى لبنات المجتمع.
وكان يحذر من الزواج العرفي، ويعتبره محرماً شرعاًº لأنه لا يحقق مقاصد الشريعة من الزواج وإن تم بورقة وشاهدين.
من اهتماماته أيضاً مجال المرأة والقضايا المثارة حولها، وقد ألف في ذلك كتاب: \"مكانة المرأة\".
وكان - يرحمه الله - يتميز بنوع من الصرامة والشدة مع طلابه، قد يحسبها البعض تعسفاً أو غير ذلك، إلا أنه كان يريد أن يخّرج طلاباً نابهين، وكان يبغي أن يشكل عقولاً أصولية فقهية، تخدم الأمة. وقد تخرج عليه عشرات بل مئات الطلاب في مصر والعالم العربي والإسلامي، جزاه الله عن العلم وطلابه خيراً.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد