شيخ القراء والعربية أبو عمرو بن العلاء


 
 اسمه ونسبه:

هو أبو عمرو بن العلاء بن عمار ابن العريان، وقيل: ابن العلاء ابن عمار بن عبد الله بن الحصين ابن الحارث بن جلهم بن خزاعة بن مازن ابن مالك بن عمرو التميمي ثم المازني البصري واسمه على المشهور زبّان. وقيل: اسمه كنيته، أمه عائشة بنت عبد الرحمن بن ربيعة بن بكر من بني حنيفة.

مولده:

ولد سنة ثمان وستين، وقيل: سنة سبعين.

شيوخه:

أخذ القراءة عن أهل الحجاز وأهل البصرة فعرض بمكة على مجاهد وسعيد بن جبير وعطاء وعكرمة بن خالد، وابن كثير، وعرض بالبصرة على يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم والحسن وغيرهم.

وروى الحديث عن أنس بن مالك، والحسن البصري، وداود بن أبي هند، وأبي صالح ذكوان، وذي الرّمة الشاعر، ورؤبة بن العجاج الراجز، وعطاء بن أبي رباح، وأبيه العلاء، ومجاهد، ومحمد بن سيرين، وابن أبي ليلى والزهري وأبي الزبير، ونافع مولى ابن عمر، وهشام بن عروة وغيرهم.

 

الرواة عنه:

قرأ عليه خلق كثير منهم يحيى ابن المبارك اليزيدي، وعبد الوارث بن سعيد، وشجاع، والبلخي، وعبد الله بن المبارك، وحسين الجعفي، ومعاذ بن معاذ، ويونس بن حبيب النحوي، وأبو زيد الأنصاري سعيد بن أوس، وسلام الطويل وعدة.

روى عنه الحديث وأخذ عنه والقرآن والآداب:

أبو عبيدة، والأصمعي، وشبابة، ويعلى بن عبيد، والفضل بن عباس، ومعاذ بن هارون بن موسى، وعبيد بن عقل، وأبو عمرو الشيباني، والحسين بن واقد، وأبو أسامة حماد بن أسامة، وحماد بن زيد، وشعبة بن الحجاج، وعبد الملك بن قريب الأصمعي، وعبد الوارث بن سعيد، وعيسى بن يونس، ومعتمر ابن سليمان، ومعمر بن راشد، ووكيع بن الجراح، ويحيى بن حفص الأسدي الرازي المقرئ النحوي، ويعلى بن عبيد الطنافسي، ويونس بن حبيب، وغيرهم كثير.

 

ثناء العلماء عليه:

قال اليزيدي: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: سمع قراءتي سعيدُ بن جبير فقال: الزم قراءتك هذه.

قال أبو بكر بن مجاهد: كان أبو عمرو مقدمًا في عصره عالمًا بالقراءة ووجوهها، قدوة في العلم باللغة العربية، إمام الناس في العربية، وكان مع علمه باللغة وفقهه في العربية متمسكًا بالآثار لا يكاد يخالف في اختياره ما جاء عن الأئمة قبله، متواضعًا في علمه، قرأ على أهل الحجاز، وسلك في القراءة طريقهم، ولم تزل العلماء في زمانه تعرف له تقدمه وتقر له بفضله وتأتم في القراءة بمذاهبه، وكان حسن الاختيار سهل القراءة غير متكلف، يُؤثر التخفيف ما وجد إليه السبيل.

قال أبو عبيدة: كان أعلم الناس بالقراءة والعربية والشعر وأيام العرب وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف ثم تنسك فأحرقها، وكان من أشراف العرب ووجوههم.

قال يحيى بن معين: ثقة.

وقال أبو حاتم: ليس به بأس.

وقال أبو عمرو الشيباني: ما رأيت مثل أبي عمرو.

وقال شعبة: انظر ما يقرأ به أبو عمرو مما يختار فاكتبه فإنه سيصير للناس أستاذًا.

قال إبراهيم الحربي وغيره: كان أبو عمرو من أهل السنة.

قال أحمد بن الأسود: كان أبو عمرو متواريًا يعني أيام الحجاج فدخل عليه الفرزدق فأنشده:

ما زلت أفتح أبوابًا وأُغلقها *** حتى أتيت أبا عمرو بن عمار

حتى أتيت فتيً ضخمًا دسيعته *** مرٌّ المريرة حرٌّ وابن أحرار

تنميهم مازن في فرع بنعتها *** جَدّ كريم وعُودٌ غير خوار

قال إبراهيم الحربي: كان أهل البصرة يعني أهل العربية منهم أصحاب الهوى إلا أربعة فإنهم كانوا أصحاب سنة: أبو عمرو بن العلاء، والخليل بن أحمد، ويونس بن حبيب، والأصمعي.

قال الذهبي: برّز في الحروف وفي النحو وتصدر للإفادة مدة واشتهر بالفصاحة والصدق وسعة العلم.

قال ابن حجر: ثقة من علماء العربية.

 

من أحواله وأقواله:

عن الأصمعي قال: قال لي أبو عمرو بن العلاء: لو تهيأ أن أفرغ ما في صدري من العلم في صدرك لفعلت، ولقد حفظت في علم القرآن أشياء لو كتبت ما قدر الأعمش على حملها ولولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ لقرأت حرف كذا وذكر حروفًا.

قال اليزيدي: تكلم عمرو بن عبيد (المعتزلي) في الوعيد سنة، وقال أبو عمرو: إنك لألكن الفهم إذا صيرت الوعيد الذي في أعظم شيء مثله في أصغر شيء. فاعلم أن النهي عن الصغير والكبير ليسا سواء وإنما نهى الله عنهما لتتم حجته على خلقه ولئلا يعدل عن أمره ووعيده، ثم أنشد:

ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي *** ولا أختتي من صولة المتهدِِّّد

وإني وإن أوعدته ووعدته *** لمخلف إيعادي ومنجرُ موعدي

فقال عمرو بن عبيد: صدقت. إن العرب تتمدح بالوفاء بالوعد والوعيد وقد يتمدح بهما المرء. تسمع إلى قولهم.

لا يخلف الوعد والوعيد ولا *** يبيت من ثأره على فوت

فقد وافق هذا قوله - تعالى -: ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم. قال أبو عمرو: قد وافق الأول أخبار رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - والحديث يفسر القرآن.

قال الأصمعي: قال لي أبو عمرو: كن على حذر من الكريم إذا أهنته، ومن اللئيم إذا أكرمته، ومن الغافل إذا أحرجته، ومن الأحمق إذا مازحته، ومن الفاجر إذا عاشرته، وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك أو تسأل من لا يجيبك، أو تحدث من لا ينصت لك.

قال الأصمعي: كان لأبي عمرو كل يوم يُشتري كوزًا وريحانًا بفلسين، فإذا أمسى تصدق بالكوز وقال للجارية: جففي الريحان ودنيه في الأشنان.

قال أبو عمرو: كنت رأسًا والحسن البصري حيُّ.

وقال: لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ به لقرأت حرف كذا وحرف كذا.

قلت: وهذا يدل على أن القراءات لابد وأن تكون مسموعة كما يدل على التزام أبي عمروٍ, لذلك.

قال أبو عمرو: خذ الخير من أهله، ودع الشر لأهله.

قال الأصمعي: كنتُ إذا رأيت أبا عمرو يتكلم ظننتُه لا يعرف شيئًا، كان يتكلم كلامًا سهلاً.

قال أبو عمرو: إنما نحن فيمن مضى كبقل في أصول نخل طوال.

قلت: وهذا هو التواضع ومعرفة الإنسان قدر نفسه، وأما في زماننا فيقول من لا يحسن أن يتكلم: نحن رجال وهم رجال، أو يقال: لا تلزمني بقول فلان من العلماء أنا متعبد بفهمي أنا، وهو لا يفهم معنى ما يقول. نسأل الله العلم النافع والتواضع للحق ولأهل العلم الكبار.

قال أبو عمرو: نظرت في هذا العلم قبل أن أختن، وله يومئذ أربع وثمانون سنة.

قال حماد بن زيد: سألت أبا عمرو بن العلاء عن القدر، فقال: ثلاث آيات في القرآن لمن شاء منكم أن يستقيم (28) وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين {التكوير: 28، 29} فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا (29) وما تشاءون إلا أن يشاء الله {الإنسان: 29، 30} فمن شاء ذكره (55) وما يذكرون إلا أن يشاء الله {المدثر: 55، 56}، يعني أن مشيئة العباد تابعة لمشيئة الله، فلا مشيئة لهم إلا ما شاءه - سبحانه وتعالى-.

قال الأصمعي: قال أبو عمرو: سمعت أعرابيًا ينشد وقد كنت خرجت إلى ظاهر البصرة متفرجًا مما نالني من طلب الحجاج لي واستخفائي منه:

صبِّر النفس عند كل مُلِمٍّ, *** إن في الصبر حيلة المحتال

لا تُضيقنّ في الأمور فقد يُك ***شف لأواؤها بغير احتيال

ربما تجزع النفوس له من الأم *** ر فَرجَةٌ كحل العقال

قد يصابُ الجبانُ في آخر الصّ ***ف وينجو مُقارع الأبطال

فقلت: ما وراءك يا أعرابي. قال: مات الحجاج فلم أدر بأيهما أفرح، بموت الحجاج أو بقوله (فَرجة) لأني كنت أطلب شاهدًا لاختياري القراءة في سورة البقرة: إلا من اغترف غرفة {البقرة: 249}.

قال أبو عمرو: كنت في ضيعتي فاشتد عليّ الحر، فبينا أنا أدور فيها نصف النهار إذ سمعت قائلاً يقول:

وإنّ امرءًا دنياه أكبر همه ***لمستمسك منها بحبل غرور

قال: فنقشته على خاتمي، فكان نقش خاتمه.

قال أبو عمرو: من عرف فضل من فوقه عُرف له من دونه، ومن جَحَد جُحِد.

قال: ما تشاتم رجلان إلا غلب المُهمل.

وفاته: قال أبو عبيدة: حدثني يونس أن أبا عمرو كان يغشى عليه ويفيق فأفاق من غشية له فإذا ابنه بشر يبكي، فقال: ما يبكيك وقد أتت عليّ أربع وثمانون سنة؟. اه.

وكانت وفاته سنة أربع وخمسين ومائة، وقيل: سنة سبع وخمسين ومائة. - رحمه الله -. والله - تعالى - أعلم.

 

ــــــــــــــــ

المراجع:

طبقات القراء.

سير أعلام النبلاء.

تهذيب الكمال.

تقريب التهذيب.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply