الثورة العربية الكبرى* 9 شعبان 1335هـ


 

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد أدرك أعداء الإسلام أن تمزيق الأمة المسلمة لا يمكن أن يتم من خلال المواجهات العسكرية، وأن السبيل لذلك لا يكون إلا بالمكر والخديعة، كما أدركوا أن مصدر قوة المسلمين يكمن في إيمانهم بالله - عز وجل - ورابطة الولاء والبراء الجامعة بين أبناء المسلمين على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وأوطانهم.

 

وانطلاقًا من مقولة القس الألماني «ذويمر» التي أطلقها في مؤتمر التنصير العالمي الأول في القاهرة سنة 1324هـ «الشجرة يجب أن يقطعها أحد أغصانها» أخذ أعداء الإسلام يبحثون في أبناء المسلمين عن شخصيات وزعامات داخل الوطن الإسلامي، قادرة على توجيه مشاعر الجماهير المسلمة نحو رابطة أخرى تجمعهم غير رابطة الإسلام، وبعد بحث وتفتيش اهتدى أعداء الإسلام لرابطة «القومية» لتحل محل الرابطة الإسلامية، وجاء تسويق هذه الرابطة الجاهلية بأسلوب الفعل ورد الفعل.

 

أول ما ظهرت الأفكار القومية في بلاد الإسلام، كانت بظهور حركة الاتحاد والترقي في الدولة العثمانية وهي حركة ماسونية ظهرت مدعومة من الدول الأوروبية، تبنت فكرة القومية الطورانية أي التركية، وأخذ رجال الاتحاد والترقي يروجون لفكرة القومية التركية وتفوق الجنس التركي، وساعدتهم أوروبا والماسونية واليهودية العالمية للوصول لسدة الحكم بالدولة العثمانية، وذلك بعد الإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني، ولما أصبح رجال هذا الحزب في الحكم، أخذوا في استفزاز العرب وعزل زعمائهم الذين كان لهم نفوذ داخل الدولة مثل «عزب باشا العابد».

 

وعلى خط مواز لما يقوم به رجال الاتحاد والترقي من المناداة بالقومية التركية، أخذت أوروبا في تذكية فكرة القومية العربية التي نشأت أصلاً على يد نصارى الشام الذين تربوا في أحضان الإرساليات الإنجيلية والبروتستانية بلبنان وسوريا، فلما جهر الاتحاديون بقوميتهم نشأ عند العرب رد الفعل الذي خطط له الأعداء سلفًا، وظهرت القومية العربية بين أبناء المسلمين، وكان لفرنسا دور بارز في احتضان أصحاب هذا الفكر، والترويج لمبادئهم وأهدافهم وطلباتهم باسم الإصلاح.

 

بدأت فكرة القومية العربية في الرواج بين المثقفين، خاصة بعد فشل فكرة الجامعة الإسلامية التي كان يدعو إليها السلطان عبد الحميد الثاني بسبب الضغوط الأوروبية، وأحس الاتحاديون بالخطر المحدق بالدولة العثمانية من جراء أصحاب الفكر القومي الذين أخذوا في الاتصال بالدول الأوروبية للضغط على الدولة العثمانية، فقابل الاتحاديون هذه التحركات من جانب العروبيين بالقمع والشدة ورفض تلبية أي متطلبات للعرب، مما أدى لانتشار الفكر القومي بين الناس.

 

بقي بعد تهيئة الأجواء لفكرة القومية التي ستقوم حتمًا لتمزيق العالم الإسلامي، البحث عن الزعامة العربية المناسبة لتقوم بدور الغصن الذي سيقطع الشجرة، وكان هذا الغصن هو الشريف «حسين بن علي الهاشمي» وكان رجلاً طموحًا ذكيًا وأيضًا يكره العثمانيين لما رآه من فساد وظلم وتدهور في الدولة العثمانية، ولقد وقعت عليه عين العدو الفاحصة منذ أن كان عضوًا في مجلس الأعيان العثماني ومقيمًا في «إستانبول»، لذلك بدأت الخطة بالضغط على السلطان عبد الحميد الثاني من أجل تعيين الشريف حسين أميرًا على «مكة»، فوافق عبد الحميد مكرهًا لما يعلمه من خطورة الشريف وطموحاته.

 

 

 

وما أن تولى الشريف حسين منصبه كأمير على «مكة»، حتى راحت إنجلترا تراسل الشريف حسين وتبذل له الوعود الخادعة والكاذبة، واشتهرت هذه المراسلات باسم «ماكماهون ـ الشريف» و«ماكماهون» هو المندوب السامي الإنجليزي بمصر، ونجح الإنجليز في خداع الشريف حسين وولديه فيصل وعبد الله من أجل الإعلان عن استقلال العرب عن العثمانيين بالثورة الشهيرة.

 

وتحين اللحظة المناسبة للتنفيذ عندما يكتشف «جمال باشا» قائد الجيش الرابع العثماني في الشام وجود مؤامرة بين بعض القوميين العرب والحلفاء أثناء الحرب العالمية الأولى، فيقبض عليهم ويعدمهم، وقد ثار العرب لإعدامهم وأطلقوا عليهم اسم الشهداء، مع أنهم كانوا عملاء، فعندها أعلن الشريف حسين الثورة العربية الكبرى في 9 شعبان سنة 1335هـ ـ 10 يونية 1916م، والحرب على أشدها بين العثمانيين والحلفاء، وبتخطيط وتوجيه من الجاسوس اليهودي «لورانس» وقيادة «فيصل بن الحسين» خرجت الجيوش العربية من جزيرة العرب باتجاه بلاد الشام لقتال إخوانهم المسلمين الأتراك، وبمساعدة الإنجليز وبالسلاح الحديث تم إفناء وتشريد الجيوش العثمانية [الثالث والسابع والثامن] التي طالما حفظت العالم العربي والإسلامي من مخططات الأعداء.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply