الهزيمة والنصر تاريخ وتحليل ( 1 )


  

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وبعد:

قدمت الهزيمة لأن لها ظلال في الحاضر وأخِّر النصر لأنه أمل المستقبل بإذن الله - سبحانه وتعالى -، وقدم التاريخ الماضي ليكون عوناً على تحليل الحاضر والغاية من هذا الموضوع هو استقراء يمليه علينا منهج القرآن الكريم لما وقع من الأحداث ليستنبط منها طريق النصر ويعرف من خلالها ثغرات الهزيمة، والله - سبحانه وتعالى - كثيراً ما ذكر في القرآن الدعوة للمؤمنين (قل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلكم) حتى يكون لهم موضع عبرة..

ولأن لله - سبحانه وتعالى - سنة جارية لا تتغير (سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً) وهذه السنة تكرر وفق ما ذكر الله - جل وعلا - في كل زمان ومكان ولذا قال القائل

اقرأ التاريخ إن في التاريخ عبر***ضاع قوم ليس يدرون الخبر

 

وأمة ليس لها تاريخ وماضي لن يكون لها مستقبل، والقرآن العظيم حينما قص قصص الأنبياء والمرسلين نبه على ذلك بقوله - جل وعلا - (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) ليعلم الإنسان أن ما ذكر الله - جل وعلا - من قصص الغابرين وأحوالهم وأعمالهم وأقوالهم وما جرى عليهم من قدر الله - سبحانه وتعالى -، الذي نصر المؤمنين وأذل الكافرين والمعرضين ليعلم أن هذا درس يتكرر متى وجدت أسبابه تكررت نتائجه.

وهذا نهج قرآني ظاهر في الآيات كلها وفي قصص القرآن على وجه الخصوص، ومن هنا لنا وقفات تاريخية نلتمس منها العظة والعبرة ونقف في المواطن الفاصلة او الوقائع ذات الأثر الكبير سواء كانت سلبية أو إيجابية.

 

بشائر النصر تترى قبل بداية المعركة

مصارع القوم

ولذلك أول وقفاتنا مع سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أعلن - عليه الصلاة والسلام - في غير ما موضع أعلن النصر قبل بداية المعركة، وهذا لا بد أن يكون موضع لفت نظر وتأمل عند العبد المؤمن فإنها ليس خاصية النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا دعاءه المستجاب، ولكنه النظرة التي حينما يتفحص العبد المؤمن أسباب النصر ويراها فإنه يغلب على ظنه جيران سنة الله - سبحانه وتعالى - بالنصر، فإن محمدا - صلى الله عليه وسلم - لما خرج يوم بدر ولم يكن يبغي قتالاً ثم قضى الله - جل وعلا - بلقاء الفريقين وتوجه - عليه الصلاة والسلام - في ذلك الدعاء المتبتل وتلك النداءات والمناجاة التي استنزل بها نصر الله - جل وعلا - بعد ذلك حينما رجع إلى أصحابه كان يقول - عليه الصلاة والسلام - (أبشروا فوالله إني لأنظر إلى مصارع القوم)وحدد مقتل فلان ومقتل فلان هنا ومقتل فلان هنا، وما ذلك إلا لأنه - عليه الصلاة والسلام - رأى من أصحابه إيماناً ويقيناً قوياً ورأى منهم وحدة وتماسكاً وطيداً ورأى منهم همة عالية ورأى منهم بسالة وشجاعة كبيرة، فرأى بشائر النصر ظاهرة للعيان وكان تثبيت الله من قبل ومن بعد مؤيداً لذلك، ومن هنا كان النصر الذي وقع مطابقاً لما قاله - عليه الصلاة والسلام -.

 

أبشروا بالنصر

ويوم الخندق يوم اجتمعت على المسلمين شدة البرد مع شدة الجوع مع شدة الخوف وصور القرآن الكريم صورة المسلمين حينما التف واحتف بهم الأعداء من كل جانب (إذ جاؤكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا) في هذا الكرب العصيب وفي هذه الشدة القاسية نبى إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نبأ نقض بني قريضة للعهد، وكان ذلك بمثابة الطعن من الخلف وكان بمثابة الزعزعة الشديدة التي فاقت كل ما مضى من قبلها ومع ذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عندما لحن له السعدان - رضي الله عنهما - وعلم من قولهما نقض قريش للعهد، كان يكبر - عليه الصلاة والسلام - ويقول الله اكبر الله اكبر ابشروا بالنصر، في هذه الشدة العصيبة يبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالنصر ويثبت الأقدام والقلوب ويربط على العزائم وعلى الهمم، وما ذلك أيضاً إلا لأن الأسباب التي ذكرها الله - سبحانه وتعالى - للنصر كانت أيضاً رغم كل هذا ظاهرة للعيان في ثبات وإحتمال وصبر أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -.

 

والله إنكم لمنصورون

ولذلك مرة أخرى يعلن النبي - صلى الله عليه وسلم - النصر قبل المعركة وحتى نعلم أن القضية إنما هي إستقراء لأسباب النصر وحسن ظن بالله متعلقة بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، فإننا نرى موقفاً تاريخياً نذكره هنا فيه ذكر للنصر قبل نشوب المعركة، وذلك كان جلياً في موقف شيخ الإسلام ابن تيمية في مواجهة المسلمين للتار في ما قبل معركة شقحب وسيأتي لنا ذكر لها، كان رحمة الله عليه يطوف بالجند وبفرق الجيش وهو يقول \" والله إنكم لمنصورون في هذه الكرَّة \" ويحلف على ذلك بجزم شديد، حتى إن بعض الناس يراجعونه ويقولون له قل إن شاء الله فيقول \" إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً \" ويقسم على ذلك وهذه فراسة المؤمن وكرامة عبد صالح ولكنها بصيرة عالم بسنة الله - سبحانه وتعالى -، لأنه رأى أن العزائم قد شحذت ورأى أن الإيمان قد اتقدت ناره في القلوب ورأى أن العزة قد جرت مع الدماء في العروق، رأى كل ذلك وثبت الله المؤمنين فبشرهم بالنصر قبل نشوب المعركة.

وهذه المواقف نستجلي منها أمراً واحداً لأننا ندخل هنا في التفاصيل من حيث القوة المتكافئة ولا الظروف المناسبة وإنما رأينا فقط ومضة النصر في هذه البشائر، لماذا لنعلم أو لنستخلص أن القضية في النصر والهزيمة إنما هي من الداخل، إنما النصر نصر النفوس ونصر الهمم ونصر العزائم، وإنما أيضاً الهزيمة هي هزيمة النفوس وهزيمة العقائد وهزيمة العزائم والهمم.

 

وكذلك كما كان في النصر بشارات قبل نشوب المعارك، كذلك كانت الهزائم حينما تضعضعت النفوس، كانت الهزيمة تأتي وتعلن بذورها قبل أن تثار غبارها، وهذا يدلنا على الحقيقة التي نحب أن نؤكدها وهي أن القضية متعلقة بإيجاد أسباب النصر وأعظمها إنما هو متعلق بالقلب والنفس والحقائق الإيمانية التي تفعل فعلها في نفوس المؤمنين.

 

النصر رغماً عن الهزيمة

حمراء الأسد

ولنا من بعد ذلك وقفة أخرى تؤيد هذا الجانب، وهي النصر رغم الهزيمة، فإن المسلمين مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم أحد كتب الله لهم النصر في أول المعركة، ثم جاءت أحد أسباب الهزائم مخالفة أمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - وخالف أقوام؟ كما تعلمون. ثم أراد الله - جل وعلا - أن يربي أصحاب محمد والأمة المسلمة من بعده أن كل مخالفة يقع بها من بلاء الله وقضاءه ما يقضيه وتقدره حكمته - سبحانه وتعالى -، فكانت الكرَّة في آخر الأمر على المسلمين، وأثخنوا جراحا؟ واستشهد منهم سبعون وجرح منهم من جرح.

ثم ماذا من بعد رجع المسلمون واقتنص كفار قريش هذا النصر الذي لم يكن من قوتهم ولا بإحكام عدتهم وخطتهم ولا كذلك بقوة نفوسهم وعزيمتهم، ولا بصحة عقيدتهم ووفائهم وإنما كان ناشئاً من خطأ في الجانب المقابل من معصية في جانب الصف المؤمن المسلم، ولذلك هؤلاء الذين حل بهم هذا المصاب العظيم رجعوا إلى المدينة ثم نادى النبي - صلى الله عليه وسلم - في اليوم القابل في اليوم التالي مباشرة أن يخرج من كان معه ممن شهد أحداَ وأن لا يخرج معه غيرهم وأين يريد محمد - صلى الله عليه وسلم - وأي شيء يريد، وقد إثخنت الجراح و

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply