بسم الله الرحمن الرحيم
من يتحدث اليوم في القضايا التربوية والنفسية لا يخلو من أن يسمع المطالبة الملحة من الحضور والقراء بضرورة تأصيل ما يقدمه بنصوص الكتاب والسنة، أو الاستشهاد على ما يقول بمواقف من سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وحين يورد المتحدث فيما يقدمه شواهد من السيرة النبوية فإنه يلقى ترحيباً وإشادة من المستمعين.
لا شك في أن هذا الأمر ظاهرة إيجابية تستحق الإشادة والترحيب، وتستحق التفاعل معهاº فهي تعني الولاء للدين لدى المستمعين، وتعني الإيمان بشمولية الدين لجوانب الحياة، وبأن الدين يقدِّم الحلول لمشكلاتهم، وبثقتهم بما يرتبط بالدين ويستند إليه.
وهو يفرض على المهتمين بالشأن التربوي والنفسي العناية بتأصيل ما يقدمونه من آراء وأفكار وتجارب.
ومما ينبغي مراعاته في مجال التأصيل ما يلي:
ليس من التأصيل أن يقرر الباحث نتائج وأفكاراً ثم يبحث لها بعد ذلك عما يؤيدها من شواهد القرآن والسنة النبوية، وهو أمر يتكرر كثيراً، ويعني التقرير ثم الاستدلال.
إن قيمة التأصيل والاستدلال أن يضيئا لنا المنهج الحق، لا أن يعطيا تسويغاً لما نقرره ونسعى إليه.
لا يسوغ تفسير مواقف السيرة النبوية ونصوص القرآن والسنة من خلال قوالب ونظريات جاهزةº فالنظريات تحوي بُعداً فلسفيا ورؤية شمولية لموقف نفسي أو تربوي، واشتراك معنى النص مع قدر من عناصر النظرية لا يعني بالضرورة انطباقه عليها.
ومن ذلك تطبيق نظريات التعلٌّم السلوكي، أو المعـرفي، أو نظريات الإدارة: العلمية، الإنسانية، أو أنماط القيادة...ونحو ذلك، على المواقف النبوية.ويكثر هذا المسلك لدى من يفتقدون إلى العمق والنضج المعرفي، أو الرؤية الكلية الشمولية للأفكار.
ليس من التأصيل الشرعي الاعتماد على أقوال آحاد السلفº فهي رغم أهميتها وضرورة الاعتناء بها لا ترقى لأن تكون مصدراً للاستدلال، بل هي مما يُستَدَل عليها لا بها، ولا بد من الوعي بظروف المقالة وسياقها وطبيعة المجتمع الذي صدرت فيه.
ليس من التأصيل المطالبة بالاستدلال على كل ما يقالº فثمتَ أمور هي مما يندرج تحت أصل الإباحةº وبناءً عليه فلا تتطلب استدلالاً، ومن أبرز ذلك ما يندرج تحت الوسائل والأساليبº لكن حين يأتي الاستدلال غير متكلَّف فهو يزيدها قوة، ويؤكد فاعليتها وجدواها.
إننا بحاجة للعناية بالتأصيل للعلوم الاجتماعية والإنسانية، لكن التأصيل ينبغي التعامل معه بعمق ووعي، وبمنهجية شرعية في الاستدلال، لا أن يكون مجرد استجابة لمطالب الآخرين، أو وسيلة لإعطاء مشروعية للأفكار المقررة سلفاً.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.
والله ولي التوفيق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد