العنف عند الأطفال : سلوك مكتسب أم عوامل وراثية ؟!


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 
 
الطفل الذي لا يشعر بالحب والحنان غالبا ما يكون عدوانيا

الظروف غير المستقرة التي يعيشها الطفل في المنزل قد تدفعه للكراهية..فالعدوان عند الأطفال سلوك مكتسب من البيئة المحيطة

تراشق السباب بين الأبوين أمام الأبناء له أثر سيء على نفسياتهم

* الشيخ د.علي النفيسة:

تعنيف الطفل أمام أقرانه يولد عنده حالة عدوانية

المشال الزوجية المتررة أمام الأطفال تدفعهم إلى

السلوك العدواني

المشارون في التحقيق

(1) الشيخ د.علي بن شايع النفيسة / مدير التوجيه والتوعية بوزارة الداخلية.

(2) د. إبراهيم بن عبدالله المطلق / عضو هيئة التدريس بقسم الدعوة والاحتساب بكلية الدعوة والإعلام، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.

(3) د. تركي بن محمد العطيان / أستاذ علم النفس المساعد، رئيس قسم العلوم الاجتماعية بكلية الملك فهد الأمنية.

الرياض - د. عقيل العقيل:

إن المتتبع لواقع الأطفال في هذا الزمان يلحظ نشوء ظاهرة غريبة لديهم تدعو للتساؤل ألا وهي ظاهرة العنف. فظاهرة العنف تعودناها عند الكبار، فما بالها تحولت إلى الصغار. ما الأسباب والدوافع التي أدت إلى انتشار هذه الظاهرة في أوساط الصغار، رغم ما عهد فيهم من براءة وسلامة صدر ونسيان سريع حتى لو أسيء إليهم ؟!! التقت (الدعوة) مجموعة من المشايخ والمختصين في مجالات التربية وعلم النفس فكان هذا التحقيق:

حالة عدوانية

* بداية تحدث الشيخ د. علي بن شايع النفيسة مدير التوجيه والتوعية بوزارة الداخلية فقال: هناك ظاهرة عنف بين الأطفال وبين بعضهم البعض، وهناك ظاهرة عنف من الكبار تجاه الأطفال وكلا الحالتين له تأثير سلبي جسدي ونفسي على الأطفال. ويشتد هذا التأثير سلبا إذا ارتبط العنف ضد الأطفال بالظلم والقسوة والتصنيف الشديد أو كان بوجود أقران الطفل من زملائه أو أصدقائه، مما يولد حالة عدوانية عند الطفل تعكس رغبته في الانتقام والتقليد والمحاكاة لما يجده من معاملة قاسية وعدوانية.

ويزداد تأثير العنف بين الأطفال بين بعضهم البعض إذا لم يجد الطفل من يدافع عنه أو يعاقب المعتدي مما قد يدفع الطفل إلى الإنطواء أو عدم الرغبة في الذهاب إلى المدرسة، وضعف التحصيل العلمي لشرود ذهن الطفل بالآثار السلبية الناتجة عن الاعتداء عليه من قبل الآخرين.

كما أنه قد يولد عند الطفل الاضطرابات النفسية والأعراض العضوية التي قد تحرمه النوم، وتؤثر على ثقته بنفسه وتشعره بالحزن والتوتر الشديد، لذا يحسن لتفادي كل هذه الآثار السلبية الناتجة عن العنف بين الأطفال الاهتمام بتربية الطفل تربية تحفظ له حقوقه، وتحمي الآخرين من اعتدائه عليهم بحيث ينشأ الطفل منذ الصغر على احترام حقوق الآخرين والحب والتسامح وتبادل الهدايا مع أقرانه وزملائه في المدرسة وأصدقائه ليكسب ودهم ومحبتهم.

وكذلك يجب عدم إغفال السعي للمصالحة بينه وبين من يعتدي عليه ومعاقبة المعتدي في حالة عدم قبوله الاعتذار، وتكرار الاعتداء.

المشاكل الزوجية:

كما لا ننسى أن ننبه إلى أن المشاكل الزوجية المتكررة والمشادة بين الزوجين أمام الأطفال تولد نفسية عدوانية للأطفال بل يعمد بعض الأزواج إلى ضرب زوجته أمام أطفاله، مما يتسبب في تدمير نفسية الطفل والاقتداء بوالده في الإساءة إلى أقرب الناس إليه من أفراد أسرته وزملائه في المدرسة.

كما لا ننسى أن نشير إلى الآثار السلبية الناتجة عن مشاهدة أفلام العنف سواء ما كان منها تلفزيونيا أو عبر ألعاب الأطفال الإلكترونية، يجب أن يقوم الوالدان المربون بدورهم الفاعل للحد من هذه الظاهرة السيئة بين الأطفال.

إهمال الدعاء

ثم تحدث د. إبراهيم بن عبدالله المطلق عضو هيئة التدريس بقسم الدعوة والاحتساب كلية الدعوة والإعلام جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية فقال: من أسباب ظاهرة العنف عند الأطفال في عصرنا هذا الغفلة عن ذكر الله - تعالى -على وجه الإطلاق والغفلة على وجه الخصوص عن الدعاء الذي وجه به النبي - صلى الله عليه وسلم - عند جماع الرجل لزوجته، وهو قوله: (اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا)، فإنه إن قدر بينهما ولد لم يكن للشيطان إليه سبيل.

وكذلك من أسباب عنف الأطفال إهمال الوالدين، وعدم قيامهما بواجب الرعاية المبكرة وأعني الرعاية بكامل معانيها من القرب إلى الأطفال وحسن التعامل معهم واللطف واللباقة معهم، وترك القسوة في التفاهم معهم إذ أن ترك هذه الرعاية قد يوجد ردة فعل يصحبها شيء من العنف. ومن أسباب العنف عند الأطفال فتح الباب لهم على مصراعيه والإذن المطلق لهم بمشاهدة جميع الأفلام والقنوات واللعب بما يسمى (البليستيشن) وبحرية مطلقة حيث إن بعضا من برامجه وأشرطته كلها عنف، ولا شك أن الطفل سريع التأثر سريع التقليد فيقلد ما يشاهده من أفلام وبرامج وأشرطة ويظهر ذلك على أخلاقياته وسلوكياته، ومن أسباب ظاهرة العنف عند الأطفال أيضا إعطاء الضوء الأخضر من قبل بعض أولياء الأمور بوجود وتشغيل الأغاني وغيرها من الأشياء المحرمة في المنزل. مما يجعل المنزل محضنا ومقرا لاجتماع الشياطين، فالشياطين إنما تتنادى للهو وأماكن الفسق والفجور، وحينما يمتلأ المنزل بمثل هذه المنكرات ويخلو من ذكر الله - تعالى -فإنها تجتاله الشياطين وتؤثر على ساكنيه من أطفال وغيرهم.

ولذلك تجد مثل هذه المنازل كثيرة المصائب وكثيرة المشاكل ومن أسباب وجود العنف عند الأطفال، وجود العنف عند والدي الأطفال فيقلد الابن أو البنت أباه وأمه.

ومن أسباب وجود العنف عند الأطفال غفلة الوالدين عن الدعاء لأولادهما علما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر أن دعاء الوالد لولده مستجاب ولو وفق الوالدان للدعاء لأولادهما بالصلاح والتوفيق والطمأنينة والسكينة لاستجاب الله جل وعز لهم، فهو - سبحانه - القائل: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريبِ أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون (186)} [البقرة].

بل إن من المؤسف أن بعض الآباء والأمهات لا يتورعون بالدعاء على أولادهم، وفي هذا مخالفة لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدم الدعاء على الأبناء، فلربما وافق ساعة إجابة فأجيب له. وهذا ينعكس على الأطفال فيكونون هم الضحية في كل هذه المسببات للعنف وينمو الطفل بشخصية مملوءة بالعنف مما يكون سببا في حياة كلها شقاء ونكد وتعاسة.

عوامل وراثية:

ثم تحدث د. تركي بن محمد العطيان أستاذ علم النفس المساعد رئيس قسم العلوم الاجتماعية بكلية الملك فهد الأمنية فقال: لم يعد مقبولا في الأوساط العلمية النفسية إرجاع سلوك العنف لدى الأطفال فيما فيه من تعقيد وغموض إلى عامل واحد بعينه، فالاتجاه المقبول الآن هو إرجاع العنف إلى عوامل متعددة ومنها:

1- عوامل وراثية مثل: ما ينقل إلى الابن من الآباء والأجداد من صفات وخصائص وتكوينات غير ناقلات الوراثة أو الجينات. فيحدث إفرازات هرمونية وغددية، فمثلا إذا زاد إفراز الغدة الدرقية صاحب انفعال زائد وسلوك عدواني واضح، يعكس الخمول في إفراز الغدة النخامية ليصاحبه خمول وهدوء وإن صار هناك عدوان فهو ببرود أعصاب.

2- عوامل بيئية: وهي جميع ما يسربه الطفل من خبرات من ولادته أو حتى قبل ولادته إلى أن يبلغ. ومن ذلك ظروف التنشئة الاجتماعية، وخبرات القسوة والعنف من الوالدين أو المحيطين به مع الطفل، والحرمان والصد والزجر والإهمال، ولعل أهمها الحرمان العاطفي، ومن العوامل البيئة: ظروف التربية والدراسة والظروف الثقافية ومكوناتها من العادات والتقاليد والقيم والنظم واللغة المستخدمة. إذا التفاعل مع هذه العوامل يؤثر على الحالة النفسية للطفل مما قد يجعله عدوانيا تجاه نفسه والآخرين من حوله.

الحرمان العاطفي:

فالمعروف عند المتخصص في علم النفس أو غيره أن الطفل الذي يشعر بالحرمان العاطفي من والده أو يشعر بنقص ما في شكله (أصم، وزن زائد، تشويه جسمي معين) لا يستطيع التعبير نن انفعالاته بالكلام فيلجأ للصراخ أو الاعتداء على الآخرين، أو تكسير حاجاته أو حاجات الآخرين في المنزل.

هنا لا بد من فهم فسيولوجية الطفل (تكوينه النفسي والجسمي)، وكيف يحدث النمو وما هو تأثير كل مرحلة حتى يتناسى للآباء والأمهات التعامل معه بإيجابية. فنأخذ على سبيل المثال: الطفل حين لا يشعر بالحب والحنان والعطف من الذين حوله يجعله يستخدم حيلة لجذب انتباه الآخرين من حوله، فيلجأ لخطأ معين حتى يعاقب عليه ثم بعد ذلك يلتفت إليه الوالد أو الوالدة لتدليله وحضنه وضمه، وهكذا يرى الوالدان أن الطفل عنيف، كذلك حين شعوره بالغيرة بسبب وجود مولود جديد أو عدم حصوله على ما يريد أو ما يملكه الآخرون يلجأ لأي نوع من العنف ليعبر عن شعوره معتقدا أن الآخرين يفهمونه، فشعور الطفل بالخوف والقلق والتوتر أيضا يدفعه للعدوان مع نفسه أو مع الآخرين.

سلوك مكتسب:

بعد إرجاع العنف لعدة عوامل، هنا يجب الإشارة إلى أن العدوان أو العنف لدى الأطفال سلوك مكتسب متعلم من البيئة مثل الوالدين والأقرباء والمدرسة والأصدقاء والأهم من وسائل الإعلام خصوصا من القنوات التلفزيونية والموجهة لأطفالنا حاليا. ويدعم كلامي هذا نظرية العالم (باندور) بنظريته التقليدية والمحاكاة) والتي خلاصتها أن غالبية سلوك الإنسان مكتسب ومتعلم، وهذا يعتبر نصيحة للوالدين ووسائل الإعلام بأن يحرصوا على أطفالنا، وعدم المساعدة في إيجاد جيل من الأطفال هم شباب الغد يتصف بالعدوانية والعنف.

فنحن نقول دائما: الطفل هو بالنسبة لنا بمثابة بطاقة صعود الطائرة، فنفهم سلوك العائلة من مشاهدة سلوك الطفل وبالتالي نستطيع الحكم على اتجاه وأفكار محيطه الأسري.

ولقد دلت الدراسات النفسية أن من يشاهد العنف في منزل أسرته سواء عنف لفظي، أو بدني فهناك احتمال عشر مرات أن يكون عنيفا مع الآخرين، وكذلك مع أسرته في المستقبل، فيجب عدم التهاون في مثل هذه الأمور، لأن ما يمر به الطفل من خبرات في حياته هو مجموعة من القواعد تحدد سلوك الفرد في المستقبل.

ولا بد من إدراك أن البرمجة العقلية للفرد تبدأ منذ الصغر، فلقد دلت الدراسات أن 05% من سلوك الطفل يتشكل في الخمس سنوات الأولى و57% عند إكماله لثماني سنين و 59% عند بلوغه الثامنة عشرة، فإذا وجد الطفل في بيته تشجيع على العنف والعدوان بطريقة مباشرة، أو غير مباشرة فالمسؤولية تقع على المحيطين به.

ولا بد من التأكد على أن للقضاء والقدر دورا في تشكيل شخصية الطفل. فلقد جاءت الآية الكريمة قال - تعالى -: {ونفس وما سواها (7) فألهمها فجورها وتقواها (8)} [الشمس]. وكذلك الآية قال - تعالى -: {وهديناه النجدين (10)} [البلد].

مشاعر الكراهة:

قد ينشأ الطفل (ببيت تسوده الكراهية بين أفراده، فالشجار دائم بين الأبوين والحب لا وجود له، فيه تراشق بالسباب والخصام أمام الأبناء، وقد يصل الأمر إلى القطيعة والطلاق، فيحدث أحد الأبوين الأبناء الصغار بمشاعر الكراهية التي يحملها نحو الآخر، هنا يمتص الطفل مهما كان سنه مشاعر الكراهية والشجار في الأسرة، فتكون طابعا للعلاقات بينه وبين أقرانه وبينه وبين أسرته، وقد ينقلها للمدرسة وللأقران في الزيارات أو حتى للمعلمين.

لذا نجد هؤلاء الأطفال يعانون من القلق الدائم والاضطراب النفسي نتجة الظروف غير المستقرة التي يعيشونها ويكون الطفل عرضة للاستثارة لأتفه الأسباب، فيحملون مشاعر الكراهية لأنفسهم وللآخرين، وينقل ذلك إلى مشاعر عدوانية موجهة ضد المجتمع بكامله على شكل سلوك منحرف (مخدرات تفحيط، الكتابة على الجدران، سرقات، ومشاجرات.. الخ.

ويجب أن ندرك أن الطفل الصغير ما دون سنتين إذا تغيرت عليه البيئة (زيارة من منزل إلى منزل - نقل بالسيارة) نجده يشعر بالاضطراب وانزعاج يبرز ذلك من خلال عدوانيته بالصراخ والبكاء، فالأم لا تعرف ماذا حل بإبنها أو بنـــــتها؟ أيضا بعد الأمهات العاملات عن أبنائهم يـــــولد العنف لديهم كردة فعل لتركها لابنها، فلا بد من ملاحظة هذه الأمور، فإلمام الأم والأب بمــــراحل النمو أمر مطلوب ومهم لمعرفة كل خصوصيات النمو فالوقاية خير من العلاج.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply