الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين ثم أما بعد:-
فلست أغالي ولا أزايد في ذلك العنوان فهو حقيقة موجودة في هذا الزمان الذي أصبحت فيه الفتن تحيط بنا من كل مكان، وتعرض علينا ليلاً ونهاراً، فتنُ كقطع الليل المظلم، ومما لا شك فيه أن أطفالنا يتأثرون بهذه الفتن، ويعانون منها، وقبل أن أتكلم في تلك المعاناة وذلك الخطر الذي يحيط بأطفالنا فإنني أود أن أنبه إلى عدة نقاط نرجو من الآباء أن ينتبهوا إليها وهي كالتالي:-
أولاً:- لعلنا نعرف أو يجب أن نعرف أننا جئنا إلى هذه الدنيا لغاية واضحة ومحددة وبدقة شديدة لا تحتمل معها أي لبس فالله يقول: (( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ))، فعبادة الله هي الغاية التي يجب أن يسعى إليها كل إنسان يؤمن بالله، وعليه أن يسخر كل طاقاته وإمكانياته في سبيل تحقيق تلك الغاية، بل ويضحي بكل شيء قد يصرفه عن غايته التي خلق لها، فعلى سبيل المثال: نجد أن المال يجب أن يكون وسيلة لتحقيق العبادة لله، ولا يكون هو غاية في حد ذاته، لأنه لو صار غاية فقد يضحي المسلم بدينه من أجله كما يحدث مع بعض المسلمين الذين يبيعون دينهم بعرض من الدنيا، وكذلك الزوجة يجب أن تكون وسيلة لتحقيق العبادة، فيختارها الإنسان من البداية تقية نقية لتعينه على طاعة لا أن تصرفه عنها كما نرى في بعض بيوت المسلمين، وكذلك الأولاد يجب أن يكونوا وسيلة لتحقيق العبادة، فيربيهم الأب على طاعة الله ليكونوا في ميزان حسناته، لا أن يترك لهم الحبل على الغارب كما هو حال الكثير من الآباء مع أبناءهم، ولعل استغلال تلك الأمور وغيرها يحتاج إلى فطنة وذكاء من المسلم حتى يستطيع أن يستثمرها في تحقيق عبادة الله، وإقامة دينه في الأرض.
ثانياً:- يقول رب العزة - سبحانه وتعالى -: (( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ))، ولقد جاء في تفسير ابن كثير - رحمه الله -: \"يقول مجاهد: (( قوا أنفسكم وأهليكم ناراً )) اتقوا الله وأوصوا أهليكم بتقوى الله، وقال ابن عباس: اعملوا بطاعة الله، واتقوا معاصي الله، وأمروا أهليكم بالذكر، ينجيكم الله من النار، وقال قتادة: تأمرهم بطاعة الله، وأن تقوم عليهم بأمر الله، وتأمرهم به، وتساعدهم عليه، فإذا رأيت لله معصية قرعتهم عنها، وزجرتهم عنها، وقال الضحاك ومقاتل: حق المسلم أن يعلم أهله من قرابته وإمائه وعبيده ما فرض الله عليهم، وما نهاهم الله عنه\".ا.هـ
فانظر أخي وتدبر هذا الكلام الواضح لعله يرشدك إلى بعض ما نريد إيصاله إليك.
ثالثاً:- إذا تبين لك أيها الأب الفاضل أن الأطفال والأبناء وسيلة لتحقيق غاية العبادة لله، وأنه يجب عليك أن تعلمهم طاعة الله، وتبينها لهم، وتسعى إلى إنقاذهم من جهنم - أعاذنا الله وإياك منها - فإن ما تحتاج إليه حتى يتحقق لك ذلك هو أن تربيهم على الإسلام كما ربى الصحابة والتابعين والصالحين أبناءهم/ فيجب أن يعرف الابن القرآن ويحفظه ويتعلمه، ويجب أن يعرف سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن يعرف حق ربه عليه، وحق الناس عليه، ويتربى على الأخلاق والقيم الإسلامية الرفيعة وذلك بأسلوب طيب رقيق يرغب ولا ينفر، ييسر ولا يعسر، يَسرُ ولا يُحزنº حتى يخرج الطفل محباً لدينه، مخلصاً لربه، عارفاً بسنة نبيه، مقتدياً بأصحابه، فيخرج الابن سعيداً فرحاً بطاعة الله، شاكراً لأباه أنه رباه، وأخلص في تربيته، فتجد الابن يحفظ الحق لأبيه في الدنيا حال حياته، ولا ينسى حقه حتى بعد مماته، وهنا أهمس في أذن الأب فأسأله قائلاً: ألا تريد أن ترى أسرتك يوم القيامة كلها في الجنة وأنت معهم؟
إن قلت: نعم - وهو ما أظنه - فاسع إلى تحقيق ذلك، واستعن بالله ولا تعجز، واعلم أن الله لو رأى صدقك أنت وأهل بيتك في طلب الجنة فسيعطيكم إياها، وأما إن قلت: لا، أو كان حالك يعبر عن ذلكº فراجع نفسك، واعلم أنك على خطر عظيم.
أحبتي في الله: من خلال النقاط الثلاثة نستطيع أن نتحدث عن موضوعنا الرئيسي، وذلك لأن عدم أخذ هذه النقاط في الاعتبار من جانب الأباء يجعل الأبناء لا رقيب عليهم ولا حسيب، فيفعلون ما يريدون، ويسيرون في الطرق التي يرونها تناسبهم وفقاً لهواهم وليس وفقاً لمقتضى شرع ربهم، وعليه فإننا نرى أن ضياع وفشل الكثير من الأبناء يرجع سببه الرئيسي إلى إهمال الآباء ما أشرنا إليه في النقاط الثلاث، فما نراه اليوم من الأبناء حتى في سن مبكرة يشعرنا بالحزن والأسى على الحال التي وصلوا إليها، والتي قد يعبر عن جزء منها هذه الأسئلة التي أريد من الجميع أن يجيبوا عليها:-
1) من الذي علم أبنائنا ( أطفالنا) هذه الأغاني، وغرس حبها في قلوبهم، فلا يكاد يمر يوم إلا وهم يسمعونها، بل تجد أكثرهم يحفظونها عن ظهر قلب، ويرددونها وكأنهم يتعبدون بها؟
2) من الذي علم أبنائنا ( أطفالنا) معاكسة الفتيات وبكلمات قد يعجز الكبار عن ذكرها أو معرفتها؟
3) من الذي علم أبنائنا ( أطفالنا) كتابة خطابات الحب والعشق، والتي لم تقتصر على الشباب، بل وصلت إلى الأطفال في المرحلة الابتدائية، ورأيت هذا وحدث لي ذات مرة أن شكت لي إحدى الأمهات من أن بعض الطلبة في الصف الثالث الابتدائي يكتبون الخطابات ويعطونها إلى ابنتها، بل ويتصلون بها على التليفون ليكلموها؟
سبحان الله إنها مأساة قد لا يشعر البعض بخطرها، ولكنها موجودة بالفعل وذات خطورة كبيرة.
4) من الذي علم أبنائنا ( أطفالنا) أسماء الممثلين والممثلات، والمغنيين والمغنيات، وجعلهم قدوة وأسوة لهم في حياتهم؟ بل وجدنا الكثير من أبناء المسلمين يتمنون لقاء هؤلاء المهرجين ليصافحوهم، ويملون أعينهم من منظرهم البهيج، فهم يرون المجتمع يحبهم ويكثر من ذكرهم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
5) من علم أبنائنا تقليد الفجرة والفسقه في الداخل والخارج في أقوالهم وأفعالهم، وحركاتهم وسكناتهم، ومأكلهم وملبسهم؟
6) من الذي علم أبنائنا الاهتمام بالكرتون الذي يُهدف من وراءه إلى أمور كثيرة يدركها كل من شاهده ودرسه دراسة واعية؟
7) من علم أبنائنا مشاهدة الجنس، ومتابعة قنواته، بل ورأينا أن الأمر لم يعد يقتصر على الكبار والشباب فقط بل شمل الصغار بصورة تجعلنا نحذر من حدوث خطر كبير قد لا يحمد عقباه؟
8) من الذي علم أبنائنا التلامز والتغامز في علاقة الأب مع الأم من الناحية الجنسية، والكل يعرف ماذا أقصد من ذلك، ولا داعي للتوضيح أكثر من هذا؟
9) من الذي علم أبنائنا العلاقات الجنسية؟ فلقد سمعت عن أطفال صغار يمارسون الجنس أو الشذوذ مع بعضهم البعض مع أنهم قد لا يعرفون ماذا يفعلون، ولكننا نريد أن نعرف من علمهم وبصَّرهم بهذا؟
10) من الذي علم أبنائنا - وأقصد هنا الفتيات - الرقصات المتنوعة؟ فتجد البنت الصغيرة ترقص وتتمايل أمام الناس وخاصة في الأفراح بصورة تجعلك تظن أنها تخرجت في مدرسة للرقص، ولكننا نتساءل من علمهم هذا؟
11) من الذي علم أبنائنا التلفظ بالكلمات السوقية والتي يخجل المرء من ذكرها؟ وللأسف الشديد رأينا الأطفال يسبون الدين، ويقولون كلاماً لا يرضاه رب العالمينº يخجل المرء من سماعه، ولكن للأسف أن هذا يحدث وعلى مرأى الجميع.
من الذي علم...إلخ، إننا في مأزق حقيقي، ويجب أن نعترف به وإلا فإننا سنجد أنفسنا في تلك اللحظة التي لا نستطيع فيها تغيير أي شيء، وقد يظن البعض أن كلامي فيه مبالغة، ولكني سأذكر ما قاله أحد علماء الغرب حيث يقول: \" والواقع أن مستقبل الأجيال الناشئة محفوف بالمكاره، ربما يتحولوا أطفال اليوم إلى وحوش عندما تحيط بهم وسائل الإغراء المتجددة بالليل والنهار!! إن تشويهاً كبيراً سوف يلحق البشر حيث كانوا...\" جورج بالوشي هورفت في كتابه \" الثورة الجنسية \".
ومن أجل هذا ننادي الجميع بأن ينتبهوا فأعدائنا يريدون أن يدمروا أطفالنا، يريدون أن يخرجوا شباباً لا يعرف إلا الشهوة، ولا يسعى إلا إلى تحصيلها، ولعلنا نرى هؤلاء الأعداء يبذلون كل ما في وسعهم وطاقاتهم في سبيل حدوث ذلك، فهم يريدون مسلماً مفرغاً من الإسلام، ومما يبرهن على هذا تلك التهنئة التي حملها هذا القس زويمر إلى المجتمعين في إحدى المؤتمرات التنصيرية حيث قال لهم: \" أيها الأخوان الأبطال، والزملاء الذين كتب الله لهم الجهاد في سبيل المسيحية واستعمارها لبلاد الإسلام، فأحاطتهم عناية الرب بالتوفيق الجليل المقدسº لقد أديتم الرسالة التي نيطت بكم أحسن الأداء، ووقفتم لها أسمى توفيق، وإن كان يخيل إلىَّ أنه مع إتمامكم العمل على أكمل الوجوه لم يفطن بعضكم إلى الغاية الأساسية منه، إني أقركم على أن الذين أدخلوا من المسلمين في حظيرة المسيحية لم يكونوا مسلمين حقيقيين، لقد كانوا كما قلتم أحد ثلاثة: إما صغير لم يكن له من أهله من يعرفه ما هو الإسلام، أو رجل مستخف بالأديان لا يبغي غير الحصول على قوته، وقد اشتد به الفقر، وعزت عليه لقمة العيش، أو آخر يبغي الوصول إلى غاية من الغايات الشخصية، ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريماً، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي لا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية، وهذا ما قمتم به في خلال الأعوام المئة السالفة خير قيام، وهذا ما أهنئكم عليه، وتهنئكم دول المسيحية والمسيحيون جميعاً من أجله كل التهنئة، لقد قبضنا أيها الأخوان في هذه الحقبة من الدهر من ثلث القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية المستقلة، أو التي تخضع لنفوذ المسيحية، أو التي يحكمها المسيحيون حكماً مباشراً، ونشرنا في تلك الربوع مكامن التبشير المسيحي في الكنائس والجمعيات، وفي المدارس المسيحية الكثيرة التي تهيمن عليها الدول الأوروبية والأمريكية، وفي مراكز كثيرة ولدى شخصيات لا تجوز الإشارة إليها، الأمر الذي يرجع الفضل فيه إليكم أولاً، وإلى ضروب كثيرة من التعاون بارعة باهرة النتائج، وهي من أخطر ما عرف البشر في حياة الإنسانية كله، إنكم أعددتم بوسائلكم جميع العقول في الممالك الإسلامية إلى قبول السير في الطريق الذي مهدتم له كل التمهيد، إنكم أعددتم نشئاً لا يعرف الصلة بالله، ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقاً لما أراده له الاستعمار المسيحي لا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة و الكسل، ولا يصرف همه في دنياه إلا إلى الشهوات، فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز ففي سبيل الشهوات، يجود بكل شيء.
إن مهمتكم تمت على أكمل الوجوه، وانتهيتم إلى خير النتائج، وباركتكم المسيحية، ورضي عنكم الاستعمار، فاستمروا في أداء رسالتكم، فقد أصبحتم بفضل جهادكم المبارك موضع بركات الرب\".
فمتى نفيق من غفلتنا؟ ومتى نستشعر أننا مستهدفون؟ وأن أبنائنا في خطر عظيم، وأننا بإهمالنا لتربيتهم ندمر أخلاقهم، ونمكن منهم عدوهم من شياطين الأنس والجان، متى يستشعر المسلمون أن تربية الأبناء أساس السعادة للأمة بأسرها، فهم حاضر هذا الزمان ومستقبله؟ وإنّا والله لنخشى أن نتركهم دون أن تكون لديهم مناعة يواجهون بها هذا الزحف والغزو الثقافي المدمر الذي يستهدف الأخلاق، ويفرض سلوكيات وعادات لا تمت إلى الدين بصلة، بل إنها تكاد أن تبرئ منه على الإطلاق.
إن ما نراه اليوم من نهم الكثير من الشباب، وحبهم الشديد للمعاصي التي تحيط بهم من كل اتجاهº يجعلنا نستشعر بخطورة ما نذكره، فتلك المعاصي التي رأينا تعوَّد الشباب على فعلها حتى أصبح من الصعب أن يتخلصوا منها، وأن يهجروها إلا بمجاهدة وعزم أكيد، فالكثير من شبابنا تعود من صغره على تلك المعاصي فأصبحت كالماء بالنسبة للسمك، وللأسف الشديد أن الكثير من الشباب حينما يعلمون بأن كثيراً مما يفعلونه هو من باب المعصية يتعجبون لأنه لم يكن من أحد يخبرهم بذلك الأمر، فالأب منشغل، أو غير عالم، أو غير مبالي بالحلال والحرام، وأكثر الناس مشغولون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسلبية هي السائد في علاقات الناس، فقد يمر الرجل على الشاب ويراه في معصية دون أن يحرك له ساكن، حتى صار الشباب يجاهرون بالمعاصي لأنهم لم يجدوا من ينهاهم عنها، ويأخذ على أيديهم ليتركوها، فشارب الدخان الذي شرب منذ الصغر، وتعود على ذلك، وكان الناس يرونه ولا يحرك لهم ساكن، وكان الأب منشغلاً عنه، تاركاً الأمر برمته له ليفعل ما يشاء، ويخرج متى شاء، ويصاحب من يشاء، فما كان منه إلا أن صار في طريق الانحراف منذ صغره، فإذا حاولت معه في الكبر وجدت صعوبة وعناء، وقس على ذلك سائر المعاصي التي يفعلها الطفل منذ صغره دون أن يجد من يوجهه، بل أحياناً وعلى العكس يجد من يدعم هذه المعصية، فمثلاً الأغاني التي اتفق أهل العلم على حرمتها، ولا يمكن أن تجد عالماً يستطيع أن يحل أو يبيح تلك الأغاني، ولكننا نرى الأب يسمع مع الابن الأغاني، بل ويعلمه إياها، ويرددها معه، ويشتري له الأشرطة والوسائل التي تعينه على سمعاها كالتلفاز ذلك الجهاز الذي كثيراًُ ما يساء استخدامه، ولعله سبب رئيسي في كثير مما يحدث للأمة والمسلمين.
والمهم أن الأب يعاون ابنه على تلك المعصية، فينشئ الابن على حب الأغاني، ولا يستطيع أن يفارقها، ولذلك رأينا بعضاً من الشباب يسير في طريق الالتزام دون أن يترك بعض المعاصي التي كان يفعلها وذلك لمكانتها في قلبه، وصعوبة مفارقته لها، ولعل هذا يوضح خطورة ترك الأبناء بلا تربية على دين الله، ويؤكد ضرورة أن يربوا من الصغر على الطاعة، فإذا شبوا لا يستطيعون مفارقتها، وتسير لهم كالماء بالنسبة للسمك، وتكون لديهم مناعة ضد المعاصي والفتن، فيرفضوها ويقاطعوها بالكلية، حتى إذا وقعوا فيها عادوا وتابوا إلى ربهم.
وأخيراً ونحن نتحدث في هذا المقام أريد أوجه بعض الرسائل:
أولاً: إلى علماء الأمة ودعاتها أريد من فضيلتكم توجيه الاهتمام إلى تنشئة الأطفال على طاعة الله، فنحن إن أردنا أن نعيد الأمة إلى مكانتها فعلينا أن نربي جيلاً كجيل عمر وعثمان وخالد وسعد وعبد الله بن الزبير، ولعلكم تعرفون ما أقصد، وأنتم أهل لذلك - إن شاء الله -، فاجتهدوا ما استطعتم في تحقيق تلك التربية لعل النصرة والعزة تعود إلى أمة الإسلام بعد غياب طويل.
ثانياً: إلى الآباء أدعوهم فيها إلى أن يراعوا حق الله في أبنائهم، فهم سيسألون أمام الله عنهم، وأدعوهم إلى أن يقرءوا كلام ابن القيم الذي اقتبسته خصيصاً من كتابه \" تحفةالمودود بأحكام المولود \"، والذي أدعو الجميع إلى قراءته لما فيه من نفع كبير، يقول ابن القيم - رحمه الله تعالى -: \" ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه، فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغره من حرد وغضب، ولجاج وعجلة، وخفة مع هواه، وطيش وحدة وجشع، فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك، وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة له، فلو تحرز منها غاية التحرز فضحته، ولا بد يوماً ما، ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها، وكذلك يجب أن يتجنب الصبي إذا عقل مجالس اللهو والباطل، والغناء وسماع الفحش والبدع، ومنطق السوء، فإنه إذا علق بسمعه عسر عليه مفارقته في الكبر، وعز على وليه استنقاذه منه، فتغيير العوائد من أصعب الأمور يحتاج صاحبه إلى استجداد طبيعة ثانية، والخروج عن حكم الطبيعة عسر جداً.
وينبغي لوليه أن يجنبه الأخذ من غيره غاية التجنب، فإنه متى اعتاد الأخذ صار له طبيعة، ونشأ بأن يأخذ لا بأن يعطي، ويعوده البذل والإعطاء، وإذا أراد الولي أن يعطي شيئاً أعطاه إياه على يده ليذوق حلاوة الإعطاء، ويجنبه الكذب والخيانة أعظم مما يجنبه السم الناقع، فإنه متى سهل له سبيل الكذب والخيانة أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة، وحرمه كل خير، ويجنبه الكسل والبطالة، والدعة والراحة، بل يأخذه بأضدادها، ولا يريحه إلا بما يجم نفسه وبدنه للشغل، فإن الكسل والبطالة عواقب سوء، ومغبة ندم، وللجد والتعب عواقب حميدة إما في الدنيا وإما في العقبى، وإما فيهما، فأروح الناس أتعب الناس، وأتعب الناس أروح الناس، فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب، قال يحيى بن أبي كثير: \"لا ينال العلم براحة الجسم\".
ويعوده الانتباه آخر الليل، فإنه وقت قسم الغنائم، وتفريق الجوائز، فمستقل ومستكثر ومحروم، فمتى اعتاد ذلك صغيراً سهل عليه كبيراً، ويجنبه فضول الطعام والكلام والمنام ومخالطة الأنام، فإن الخسارة في هذه الفضلات وهي تفوت على العبد خير دنياه وآخرته، ويجنبه مضار الشهوات المتعلقة بالبطن والفرج غاية التجنب، فإن تمكينه من أسبابها والفسح له فيها يفسده فساداً يعز عليه بعده صلاحه، وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله، وترك تأديبه وإعانته له على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه وحرمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء، والحذر كل الحذر من تمكينه من تناول ما يزيل عقله من مسكر وغيره، أو عشرة من يخشى فساده أو كلامه له، أو الأخذ في يده، فإن ذلك الهلاك كله، ومتى سهل عليه ذلك فقد استسهل الدياثة، ولا يدخل الجنة ديوث، فما أفسد الأبناء مثل تغفل الآباء وإهمالهم، واستسهالهم شرر النار بين الثياب، فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه، وهم لا يشعرون، فكم من والد حرم والده خير الدنيا والآخرة، وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله وإضاعتهم لها، وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح، حرمهم الانتفاع بأولادهم، وحرم الأولاد خيرهم ونفعهم لهم، وهو من عقوبة الآباء.
ويجنبه لبس الحرير فإنه مفسد له، ومخنث لطبيعته، كما يخنثه اللواط، وشرب الخمر، والسرقة والكذب، وقد قال النبي يحرم الحرير والذهب على ذكور أمته، وأحل لإناثهم، والصبي وإن لم يكن مكلفاً فوليه مكلف، ولا يحل له تمكينه من المحرم، فإنه يعتاده ويعسر فطامه عنه، وهذا أصح قولي العلماء، واحتج من لم يره حراماً عليه بأنه غير مكلف، فلم يحرم لبسه للحرير كالدابة، وهذا من أفسد القياس، فإن الصبي وإن لم يكن مكلفاً فإنه مستعد للتكليف، ولهذا لا يمكن من الصلاة بغير وضوء، ولا من الصلاة عرياناً ونجساً، ولا من شرب الخمر والقمار واللواط، ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال، ومهيأ له منها، فيعلم أنه مخلوق له، فلا يحمله على غير ما كان مأذوناً فيه شرعاً، فإنه إن حمله على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه، وفاته ما هو مهيأ له، فإذا رآه حسن الفهم، صحيح الإدراك، جيد الحفظ، واعياًº فهذه من علامات قبوله، وتهيئه للعلم لينقشه في لوح قلبه ما دام خالياً، فإنه يتمكن فيه، ويستقر ويزكو معه، وإن رآه بخلاف ذلك من كل وجه وهو مستعد للفروسية وأسبابها من الركوب والرمي، واللعب بالرمح، وأنه لا نفاذ له في العلم، ولم يخلق لهº مكَّنه من أسباب الفروسية، والتمرن عليها، فإنه أنفع له وللمسلمين، وإن رآه بخلاف ذلك، وأنه لم يخلق لذلك، ورأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع، مستعداً لها، قابلاً لها، وهي صناعة مباحة نافعة للناسº فليمكنه منها، هذا كله بعد تعليمه له ما يحتاج إليه في دينه، فإن ذلك ميسر على كل أحد لتقوم حجة الله على العبد، فإن له على عباده الحجة البالغة، كما له عليهم النعمة السابغة، والله أعلم\".
وأضيف هنا بعض الأمور الأخرى التي أود التنبيه إليها:-
1) يقرر الإسلام بأن تربية الأبناء يجب أن تكون على أساس الخشية من الله، وليس من الآباء فقط، فالابن الذي تدرب وتعلم وتربى على الخوف من الله لن يرتكب ذنباً أو معصية، سواء كان ذلك في حضور الأب أم في غيابه.
2) يقرر الإسلام بأن يكون هناك حوار دائم بين الآباء وأبناءهم في كافة الأمور، وأن يكون الإقناع هو السبيل الوحيد للحوار والنقاش لا الإلزام، مع ضرورة أن لا توضع الحواجز بين الآباء وأبناءهم، والتي من شأنها لجوء الأبناء إلى غير آباءهم للسؤال عن أمور يتعرضون إليها، ويكون من نتيجة ذلك الضلال، خاصة عندما يكون السؤال موجهاً إلى جماعة من الفسقة، وما أكثرهم في هذا الزمان.
3) يقرر الإسلام بأن تربية الأبناء يجب أن تأخذ منحنى في التدرج، وأن تتناسب التربية المرحلة التي يمر بها الأبناء، فتربية ذوي السبع سنيين ليست كتربية ذوي العشر سنين، ولعل ذلك ملاحظ في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر )، ولعلنا نلاحظ تغير أسلوب التربية حيث كان الأمر بالصلاة على سبع سنين، ثم إن لم يطبق وينفذ الأمر يكون الضرب غير المبرح ولكن لعشر سنين، فتغيرت التربية بتغير المرحلة التي يمر بها الابن، كما أن تربية الابن ليست كتربية البنت، نظراً لما بينهما من اختلاف، وهذا من جميل وعظيم أمر الإسلام.
ثالثاً: إلى المجتمع برمته أدعوهم فيها إلى أن يصلحوا ولا يفسدوا، ويبنوا ولا يهدموا، ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، وأن يرفعوا من شأن الطائعين بينهم، ويسقطوا من شأن العصاة بينهم، وأن يكثروا من ذكر الخير حتى ينتشر، ويكفوا عن ذكر الباطل حتى يندثر، وأدعوهم إلى أن يحفظوا أبناء غيرهم حتى يحفظهم الله في أبنائهم، وأن يصونوا أعراض غيرهم حتى يصون الله أعراضهم، وليعلم الجميع أن الفتنة إذا انتشرت لا تصيب من عنده الفتنة فقط، بل تكون كالنار المشتعلة التي إذا لم يسعى الناس إلى إطفاءها فإنها ستصيبهم جميعاً، فعلى الجميع أن يتحركوا لنصرة هذا الدين، وإعلاء كلمته خفاقة، وهذا لن يتأتى إلا بالعودة الصادقة إلى تحكيم شرع الله بيننا، والإقتداء بحبيبنا قولاً وعملاً، وفهم الدين بفهم سلفنا رضوان عليهم، فتلك هي غايتنا، وهذا هو مقصودنا، وبالله التوفيق.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد