كيف تجعل ابنك قائدا ؟


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحلقة الأولى: الخليفة \'هارون الرشيد\'، أسلوب تربيته، وأسباب تميزه

عزيزي المربي...

 

هل تتمنى أن يصبح ابنك قائدًا، بطلاً، مغوارًا، مثل أبناء الصالحين وغيرهم من المجاهدين؟ وهل تعتقد أن القائد يولد قائدًا.. أم أنه يحتاج إلى برنامج تربوي يقوده في النهاية إلى أن يصبح قائدًا؟

 

هل يولد الطفل قائدًا؟!

 

ـ الخليفة هارون الرشيد، والقائد موسى بن نصير

 

سنأخذ ـ عزيز المربي ـ في هذه الحلقات مثالين من التاريخ الإسلامي لآباء حرصوا على صناعة قادة.

 

الأول: هو الخليفة المهدي الذي ربى ابنه هارون تربية متميزة.

الثاني: هو نصير والد القائد \'موسى بن نصير\' الذي ربى ابنه تربية متميزة أيضًا.

 

ـ مراحل تربية الخليفة المهدي

رزق الله الخليفة المهدي ابنين اثنين، الأول: الهادي، والثاني: هارون الرشيد.. وبدأ مبكرًا في تربيتهما وتدريبهما، فقد كان ينوي أن يجعل الخلافة الإسلامية تؤول من بعده إلى الهادي ومن ثم إلى هارون، ولأن منصب الخليفة ليس سهلاً.. ولا يولد المرء خليفة، بل يحتاج إلى تدريب، وجهاد، وصبر.. بدأ الخليفة المهدي مع أبنائه مبكرًا.. فماذا فعل؟

 

ـ خمس خطوات جعلت من الطفل \'هارون\' خليفة عظيمًا.

1ـ العلم هو أول الطريق:

خصص الخليفة المهدي لابنه هارون علماء مشهورين، وعهد إليهم بتعليم وتربية ابنه هارون، فحفظوه القرآن، ثم اللغة العربية وبرع فيها، وصار يحفظ الشعر والأدب.

 

2ـ البلوغ.. هو بداية تشكيل الرجال:

انتظر الخليفة المهدي إلى أن بلغ ابنه هارون وصار عمره 14 عامًا، فأعطاه أول المهام القيادية في حياته، وصار يراقبه وكانت مهمته الأولى هي قيادة حملة الحج التي تضم الخليفة المهدي والوزراء ونساء القصر العباسي.

 

فماذا فعل هارون؟

كان فتى حكيمًا، استطاع أن يحل جميع المشكلات التي واجهته بثقة.. فاطمأن الوالد، وارتاح، وصار يبحث له عن مهمة أخرى.

 

3ـ قيادة الجيوش المتجهة إلى الروم:

عندما بلغ هارون 17 عامًا، نادى الخليفة \'المهدي\' صديقه \'يحيى البرمكي\' وكلفه مع ابنه \'هارون\' مهمة قيادة الجيوش المتجهة إلى الروم.

واستطاع هارون وبنجاح كبير، أن يقود هذه الجيوش وينتصر على الروم ويرجع إلى والده بالغنائم والفوز المظفر، فاطمأن والده على قيادة ابنه للجيوش.

 

4ـ قيادة المدن:

ولما بلغ هارون 19 عامًا أراد أن يدربه والده على قيادة المدن، فأعطاه إمارة المغرب وأرمينية وأذربيجان، وجعلهم تحت إمرته، فتوجه إليهم مع \'يحيى البرمكي\' فكان حاكمًا عادلاً، وأحبه الناس بسرعة، فاطمأن والده لقيادة ابنه للمدن.

 

5ـ قيادة الأموال والجيوش:

وكانت المهمة الأخيرة لهارون الرشيد قبل وفاة والده هي قيادة جيش آخر إلى الروم، ولكن هذه المرة الأمر مختلف قليلاً، إذ أعطاه والده أموالاً كثيرة وأراد أن يرى حسن تصرفه بها، فذهب \'هارون\' مع الجيش إلى دولة الروم مع \'يحيى البرمكي\' ولم يخيب هارون ظن والده، إذ رجع بأموال أكثر، وتصرف في الأموال بذكاء.

 

 ـ النتيجة المتوقعة:

وبعد كل هذه المهام الخمسة، استطاع الخليفة هارون الرشيد أن يقود الدولة الإسلامية عندما بلغ 22 عامًا، واستمرت قيادته 23 عامًا، استطاع خلال هذه الفترة الطويلة أن يرتقي بالأمة الإسلامية لتصل إلى القمة في الحضارة والتقدم.

 

ـ الرجال حول هارون سبب في تميزه:

ولكن.. هل كانت هذه العوامل الخمسة فقط هي التي صنعت \'هارون الرشيد\' أم أن هناك عوامل أخرى؟ بالطبع.. توجد عوامل أخرى أهمها، إحاطته برجال أتقياء، أقوياء، علماء، ساعدوه على بناء النهضة الإسلامية القوية، مثل:

1ـ ملاصقته لجده الخليفة أبو جعفر المنصور، حين أخذ منه حب العلماء، وتكريم المترجمين، والحزم في الإدارة.

2ـ اختياره لوزير ذكي هو \'يحيى البرمكي\' في أول يوم تم مبايعته فيه على الخلافة فساعده على أن تقفز الدولة الإسلامية في عهده إلى القمة.

3ـ قاضيه \'أبو يوسف\' رجل تقي، عالم، وهو أحد تلامذة الإمام أبو حنيفة، إذ ألف له كتابًا تحت عنوان \'الخراج\'، فكان سببًا في انتعاش الحياة الاقتصادية في حياة \'هارون الرشيد\'.

 

ونستطيع أن نستخلص أربعة أمور ساهمت في تكوين شخصية القائد عند الخليفة \'هارون الرشيد\' هي:

1ـ الصفات الأساسية التي ورثها من آبائه

فـ\'هارون الرشيد\' سليل الخلفاء العباسيين، ورث عن أبيه وجده صفات أساسية مثل: الحلم، حب الإسلام، حب الخير للأمة الإسلامية، القوة، الشجاعة.

 

2ـ صفات تعلمها من جده

يعتبر \'أبو جعفر المنصور\' مؤسس الدولة العباسية الحقيقي، فكان قويًا، حازمًا، استطاع أن يتغلب على خصومه بسرعة. وكان \'هارون الرشيد\' طفلاً صغيرًا عندما كان جده \'أبو جعفر المنصور\' خليفة، ومن خلال ملاحظته له، استطاع أن يأخذ منه صفات عديدة أهمها حبه للعلم، ورعايته للعلماء، إذ كان جده يجمع الكتب النادرة، ويدفع مبالغ طائلة لمن يترجم له الكتب، فلما صار \'هارون \' خليفة صار يجمع الكتب من كل بلد يفتحه وينشر الإسلام فيه، وبنى للكتب دارًا سماها بيت الحكمة، فلما رآه الأمراء العباسيون يبني الدار، صاروا يتنافسون فيما بينهم في بناء دور مماثلة، فانتشرت الثقافة في عهده.

 

3ـ صفات رباه عليها والده:

استطاع والده الخليفة \'المهدي\' أن يحول \'هارون\' من أمير شاب مرفه إلى أمير شاب قائد، عندما جعله يدخل مدرسة المراحل الخمس السابق ذكرها، فلتعلم من هذه الخطوات الخمسة ما يلي:

1ـ الحكمة في حل المشاكل.

2ـ إدارة الأموال بنجاح، وتقدير قيمة المال.

3ـ قيادة جيش، وإتقان فن الحوار مع دولة الروم المجاورة.

4ـ اتخاذ قرارات مهمة للدولة مثل: اختيار الصلح بدلاً من الحرب.

5ـ إدارة مدن كبيرة، واتخاذ قرارات مهمة في شأنها.

6ـ التعامل مع الجنود وقادة الجيش.

7ـ التعامل مع الشعب بشكل مباشر.

4ـ كان فريق العمل الذي أحاط \'هارون\' سببًا رئيسيًا في صقل شخصيته، فعلم منهم أمورًا كثيرة منها:

1ـ حب العلم والعلماء.

2ـ الاستماع إلى نصح العلماء.

3ـ المحافظة على المال العام.

 

أربع ركائز أساسية في منهج تربية الخليفة \'هارون\':

1ـ القرآن هو أول علم تلقاه، فصقل شخصيته، وهذبه، وهكذا المسلمون الأوائل، يجعلون القرآن منهج التلقي الأول لأطفالهم.

2ـ لم يكن دور العالم في العصور السابقة بسيطًا بل كان عظيمًاº لأنه لا يمارس التعليم فحسب بل يمارس معه التربية..

فساهم العلماء في تربية \'هارون\' وصقل شخصيته.

3ـ لم ينظر إليه والده على أنه طفل صغير أو شاب مراهق عندما بلغ 14 من عمره، بل كان ينظر إليه على أنه قائد وخليفة المستقبل، لذلك بدأ بتدريبه مبكرًا، وهذه النظرة الرجولية إلى الشباب المراهقين تجعلهم رجالاً قبل بلوغهم سن الرجولة!!

4ـ استخدم والده في تربيته أفضل الطرق، وهي إعطاؤه مهام كبيرة، ولم يتركه لوحده فيها، بل جعل له رفيقًا، رجلاً كبيرًا ذا خبرة هو \'يحيى البرمكي\' ليراقبه من بعيد ويعطيه رأيه وهو يدير مهمته.

 

صناعة القادة:

وهكذا ـ عزيزي المربي ـ نستطيع أن نتعلم من قصة الخليفة \'هارون\' أن القادة يصنعون ببرنامج تربوي تدريبي يؤهلهم للقيادة ومسك زمام الأمور.

وهذا لا يلغي أهمية دور الصفات الشخصية والوراثية التي لعبت دورًا أساسيًا في تربية الرشيد وتحوله إلى خليفة الحضارة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply