إن تربية الطفل والسمو بأخلاقياته إلى أعلى مستوى هو مراد كل الآباء، ولكن كثيراً من ألآباء قد يفشلون في اتباع الأساليب التربوية، سواء الفكرية منها أو النفسية، فإذا لم تجد أي وسيلة مع الطفل، فهذا يعني أن الطفل بحاجة إلى علاج بالتأديب، لكي يحس بأن الأمر جاداً لا هزل فيه، فيذوق ألم التأديب، فيعرف قيمة الحنان والعاطفة التي تدفقت عليه من والدية قبل التأديب، ويشعر بضرورة الإنقياد والطاعة، وحسن الخلق والسيئة، ولكن ما هي أسس التأديب وكيف يؤدب الأب ابنه فيحقق حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ((لأن يؤدب الأب ابنه خير له من أن يتصدق بصاع)) رواه الترمذي بسند ضعيف...
لا بد قبل الشروع في هذا أن نعرف المفهوم الفقهي للتأديب حيث يقول الكسائي في بدائع الصنائع: إن الصبي يعزو تأديباً لا عقوبة لأنه من أهل التأديب، ألا ترى إلى ما روي عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: ((مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبعاً واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً)).. وذلك بطريق التأديب والتهذيب لا بطريق العقوبة، لأنها تستدعي الجناية، وفعل الصبي لا يوصف بكونه جناية التصحيح الفكري للخطأ...
إن الطفل كأي كائن حي يجهل أكثر مما يعلم، فإذا علم فعل الصواب سار سيراً محموداً، لذلك تكون مرحلة تعليمه الصحيحة من الصغر، أولى الخطوات في تقويمه، وقد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصحح البنى الفكرية للطفل، وكان يتبع في ذلك شتى الأساليب المعينة التي تمتاز بالرفق واللين، وذلك لتصحيح فكر الطفل. وإليكم بيان ذلك عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (((كخ كخ): إرم بها، أما علمت أنا لا نأكل صدقة))...
ففي هذا الحديث فائدة لطيفة وهي طريقة الزجر بهذه الكلمة (كخ كخ) ثم ما لبث أن علل رسول الله صلوات الله وسلامه عليه للطفل سبب عدم الأكل، وعدم حمله له لتكون قاعدة فكرية عامة في حياته كلها (أما علمت أنا لا نأكل الصدقة) وذلك في صيغة رائعة.. أما علمت..؟؟! وذلك ليكون وقعها في النفس أقوى تأثيراً. كثيراً ما يطلب من الطفل القيام بأعمال لم يسبق له عملها، أو شاهد من عملها لذلك يبقى في جهل، فإذا طلب منه العمل وقع في أخطاء تحتاج إلى تصحيح، فإذا عوقب على خطئه هذا كان ظلماً وحيفا.
وأن رسول الله عندما يتعرض لمثل هذه المشاهد لا يلبث أن يفهم الطفل بالطريقة العلمية، فيشمر عن يديه، ويري الطفل كيف يحسن العمل، وفي هذا تعليم للوالدين والمربين، وأي تعليم روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (مر بغلام يسلخ جلد شاة، وما يحسن، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (تنح حتى أريك)) فإنه أدعى للعلم الصحيح، والعمل البناء الموجه، والطريقة السليمة في العملية التربوية.
***
التدرج في التأديب...
فإذا لم يصلح الطفل التصحيح الفكري أو العملي واصر على ارتكاب الخطأ كان التأديب حتماً لازم عليه، ويتبع معه العقوبات بالخطوات التالية:
1- رؤية الأطفال للعصا والخوف منها:
كثير من الأطفال يردعهم رؤية العصا، وأداة العقوبة فبمجرد إظهارها لهم يسارعون إلى التصحيح، ويتسابقون في الالتزام، وتتقوم أخلاقهم وسلوكهم، فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بتعليق السوط في البيت.
2- شد الأذن:
وهي أول عقوبة جسدية للطفل إذ بهذه المرحلة يتعرف على ألم المخالفة، وعذاب الفعل الشنيع الذي ارتكبه، واستحق عليه شد الأذن، عن عبد الله بن يسر المازني الصحابي رضي الله عنه قال بعثتني أمي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقطف من عنب فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه، فلما جئت أخذ بأذني وقال يا غدر)).
3- الضرب وقواعده:
وإذا لم يجد مشاهدة العصا، ولم يجد شد الأذن مع الطفل، ومازال مصراً على المشاكسة والعناد، كانت المرحلة الثالثة هذه كفيلة بكسر العناد، ولكن هل الضرب يمشي هكذا بلا ضوابطº لا.. بل الضرب من الوالدين والمربين له
قواعد تتبع فما هي هذه القواعد؟
ابتداء الضرب من سن العاشرة:
انطلاقاً من الحديث، مروا صبيانكم بالصلاة وهم أبناء سبه واضربوهم عليها وهم أبناء عشر... ومع أن التقصير في عمود الدين وركنه الأساسي الذي يحاسب عليه المرء يوم القيامة أولا ً بعد العقيدة، إلا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأذن بضرب الطفل على التقصير به قبل سن العاشرة فمن الأولى في باقي الأمور الحياتية والسلوكية والتربوية التي لا تساوي مكانة الصلاة أهمية ومنزله عند الله - تعالى - الا يضرب عليها الطفل، لذلك على المربي أن يتبع قبل العاشرة المراحل السابقة بكل دقة، وأناة وصبر وحلم على الطفل، وفي هذا لفته نبوية تربوية رائعة في تقرير سن الضرب لهذا فإن لوالدين في معالجة تصرفات الطفل خصوصاً أن الطفل في مرحلة نموه الجسدي والعقلي إذا تعرض لكثرة الضرب قد تؤذي أحد أعضائه، وأحياناً قد تؤدي إلى إيذاء نفسي وفكري، أي يمكن القول أن الضرب للتأديب كالملح للطعام، فكما أن الملح يوضع بشكل قليل فيغير من طعم الطعام ويحسنه فكذلك الضرب القليل المفيد المثمر هو المطلوب في العملية التربوية، لأن الهدف كما ذكر هو أن الضرب ضرورة تربوية، وليست انتقامية أو تفريغ شحنة غضب الوالدين أو المربين، ولا ننسى أن كثرة الضرب واستخدامه تقلل من هيبته وتفقده مفعولة بالإضافة لما يولده من آثار سلبية في النمو النفسي والفكري للطفل.
* أقصى الضربات عشراً:
إن أقصى عدد الضربات لا يتجاوز في أي حال من الأحوال في العملية التربوية عن عشر ضربات وذلك لما أخرج البخاري عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله))....
* الالتزام بمواصفات إدارة الضرب وطريقته ومكانه:
إن الالتزام بمواصفات أداة الضرب ومكانه وطريقته يجعل منه ضابطاً لحماقة بعض الوالدين والمربين، ويضعهم في مواجهة الحقيقة مع أنفسهم عندما لا يلتزمون بها، فإن هذا يعني منهم الانتقام لا التربية والغضب لا الرحمة والتأني...
* مواصفات طريقة الضرب:
وكذلك يجب أن يكون الضرب بين الضربين، وقد كان عمر - رضي الله تعالى عنه - يقول للضارب، لا ترفع إبطك، أي لا تضرب بكل قوة يدك، والفقهاء متفقون على أن الضرب لا ينبغي أن يكون مبرحاً أي موجعاً ولخص الشيخ الفقيه (شمس الدين الانباري) طريقة ضرب تأديب الطفل (في كتابه رسالة رياضة الصبيان)...
فقال في كيفية الضرب:
1- أن يكون مفرقاً لا مجموعاً في محل واحد...
2- أن يكون بين الضربتين زمن يخف فيه ألم الضربة الأولى.
3- أن رفع الضارب ذراعه لنقل السوط لأعضده حتى يرى بياض إبطه، فلا يرفعه لئلا يعظم ألمه..
إن هذه الضوابط من أجل أن يؤتى الضرب ثماره التربوية في التأديب والتهيب، فيتقدم الطفل نحو الأحسن لا الأسوء، ونحو الأعلى لا أسفل، ونحو الكمال لا النقصان، ونحو القمة الأخلاقية والسلوكية لا الحضيض.
مواصفات مكان الضرب:
لا ينبغي أن يكون في موضع واحد من الجسد بل ينبغي أن يفرق على الجسد كله حيث يأخذ كل عضو من أعضائه حقه، إلا الوجه والفرج والرأس، يفضل ابن سحنون أن الضرب على الرجلين ما نقل القابسي عنه في رسالته أحوال المتعلمين، وأحكام المعلمين والمتعلمين فيقول: وليتجنب أن يضرب رأي الصبي أ ووجهه فإن سحنون قال فيه: لا يجوز أن يضربن، وضرر الضرب فيهما بين قد يوهن الدماغ، أو تطرف العين، أو يؤثر أثراً قبيحاً، فليتجنبا، فالضرب في الرجلين آمن وأحمل للألم في سلامة.
لا ضرب مع الغضب والسب ومع ذكر الطفل لله - تعالى -:
لا بد أن يبتعد الضرب عن مصاحبته ببذاءة اللسان في السب والشتم وتقبيح الطفل، ولهذا أوصى القابسي في رسالته بالابتعاد عن ذلك، فقال: عندما يكثر خطأ الطفل ولم يغن فيه العزل، والتقريع بالكلام الذي فيه القواعد من غير شتم ولا سب لعرض، كقول من لا يعرف لأطفال المؤمنين حقاً فيقول: يا مسخ يا قرد!!!
ارفع يدك عن الضرب إذا ذكر الطفل الله - تعالى - وأنت تضرب طفلك وتؤدبه.. وهو يتألم.. فإذا استجار بالله - تعالى - فيدعوك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تقف عن الضرب وترفع يدك وتترك الطفل.. وفي هذا لفته رائعة.. فإن الطفل وصل إلى قناعة بخطئة وسيصلحه، أو وصل إلى مرحلة الألم التي لم يعد يتحملها، أو وصل على مرحلة الانهيار النفسي، أو الخوف الشديد، وإن الاستمرار في الضرب وحالة الطفل هذه تعد جريمة في صورة تربية الطفل وهو دليل على حب الانتقام والتشفي من هذا الطفل المسكين الذي وقع في ظلم وأحضان الوالد الظالم..
روى الترمذي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله فارفعوا أيديكم..
وقد يقول قائل أن الطفل إذا علم بهذا قد يتخذها وسيلة للتخلص من الضرب، ويعاود فعله فالجواب على ذلك: الإقتداء بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فيه من تعظيم الله عزوجل في نفس الطفل، وهو كذلك علاج للضارب من أن حالته الغضبية كبيرة جداً مما يستدعي من الطفل ذكر الله - تعالى -، والاستعانة به.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد