بالأولوية


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يعتبر مفهوم الأولوية من أشد المفاهيم الإدارية غموضاً ومن أكثرها تأثيراً على القرارات الإدارية فلو كان المدير بصدد الخروج بسيارته لتوقيع عقد بمليون دولار، ولاحظ أن مؤشر الوقود يقترب من الرمق الأخير فإن الأولوية تكون للتوقف عند أقرب محطة وقود ويصبح عقد المليون دولار ذا أولوية متأخرة.

وكثيراً ما يضع المديرون أموراً هامة على الرف أو في أجواف الملفات لحين الانتهاء من أمور أخرى يعتقد المراقب أنها أقل أهمية وكثيراً ما يرمي المديرون بمعادلة (العائد / التكلفة) خلف ظهورهم ويميلون إلى توجه معين أو قرارات مختارة.. ويرجعون السبب إلى الأولوية المدهشة. لماذا يحدث هذا؟

 

إنه قانون الأولوية العجيب وستكون الأمور مفهومة لو لم تتدخل الأولوية العاطفية أو الشخصية لتدمر جميع الأسس والنظريات التي تحكم العملية الإدارية فالمدير الذي يعجبه اختياراً معيناً (مجرد إعجاب) أو تدهشه فكرة ما أو تعشعش في عقله (لوثه عاطفية) نحو حل معين.. سيكافح لإعطاء أولوية كبرى لهذا التوجه أو القرار وسيحدث نفسه والآخرين بأن هذا الاختيار هو الحل وسيجد الجميع أن المنشأة تركض خلف أولوية القائد وليس خلف الأولوية الاقتصادية كما يفترض أن تكون الأمور.. حتى لو حدث فشل (لا قدر الله) فان التبريرات ستنهمر كالمطر وستأخذ ظروف البيئة والسوق والحظ والمنافسة الخارجية.. نصيباً وافرا من محاولات تفسير السقوط أما اختيار القائد وأولوية المدير ستبقى في منأى عن النقد والاتهام.

 

ونلاحظ هنا أن وضع الأولوية هي في مجملها عملية تكتسي بالصفة الشخصية وتتأثر بقدرة القائد أو المدير على تقدير الأمور والحكم على الأشياء، وهنا بيت القصيد..

 

فمحاولة تقنين عملية ترتيب الأولويات أو إعطاءها نظاما معيناً ونفسا تنظيمياً ثابتاً تكاد تكون مستحيلة وعليه يستحيل إخراج هذه العملية من طوفان (التحيزات الشخصية).. بل أن هذه العملية ستكون بلا شك تحت وقع عوامل شخصية أو إنسانية مثل محدودية الوقت وقصور التفكير وتقلبات المزاج وحب النفس وكراهية النقد.. الخ والتي تصيب المدير مثله مثل أي إنسان آخر.

 

ولكن يجدر أن تكون هناك أولوية لترتيب طريقة المدير في تحديد وترتيب الأولويات التي تحكم عملية اتخاذ القرار. ولا يتم ذلك إلا بالأسلوب الجماعي في مناقشة الأفكار والبدائل والاختيارات الإدارية المتاحة. وقد أبدعت التطورات الإدارية الحديثة عدة طرق تساهم في تأصيل وتدعيم القرارات والأولويات الجماعية منها مثلاً طريقة (عصف الأفكار) Brain Storming وما تبثه في أرجاء الاجتماع من تحدي وتقصي ومطالبة مستمرة بالمشاركة.

 

وهنا طريقتان حديثتان تشجعان بروز (المدافع الشيطان) Devils Advocate و (المتسأل الجدلي) Dialectical inquiry داخل الاجتماعات وتصف هذه المصطلحات ذلك المشارك العنيد والمجادل الشرس الذي يقف عند كل رأي وعند كل أولوية ينفضها نفضا بالنقد والتمحيص والتجريح بهدف الوصول الي ترتيب منطقي للأولويات و ليس بهدف إثارة العداوات و الاختلافات..

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply