التشجيع وأثره في بناء الجيل


 

بسم الله الرحمن الرحيم

من اللافت للنظر أن النجاح يساهم في صنعه أشخاص كثيرون، حتى ولو كان الظاهر أمام الأعين أن الناجح شخص واحد، وأنه صنع النجاح لنفسه بنفسه، وكذلك الفشل أيضاً يساهم في صنعه أشخاص كثيرون، حتى ولو بدا الأمر وكأن الطالب هو الطرف الأول والأخير في معادلة الفشل التي تبدت أمام الناس.

إن الحقيقة تقتضي شيئاً من التربوي والتأمل والبحث، حتى نصل إلى الأسباب الحقيقية التي ترتبط بهذا النجاح وبذلك الفشل.

والحق فإن هذا المقال لن يتناول إلا جانباً واحداً من تلك الجوانب التي يشترك فيها أطراف آخرون في الوصول إلى نتيجة ما، قد تكون نجاحاً دراسياً مذهلاً، وقد تكون فشلاً تعليمياً مدوياً، وفي كلا الحالتين فإن الإشارة هنا سوف تكون كما أسلفت لعامل واحد فقط من العوامل المؤثرة على أداء الطالب، وبالتالي على نتيجته، وهو: عامل التشجيع أو التثبيط من قبل الأفراد الآخرين الذين يرتبطون بأكثر من سبب بهذا الطالب، فالمدرس على سبيل المثال واحد من أولئك المشتركين في نوعية النتيجة التي يمكن أن يصل إليها الطالب، والأب أيضاً يقف على رأس المشاركين في النتيجة التي يمكن أن يحققها ولده، وكذلك هي الأم التي تقف بدورها على الطرف المقابل لدور الأب في معادلة النجاح المدرسي.

إن هؤلاء الذين أشرت إليهم هم شركاء حقيقيون في النتيجة التي يحققها الطالب، نعم هم ليسوا معنيين بالاستذكار والدراسة بدلاً عنه، ولكنهم معنيون بالأدوار الإيجابية والبناءة التي تمثل رافداً هاماً من روافد الدفع الإيجابي نحو النجاح والتفوق.

من أجل تفسير الأمر وتوضيحه فإن التركيز في هذا المقام على العامل النفسي الذي يشكل واحداً من العوامل الهامة، التي يجب أن يلتفت إليها الأطراف المشاركون في رحلة الطالب مع الكتاب والمدرسة.

نعم، إن العامل النفسي يمثل حلقة هامة من حلقات الوصل والتواصل بين الطالب ومدرسته وكتابه العلمي، وفي رأيي فإن أهمية هذا الجانب تتضاءل في بعض الأحيان في شعور الآباء والمعلمين، حيث يتم التركيز على المتابعة الدورية لأداء الطالب، وتكون ردود الأفعال تالية للنتيجة التي حققها، فإن كان الطالب مجداً وكانت النتيجة مرتفعة قوبل بالتشجيع والثناء، وإن كانت النتيجة متوسطة أو ضعيفة فإن ردود الأفعال ستكون باردة وباهتة، وربما تظهر على شكل توبيخ أو تعنيف أو تقليل من الشأن، وكأن على الطالب أن يحصد دائماً ومنذ اللحظة الأولى أعلى الدرجات العلمية، وفي هذا لون من ألوان التنصل من المسؤولية الأدبية والمعنوية التي يمكن أن يؤديها شركاء التعليم والتربية إزاء هذا الطالب أو ذاك.

نعم، إن هناك مسؤولية أدبية ودور معنوي يجب أن يظهرا في اللحظة المناسبة على شكل دعم نفسي، واستيعاب لحاجته إلى من يشد على يديه ويقوي من عزيمته ويشعره بقدرته على الإنجاز والفوز.

نعم، إن التشجيع يفعل في الكبير والصغير على حد سواء ما لا تفعله عشرات المواعظ والنصائح في موضوع الدراسة والتحصيل، وهذا سر من أسرار النفس البشرية التي تتجاوب مع من يظن بها خيراً، ويقدر شأنها ويضعها في مواضع الثقة والاحترام، ويشعرها بأهليتها لأداء الأعمال على الوجه المطلوب منها.

ولقد أشار إلى هذا المعنى. الأديب الكاتب الأستاذ علي الطنطاوي - رحمه الله - في كتابه: فكر ومباحث، حيث أكد على دور التشجيع في دفع الإنسان إلى المزيد من البذل والإنتاج والعمل، وأورد قصة امرأة إنجليزية سألت كتاباً وأدباء غربيين عن العامل الأقوى في تحميس الكتّاب والأدباء، ورصدت لذلك جائزة قيّمة فكانت الجائزة من نصيب كاتبة إنجليزية مشهورة قالت: إنه التشجيع، وأضافت إنها في تلك السن المتقدمة وبعد تلك الشهرة التي حققتها، لا زالت تدفعها كلمة التشجيع إلى المواصلة والعطاء، وتقف بها كلمة التثبيط عن المواصلة والاستمرار.

فإذا كان ذلك شأن الكتاب المشهورين! فكيف بطلبة المدارس الذين لا زالوا يحاولون أن يرسموا الخطوط الأولى لخطواتهم في درب الحياة؟

إن المسؤولية والأمانة هنا تقتضي بما لا يدع مجالاً للشك أن ينتبه أولياء الأمور الذين غاب عن أذهانهم أثر الدفع المعنوي على تحصيل أبنائهم، وأن يستوعبوا حاجتهم الفطرية إلى التقدير والاهتمام، وفي دراسة أجرتها إذاعة القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 10/ صفر/ 1419ه، يونيو/ 98م ثبت أن الأطفال الذين يلاقون التشجيع والإطراء من الوالدين حققوا نتائج علمية متقدمة مقارنة بالأطفال الذين لم يلاقوا أي نوع من التشجيع والثناء، وذلك رغم ارتفاع مستوى الذكاء لدى الفئتين، ولا شك إن هذه النتيجة تجرنا مباشرة إلى التسليم بدور العامل النفسي في النتيجة الدراسية، تلك هي عقدة المسألة وجوهر القضية.

والذي أخشاه حقاً من ظاهرة قلة التشجيع أن يكون هؤلاء المربون مصابون بداء الشح والبخل والعياذ بالله، فإن الجود لا يكون بالمال وحده، وإنما من أنواع الجود كذلك الجود بالكلمة الطيبة والعبارة العذبة والجملة الممتلئة بالمحبة والتقدير والثناء.

نعم، أيها المربي المسؤول تفقد نفسك، وتأكد أنك لست مصاباً بالبخل بالقول الطيب والكلام الجميل، تأكد أنك معافاً من هذا النوع من البخل، فوالله إنه لأمر جلل أن يبخل الإنسان فيما لا يكلفه دينار ولا درهم، ولربما فاق نفعه ما لم يخطر لك على بال، فأصلح أبناءك وشجعهم على التفوق في الحياة العلمية والعملية لا لشيء إلا لأنهم مرتوون من فيض نبع عطائك ومغترفون من بحر حكمتك وحنانك!!.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply