بسم الله الرحمن الرحيم
هل هناك إشكالية لدى فئة من الشباب في تناول الثقافة من منابعها الأصلية ومن مواردها الصحيحة؟
هل باتت الثقافة الجادة شيئاً ثقيلاً على نفوس فئة من شبابنا وفتياتنا؟
هل الإعراض عنها والزهد في نيلها غدا سمة فئة عريضة من شباب هذا الجيل، حتى ارتبط مفهوم البحث عنها لديهم بشيء مشابه بالقبض على الجمر أو المشي فوق الحبال؟!!
ولعل حجتهم في ذلك أنهم يعوضون هذا النقص الثقافي المكشوف بمطالعة البرامج الترويحية الثقافية، تلك التي تطل على الشاشات في المواسم والمناسبات تارة في غير المناسبات مرات ومرات، فقد جعلت من الثقافة شعارها الذي ترفعه وتنادي به من خلال عرض الأسئلة الثقافية المنوعة، تدعو من خلالها المشاهدين إلى المشاركة والتفاعل، في الوقت الذي تقوم فيه إحدى المذيعات بتقديم البرنامج من الألف إلى الياء، هذا مع وضوح النقص الشديد لدى نسبة لا يستهان بها من هؤلاء المذيعات في الجوانب التي يثيرون حولها الأسئلة، مع العلم أن ذلك يضعف من البرنامج لكونه ثقافي الطابع، ويصبغه بصبغة الترفيه المجرد، وفي هذا خروج على الهدف الأصلي الذي أعلن عنه للمشاركين.
إن الإصرار على الاستمرار على عرض الثقافة في تلك البرامج بهذا الشكل الفضفاض يضعف من قيمتها المعرفية ويجعلها شكلاً مهزوز المضمون، مع الأخذ بالاعتبار أن هذا اللون من البرامج يستقطب فئة كبيرة من الشباب، أولئك الباحثين عن الفرجة والتسلية ويا ليتهم يعترفون أن هذه البرامج لا تروي غليلاً ولا تعافي عليلاً، إنهم على العكس ويصرون أنهم بذلك يتعلمون ويطورون أنفسهم معرفياً وثقافياً، ولمثلي في هذا الشأن أن يسأل حتى متى نظل نعتمد الوجبات البرامجية الخفيفة كمظلات ثقافية صالحة للإضافة والتنوير؟
هل تكفي تلك البرامج في تنوير الفكر وتهذيب المعرفة، وإن لم يكن هذا هو دورها المطلوب منها فعلى من إذن تقع مسؤولية إثراء الجيل وتوجيهه؟ ولماذا تصر برامجنا على أن تبقى حبيسة قوالب ثابتة لا يتجدد فيها إلا الديكور والوجه الحسن؟
لماذا تبقى برامجنا بعيدة عن الاحتياجات الحقيقة للجمهور والذين أغلبهم فئة الشباب من الفتيان والفتيات؟
وهل يعقل أن الاستمرار على تقديم المعلومة وفق النمط الترفيهي هو الأسلوب الأمثل للتحبيب في الثقافة؟
ومع بالغ الأسف وعظيم الألم نقول بأن مفهوم إدخال الترفيه في الكثير من البرامج، قد أفرز لنا جيلاً لا يهمه إلى الحصول على التسلية والمتعة، وإن شئت القول بأنه جيل مدمن على طلبة التسلية والفرجة فلن تتجاوز الحقيقة والواقع، حتى بات همه وغايته التي يجتهد في نيلها مبتعداً بذلك عن طرق الأبواب الصحيحة التي تضيف إلى شخصيته وتزكي من عمله.
إن لكل باب مفتاحه، ومفتاح التربية الثقافية لن يتأتى العثور عليه من الطريق الخاطئ، بل لا بد من البحث عن ذلك المفتاح وفق خارطة صحيحة ومنطق صحيح.
إن الاعتراض هنا ليس على استخدام أسلوب الترفيه البريء والمناسب إذا وضع في محله ومكانه، إنما النقد ينصب على المبالغة في عرضه حتى تصبح المعلومة وكأنها ملح البرنامج وبهاره، بينما يكون الترفيه هو مادة البرنامج وصبغته الأصلية، هذا من جانب، ومن جانب آخر لماذا الإصرار على المذيعة التلفزيونية في تقديم تلك البرامج الثقافية؟
لماذا لا يقوم على إعداد المادة العلمية وتقديمها أخصائيون وخبراء وحملة الشهادات في تلك الميادين التي تتطرق إليها البرامج؟
إن تمكن هؤلاء سيكون متقدماً بأشواط لا تقارن بسواهم، وإن قيامهم بالأمر يفسح المجال للثراء المعرفي الذي يحتاج إليه شباب المجتمع وأفراده، ومن أولى من القنوات التلفازية في التصدي لهذا الأمر وفي سد هذا الفراغ الرهيب في برامجها وموادها الإعلامية؟
إن الآثار الإيجابية لمثل هذه الخطوة سوف تسد ثغرة هامة لطالما عانى من وجودها المجتمع، ولطالما شكلت مانعاً نفسياً أثر سلباً على اهتمام الجيل بطلب الثقافة الرصينة أو البحث عنها، مستسلماً بذلك لوهم بنفسه وشربه من كأس يومه أمسه، زاعماً أنه يكتفي بثقافة البرامج المنوعة، مدعياً أن ذلك يكفيه ويرويه ويقنعه!!.
ألا إن المسؤولية مشتركة بني الطرفين، ومنوطة في عنق الطائفتين، فالأولى وهي البرامج المنوعة عليها أن ترتقي بنفسها لتحسن من صورتها وتؤدي غرضها، والثانية وهي فئة الشباب الذين عليهم تحقيق آمال الأمة في أن يطردوا الكسل عنهم، ويبادروا في إكساب أنفسهم الثقافة الصحيحة التي تؤهلهم لقيادة المستقبل ببصيرة ووعي لا يعتريه شرود أو ذهول، ولا يشوبه ضعف أو أفول! وليتذكر كل شاب راغب في مستقبل زاهر أن من كانت بدايته محرقة فإن نهايته مشرقة، وليتأمل ملياً كل شاب في هذه النصيحة الغالية:
إذا كان يؤذيك حر المصيف
ويبس الخريف وبرد الشتـا
ويلهيك حسن زمان الربيـع
فأخذك للعلم قل لي متــى؟
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد