الشيخ محمد شقرة ومسيرة دعوة ( 1/2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الأستاذ الشيخ محمد إبراهيم شقرة أحد أبرز علماء الدعوة السلفية المعروفين بالخلق الرفيع والعلم الغزير في الأردن وفي مختلف أنحاء العالم، حرصنا في موقع الإسلام اليوم على الإفادة من خبرته في طريق الدعوة والعلم الشرعيº وهو من قد بذل سنين عمره في هذا الطريق، داعين الله أن يتقبل منه ذلك وأن يجعل ما قدم خالصًا لوجهه الكريم. وقد تفضل الشيخ بالموافقة على الحوار ومراجعته والتأكد من توضيح الرسالة التي أراد إيصالها للدعاة وطلبة العلم على الرغم من حالته الصحية ومشاغله الكثيرة.

كعادته، يقدم \" أبو مالك\" في هذا الحوار رؤية جريئة واضحة لجزء من مسيرته الدعوية والعلمية، يرصد خلالها جوانب من الخلل التي وقعت فيها بعض الحركات الإسلامية، ويوجه الشباب الإسلامي عامة والسلفي خاصة إلى تجاوز الأخطاء والسلبيات التي يقع فيها عدد كبير من الدعاة وطلبة العلم، من خلال لغة أدبية رفيعة وممتعة تنقل القارئ من موضوع إلى موضوع دون ملل أو سأم، ويصل إلى نهاية الحوار ليجد نفسه أمام تحديات مهمة يثيرها لديه حديث \"أبي مالك \" ويدفعه إلى العمل بروح متجددة مستبشرة بهذا الجيل الطيب السبّاق الذي يحنو على الشباب المسلم ويحرص عليهم أن يكونوا دومًا على منهاج الرسول - صلى الله عليه وسلم - وسلف الأمة الأطهار الأبرار... ونبدأ في الحلقة الأولى بتسليط الضوء على سؤال واحد يحكي مسيرة الشيخ:

 

فضيلة الشيخº هل لكم أن تحدثونا عن بداية مسيرتكم الدعوية: كيف تعرفتم على الدعوة وانخرطتم فيها، كم كان عمركم آنذاك؟ كيف كان حال الدعاة، وطبيعة النظرة الاجتماعية لهم؟

- الحمد لله وحده وكفى، وصلاةٌ وسلامٌ على عباده الذين اصطفى. أما بعد:

فإني أشكر لله - عز وجل - أولاً على ما أولانا، وأفضل علينا من نعمه التي لا تُحصى، عطاءً غير مجذوذ، وقبضاً غير مبسوس، ومن أجلِّ هذه النعم وأوسعها فيضاً، وأبرِّها أثراً، نعمة هذه الدعوة المباركة، التي عاشت الأمة في أكنافها قروناً، وأظلَّت الأجيال أزماناً، وأخلَدَ العالم لأطياف حُسنها وروحها وريحانها في غير ملالة ولا هوى في غيرها، على نأيٍ, من أحباسها، أو قربٍ, من حسيسها، أو توسٌّطٍ, في رغبةِ المُقام بينهما.

نعمةً أوفر الله فيها أنعماً جمّة، كلٌّ واحدةٍ, منها تقف من وراء الأخرى كأنَّما تحرسها كيفما كانت، وتراها -من أمامها- وهي وراءَها لرقَّتها، كأنما صيغت من عذوبة صوت الملائكة، وهي تسبِّح بحمد ربِّها، وتصلِّي على رسله، وتدعوه أن يُبقي نعمة الخضوع والطاعة له عليها.

وهي جماع النِّعم في الخفاء وفي الظٌّهور، وكلُّ منها تمسك بالأخرى تذكِّرها بما أوجب الله عليها من حقِّ الشكر، المستوجب شكراً غامراً متجدِّداً، مذ كان الشكر حقاً لله - سبحانه -، وقد أوثقه باسمه (الشكور)، يعلِّم العباد به كيف يكون شكره، يكون مصروراً له وحده في كنانة من الطيوب الفوَّاحة، لا يهتدي لها إلا من له ذوقٌ، يدركُ به حقَّ الشكر المتداعي بالشوق إلى المتعالي به من فوق عرشه - سبحانه -، فيكون الشكر بذا نعمةً تتراءى بذوق طيوبها نورَ العرش، وهي في صعودها تحملها الرغبة الحاسرة إلا من ذاتها نفسها، وفي نزولها، تحمل من زاد الرٌّؤية، فلا يشغلها شيءٌ إلا الشوق بها إلى المتجلي بنور وجهه من فوق عرشه على الصالحين من عباده برحمة رضاه.

فهنيئاً والله لمن كان يعرف طريق الشكر على هذه النعمة الجليلة، نعمة هذه الدعوة المباركة، التي أنعم الله بها علينا، وآوانا بمنيع قدره الهانئ، وهدايته المنيرة، إلى رواقها الحافظ الجميل، لكن قليلاً من العباد الشكور.

ومن أجلِّ آثار نعمة الشكر لله على نعمة هذه الدعوة التي أنعم بها على الأخيار الأبرار من هذه الأُمة، أن يظل همٌّها - وهو الهمٌّ الأكبر - حاضراً في الصدور، شاخصاً في الأعين، قارًّا في الأسماع، لا يغيب حتى يكون حاضراً، ولا يحضر حتى يقال إنه لغائبٌ، تلتقي القلوب به على فهمٍ, واحدٍ,، لأنه الفهم الذي لا يبتعد عن الكلمة التي وصفها الله - سبحانه - بقوله: (وتمَّت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته).

وقد علمت الجِنًّة والناس أجمعون -مؤمنهم وكافرهم على حدٍّ, سواء- أن الله - سبحانه - قد جعل في هذه الدعوة المباركة من القوة ما أمضى به على كل الأديان والمذاهب أمرها، فتكون به هي الظاهرة عليها جميعاً، لا تنازع فيه، ولا يحام به حولها، إلا أن يكون وهنٌ جائفٌ طاف بأهلها، كان جرّاء غفلةٍ, سكنت قلوبهم، ومِرَّةِ طمعٍ, أوثقت إليها نفوسهم، وخُلفَ طُلعةٍ, تجشَّأت بها صدورهم، فمن أراد هذه الدعوة بسوءٍ,º فقد صار إلى غمر شرٍّ,، يوبقه في الأذلِّين، ويلحقه بالهالكين السابقين، من الذين عتوا في الأرض، وناصبوا أنبياءهم العداوة والبغضاء، وأمخروا فلكَ كِبرهم على حرّة لاهبة. وأقلٌّ هذا السوء وأكثره سواءٌ، على اليُريده أن يكون محاذره، كيلا يوثقه إلى ظالعة ريب فتكفأه على منخره.

وكأنني بالأخ السائل - وقد حسب الورم شحماً- يريدني على أمر لو أنه أراده من غيري لكان خيراً وأحبَّ إليّ، إذ هو من باب قوله - عليه السلام -: \"إني أحبٌّ أن أسمعه من غيري\"º فإن كان مريداً ذلك مني، فحسبه ما عندي على قُلِّه، وليرضَ به على عجره وبجره. وإن كانت تجربتي في مسيرة هذه الدعوة المباركة تُعَدٌّ عند الفضلاء العقلاء الأوفياء تجربةً غنيّةً، جمعت إليها كثيراً من القضايا والمسائل، التي شغلت بال العالم منذ بزغ فجر الإسلام، على رجاءٍ, في قلوب السّواد الأعظم من الأمم التي ذاقت مرارة العيش، وهي ترنو إلى يومَ يأتيها البشير بنبأ، تعلم به أن الأمر سيكون على غير الحال التي هي عليها، فكان ذلك في بشرى ظهور الإسلام، وأما الأقلٌّون الذين رأوا في الإسلام قامعاً لرغائبهم، مُذهباً لأطماعهم، فقد امتد بهم حبل الأمل أن يكون الإسلام صورةً من صور الباطل -وحاشاه- فأخذوا يكيدون به كيداً شديداً، ويرسمون الخطط لطمس معالمه، وإضعاف قوته، وإخماد جذوته، ولم يعوا معنى قوله - سبحانه - فيه: (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره المشركون).

وهذه الدعوة المباركة ليست تحتاج إلى جهد كبير في الوصول إليها، ومعرفتها على الوجه الصحيح، فهي دعوة الفطرة، فمن سلمت له فطرته أسلمته إليها، واهتدى إليها على أحسن ما يكون الاهتداء، وأسلمه، وأنوره، وليس يحتاج المرء مع سلامة فطرته لأكثر من استقامة سلوكه، وبعده عن المنكرات والخطايا التي تشغله عن الإبقاء على وِصلةِ البراءة بينه وبين الفطرة النَّقية.

وأذكر أنني كنت أيام الطلب في أرض الكنانة، أطوف على المكتبات التي عرفت ببيع الكتب المستعملة القديمة، وأستخرج من بين ركاماتها التي تزدحم بها رفوفها ما تقع عليها يدي، وبخاصة الصغيرة الأحجام، فأقرأ عناوينها، فإذا ما وقع بصري على عنوان واحد منها، ويقع في نفسي أنه كتاب نافع - وما كان ذلك مني من معرفة سابقة به، لكنه اختيار إلهامي محض - حتى أسارع إلى شرائه، وحيازته إلى مكتبتي الصغيرة آنذاك.

وذات مرة أتيت مكتبة (العم أحمد محجوب) وكانت قريبة من الأزهر الشريف، فوقع بصري على كتاب (التوحيد) لابن خزيمة، ولم أكن قد سمعت حتى باسمه حينذاك، فنقدته ثمنه، وكم كان فرحي به، وسألت واحداً من شيوخ كلية أصول الدين عنه - رحمه الله - قائلاً: ما رأيك في كتاب التوحيد لابن خزيمة؟ فبادرني بقوله: هذا كتاب الشركº ففزعت والله من قوله، وكنت قد قرأت أكثر أبوابه، فما قرأت فيه إلا قال الله وقال رسوله - صلى الله عليه وسلم - منسوباً إلى كتب السنة العظيمة المشتهرة، وكنت أرى في هذا الشيخ - رحمه الله - عالماً كبيراً، فما ازددت بقوله هذا إلا وثوقاً بأن هذا الكتاب كتابٌ نافع، واجب أن يقتنى، ومما صار يحزنني فيما بعد أن هذا المعلم العلمي العتيد البادخ (الأزهر) لم يكن يعنى بتدريس العقيدة التي تعرف بالعقيدة السلفية، وهل يمكن أن يتحقق الأمر على هذا النحو على رقعة واسعة كما تحقق لي؟

أحسب الجواب: أن لا، لذاº فإنه لا بد لجماعة واعية، يتوافر فيها الفقه والحكمة والإخلاص، تدعو إلى هذه الدعوة وبها على بصيرة.

والمشهور في الناس أن جماعة (أنصار السنة) في مصر كانت هي تلك التي تقوم على هذه الدعوة المباركة، غير أنه لم يقدَّر لي حتى ولا معرفة مقرَّها، ولا الجلوس إلى مؤسسها وشيخها الشيخ حامد الفقي - رحمه الله -، ولا الالتقاء مع غيره من شيوخها ودعاتها، وهم كثر وظاهرون في الناس وعليهم، فقد عرفت هذه الجماعة - جماعة أنصار السنة - بالعلم، والدعوة إلى التوحيد الخالص، ومحاربة البدع والمحدثات من الأمور، دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، وبخاصة ما كان منها في التوحيد، ومن أهم الكتب التي عنى بها الشيخ المؤسس - رحمه الله - فحققه ونشره كتاب: (اقتضاء الصراط المستقيم) لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -، وهو كتاب جليل القدر، عظيم النفع، معدود في رأس الكتب التي تأسست عليها الدعوة السلفية، على يد المجدد العظيم ابن تيمية - رحمه الله تعالى -.

ولست أنسى ما كان لجماعة الإخوان المسلمين - جزاهم الله خيراً - من فضل عليَّ من بعد الله - سبحانه -، عشت السنوات التي قضيتها في مصر والتقيهم في مراكزهم ومساجدهم وقراهم، أخطبهم، وأجتهد ولا آلو، غير هيَّاب ولا وجل، ولم يكن مني خلال السنوات التي قضيتها في أرض الكنانة وحتى يومي هذا إلا الوفاء لهم، والاعتراف بفضلهم علي، وهم ليسوا بحاجة إليه، لكنه من أنبل الأخلاق وأرفعها وأولاها بالرعاية والاقتضاء، ومن لم يكن له سبيل إلى الوفاء ورعايته، فخير أن يوثق نفسه بوثاق الغدر، وليقل: إن الشيطان وليي وأنا وليه.

وليس يُنكر فضل الإخوان المسلمين على الدنيا بأسرهاº فملايين الشباب خرجوا من الظلمات إلى النور على أيديهم، فمن كان غير أعمى ولا يبصر آثار فضل الإخوان، فقد أكذب نفسه، وإن كان من خطأ وقع فيه بعض هذه الجماعة فلا ينبغي أن تعاب به الجماعة كلها، والموازنة بين الخطأ وبين الصواب بالعدل هي الحكم.

وتحضرني هنا قولة لواحدٍ, من غلاظ السلفيين الشداد، وقد أُخبر بأن شاباً كان فاسداً جداً، ما ترك معصيةً إلا وقد أتاها، فاصطادته جماعة التبليغ وآوته إليها، فكان جوابه: (كان خيراً لهذا الفاسد لو بقي على فساده وضلاله، وألا تؤويه جماعة التبليغ إليها)، وأما ما يقوله هذا وأمثاله - ممن اتخذوا الجرح والتعديل مهنةً لهم- في جماعة الإخوان المسلمين (وبخاصة سيد قطب وحسن إلينا - رحمهما الله تعالى -، وكلاهما أكرمه الله بالشهادة، ولهما أجرها إن شاء الله)º فخير لأولئك إذاً أن يضع الواحد منهم لسانه بين أسنانه العليا وبين أسنانه السفلى، ويضغط عليه، فلا يحركه.

إن الإفلاس الخلقي والعلمي بل والعقدي هو الذي يقود هذا القائل وأمثالَه، ممن يقال فيهم: اقعدوا مع القاعدين و(فاقعد فأنت الطاعم الكاسي)، وأذكرهم بما قال ذلك الثعلب العاجز - رحمه الله -: هذا حصرمٌ رأيتُه في حلب.

وهذا يلزمني ومن هو من مثلي أن نسارع في التأليف بين الجماعات الإسلامية والتوفيق بينها، ولو على أدنى قدرٍ, يمكن أن يكون التلاقي عليه وأن نقول للناس حسناً، واحسبني على مثل اليقين أن المثل السيِّئ القائم بين السلفيين الآن، يهوِّن من أمر الخلاف الكائن بين الجماعات الإسلامية، ويسهِّل عليها التقارب الذي يبدو لها عسيراً وصعباً.

فالسَّلفيون يقولون: إنهم أقرب الناس إلى الحق، وأسرعهم استجابة له، وأولاهم بقيادة الجماعات الإسلامية، فلماذا التنازع الذي يشهده الناس فيهم، ولماذا التشهير بالجماعات الإسلامية التي تقف منهم موقفاً يغاير موقفهم من المسائل والقضايا التي كان الاختلاف فيها ولا زال اختلافاً أقرب ما يكون إلى الجبلة البشرية، وإن كانت الجماعات كلها لا تنقى من الكدورة النفسية، وهي تحمل هذا الاختلاف فيما بينها، وكان عليها أن تخرجها من نفوسها، لأنها ليس بالأمر الذي لا يستطاع، لكنها الأهواء التي تغلب على البشر، وما تكنه الصدور من حبِّ الاستعلاء والغلبة، وهذا شيءٌ إن أُنكر فهو من الكذب الصراح، وإذ الأمر كذلك فلسوف يبقى المسلمون على توثٌّب العداوة، وسوء الظنّ، وشرِّ المنقلب عياذاً بالله.

حين قدمت أرض الكنانة للطلب، كنت في السادسة عشرة، وأعدٌّ هذه السن هي البداية التي طرقت فيها قدماي طريق الدعوة، وكنت أحبٌّ أن أغشى مساجد الجمعية الشرعية لأداء صلاة الجماعة فيها، لحسن صلاتهم وطولها، وأحمد الله - سبحانه - على أنني لا زلت على صفة صلاتي تلك التي اعتدتها في مصر، وأول من أصعدني المنبر لخطبة الجمعة هو الأستاذ محمد شديد - رحمه الله - رئيس شعبة الإخوان المسلمين في شمال القاهرة حينذاك، وليس هذا موضع الحديث عن تجربتي في الخطابة والتدريس.

واشتد عودي في الدعوة حين عملت أستاذاً للنحو العربي في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة -على ساكنها أفضل الصلاة وأتمّ التسليم-، وكنت إذ ذاك في الثالثة والثلاثين، وكان القائم على أمره حينذاك الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله تعالى -، وصحبته - رحمه الله - خير كلٌّها، وبركة يعرفها كلٌّ من صحبه، وقد أفدت منه الكثير الكثير، ومناقبه - رحمه الله - التي شاعت في الناس كانت مدرسةً عظيمة، أروت، وأشبعت، وأسعدت، وأغنت، وأصلحت.

وأصبت من علم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي، وصحبته في الجامعة وخارجها، وجلست إليه في حلقته التي كان يعقدها - رحمه الله - في المسجد النبوي المطهَّر، أما الشيخ ناصر - رحمه الله - فلم أنعم بلقياه في الجامعة، فقد أُلغي عقده في تلك السنة التي قدمت فيها المدينة المنورة، ثم قدمت عليه دمشق، ولقيته أول ما لقيته في كهفه الأنيس المكتبة الظاهرية، ومكثت ضيفاً عنده أياماً، ولم أرجع إلى عمان إلا وفي جعبتي وعدٌ منه - رحمه الله - أن يزور الأردن، وقد كان منه بعد أشهر ما وعد.

وتتابعت زوراته إلى الأردن، وبخاصةٍ, بعد أن صار له فيها صهرٌ وختن، ثم اختار عمان/الأردن لتكون له دار مقام، وأحسب أن ما نال الشيخ وأنال في الأردن لم يَنَله ولم يُنِله من قبل، والحديث عن الدعوة في هذه الفترة التي أقام فيها الشيخ في عمان هو الحديث عنه نفسه - رحمه الله -، وهذا يقتضي أن يخصص ويفرد بحديث عنه وحده.

ولكن لا بدّ أن تُبيَّن أمورٌ وتوضح أحوال وأقوال، نسبت إلى الشيخ حتى لا يكون لبسٌ أوقع فيه الناس بعضٌ ممن لا يخشى الله، ولا يريد أن يقي وجهه من سوء العذاب، جعلوا من الشيخ - كما يقال - مشجباً يعلِّقون عليه أرديتهم القديمة، أو - كما يقال أيضاً - سلّماً يصعدون عليه، ظناً منهم أنهم يبطشون بأيديهم السحاب، وكان أحدهم إذا سئل: لماذا تصنع هذا؟ يقول: إن مصلحتي أن أصنع ذلك، وألا أنأى بنفسي عن أولئك، وبعبارة أخرى: إن مصلحة الدعوة هي مصلحتهم، ومصلحتهم هي مصلحة الدعوة، فهذه تلك، وتلك هذه، وهم الدعوة، والدعوة هم، يقال هذا وذاك، تكسٌّباً وسمعةً.

لذا فإن حقاً عليّ أن أُبيّن الأمر على جليَّته للناس، حتى لا يكون فتنةٌ، تدركُ أو تُنسب للشيخ - رحمه الله - من بعد موته في قبره، وحيُّ واحد يغلب ألف ميِّت، فقد أُدخل على سيرة الشيخ ما كان يكره، وكذب عليه الكثير الكثير، ولو كان حياً لم يَعيَ بالرَّدِّ والبيان، بل وما كان لكاذب أن يكذب، ولا لمتقوِّلٍ, أن يتقوَّل، ولا لصفيق وجهٍ, أن لا يتوارى من بعض خجلٍ, فيه.

وإن كان للشيخ من هناتٍ,، فمنها أنه أمكن لمثل هؤلاء المسيئين له من بعد موته أن يتطاولوا على الأمشاج والأخلاط من الناس بنسبة أنفسهم إلى الشيخ، وقد علم - كما أعلمني بذلك صهره- أنهم كانوا يسطون على نتاج قلمه وهو حيُّ، وسكت عنهم، ولم يكن هذا من أسلوبه مع المخالفين في مثل هذا الأمر الخطير جداً، وما كنت -والحمد لله- أعرض للحديث عنهم مجتمعين أو فرادى عند الشيخ، وما كان لمجلس من مجالس الشيخ أكون فيه، إلا وهو شاهدٌ لذلك وناظرُه، يشهد لذلك التسجيلات التي ملأت الأرض، وما كان يصلح لي ولا لواحد مثلي أن يكون عنده خنجرانº خنجرٌ لعذره في خفاءٍ,، وخنجرٌ يدفع به عن وفاءٍ, في علانية.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply