استثمار النجاح


  

بسم الله الرحمن الرحيم

نشترك مع الدول المتقدمة علمياً في أن معدلات نجاح الكثيرين من أبنائنا عالية ومرتفعة، كما أن معدلات الكثيرين من أبنائهم عالية ومرتفعة، غير أنهم يخرجون طلاباً قادرين على تحقيق الأهداف العليا لأوطانهم في البحث العلمي والاستكشاف المعرفي والإضافة الحضارية المتميزة، بينما يقف الأمر بأبنائنا من ذوي المعدلات العالية عند حدود بسيطة لا ترتقي لكي تشكل إضافة حضارية، أو نقلة نوعية لأوطاننا وأمتنا، فأين الخلل في هذا الحصاد؟

 

ولماذا رغم وفرة الاستعداد للتعلم والمواصلة، لا نحصل على نتيجة مماثلة نرضاها لأنفسنا كما رضي الآخرون لأنفسهم، فسابقوا ونافسوا وغلبوا، وكان السجال بينهم حامياً، لدرجة أن دولة متقدمة في ميدان البحث العلمي كألمانيا، أعلنت لأبنائها بصراحة أن اليابان تمثل تحدياً حقيقياً لها، وأن النموذج الذي قدمته اليابان يجب أن تتوصل إليه ألمانيا حتى تصل إلى ما وصلت إليه الأخيرة من نجاح وإنجاز.

 

وحتى لا نقف مدهوشين أمام هذا الزحام العالمي على التنافس في ميدان الإنتاج العلمي، علينا أن نفهم المعادلة ونتحدى الرهان بعد أن نحيط علمياً بأسباب التقدم ومقومات الفوز.

 

ومن ذلك أن تطوير مناهج التعليم في تلك الدول كانت تشهد ثورة حقيقة تسابق الزمن، وتواكب الريح، وتتزامن مع عمق الحاجة ومستوى التحدي، فخرجت لنا كوريا الجنوبية بنموذج علمي متطور وكبير، وكان الباب الذي ولجت منه إلى ذلك التميز هو تطوير التعليم.

 

بل إن اليابان اليوم في مرحلة غربلة حقيقية، ومراجعة دقيقة لأسباب التعليم المتبعة لديها، وها هي تعترف أنه رغم هذا النجاح، إلا أن الأنموذج الذي تتمثله في نظامها التعليمي، به من العيوب ما يستدعي المراجعة ويقتضي التقويم.

 

حيث انتبه اليابانيون إلى أن أسلوب تغليب الحفظ على الفهم والاستيعاب، ينبغي التوقف عنه لكونه يهدر قدراً كبيراً من الجهد العقلي للطلاب دونما طائل، فقررت الإدارة التعليمية العليا أن تتدارك هذا القصور بصورة جذرية ودونما إبطاء أو تأخير.

 

والسؤال المطروق في هذا السياق: أين نحن من هذه المراجعات والاعترافات لدول تسيطر على مفاتيح الكشف العلمي وتملأ الأسواق بالإنتاج التكنولوجي الذي يتطور لحظة بعد لحظة في منافسة لا تعرف التقاط الأنفاس ولا ترتضى التراجع أو التوقف.

 

ورغم أن هذه السطور لن تستطيع أن تقدم حلاً جذرياً لهذه القضية الرئيسية إلا أن جانباً واحداً على الأقل يمكن طرقه وطرحه للنقاش وإبداء الرأي، وهذا الجانب المشار إليه هو: جانب استثمار طاقة المبدعين واحتضان قدرة الموهوبين دونما إبطاء أو تأخير.

 

ورغم أن وزارة التربية والتعليم في دولة الإمارات على سبيل المثال قد استحدثت قسماً لرعاية الموهوبين وذوي القدرات الخاصة، كما أن هناك تجارب أخرى في العديد من الأوطان العربية مشابهة له، إننا بحاجة إلى تعميق هذا الدور وتجذيره وجعله منهجاً حيوياً يفرض نفسه أمام كل محاولة للتحدث عن تطوير التعليم.

 

فبالرغم من أن بعض الدول المتقدمة علمياً كأمريكا لا تنهج نهج عزل الموهوبين عن غيرهم من الطلبة العاديين، إلا أنها فعلت شيئاً آخر وهو تسريع التعليم لمن تفوق قدراتهم العلمية مستوى المناهج الرسمية والمقدمة للطالب العادي، فكانت النظرة نحو هؤلاء أن يتم التسريع في تعليمهم من أجل إيصالهم إلى أعلى مستوى ممكن من المعرفة والتحصيل في سن مبكرة، حتى سمعنا عمن أصبح بروفيسورأً يمنح شهادات الدكتوراه للطلبة وعمره لا يتعدى الأربع عشرة سنة.

 

ومثل هذا الطالب له نماذج عديدة لدولة تغلّب (بتشديد اللام) المرونة والجانب العملي على النظرة الروتينية والنمطية التي نعاني نحن في الشرق منها، إذ أن طلبة كثيرين تتعطل طاقاتهم في بلادنا نتيجة عدم الوعي بكيفية الاستفادة من إمكاناتهم، الأمر الذي يقتضي المراجعة والتصحيح، فلا يمكن بأية حال أن نساوي الموهوبين بغيرهم، أو نفوت عليهم فرص الرعاية والعناية التي يستحقون، حيث ليس هناك استثماراً أعظم وأقوم وأجدى من استثمار الإنسان.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply