حينما يكثر أعداد المتسلقين في بلد ما، فإن في ذلك دلالة واضحة على وجود خلل ما في بنيان ذلك المجتمع، يحتاج إلى تشخيص وعلاج، وكلما أبطأ هذا المجتمع في اكتشاف هؤلاء المتسلقين وتراخى عن تعريتهم وإيقافهم عند حدهم ومساءلتهم على الأخطاء التي ارتكبوها، كلما أغرى ذلك ضعاف النفوس من الذين يحملون فيروساً مشابهاً لمثل هذا المرض من محاولة أداء أدوار مشابهة ومماثلة لتلك الأدوار التي ابتدعها وبرع فيها أولئك المتسلقون.
ويعتبر المتسلقون على مدى التاريخ الفئة الأكثر تخفياً وتستراً، وكثيراً ما برعوا في الانفلات من الكشف أو الظهور أمام الناس، وذلك لشدة تفننهم في التخفي والتستر والاحتماء بالأشخاص الذين يكونون تحت سيطرتهم وسلطانهم، أو الذين يتعاطون التعامل معهم تحت ظرف من الظروف، فيقوم هؤلاء المتسلقون باستغلال نفوذهم أو الأوضاع التي أتاحتها الظروف لهم باستعمال هؤلاء كأدوات لتنفيذ المزيد من الإنجازات التي يضيفونها لرصيدهم الشخصي، زاعمين أمام الملأ أن ذلك من جهدهم وكفاحهم!! فكم من بحوث نسبها هؤلاء لأنفسهم، ولكنها في الحقيقة عمل أناس آخرين لم تشأ الظروف أن تسعفهم بإخراجها للنور إلا عن طريق هؤلاء المتسلقين الذين يأتون في النهاية ليضيفوا شيئاً من البهارات والزيادات على عمل هؤلاء، ثم ما عليهم إلا أن يلصقوا أسماءهم على ذلك الإنتاج والجهد فيقدمونه أمام الناس وكأنهم هم أصحابه الحقيقيون!!.
ولو بحثنا عن سبب نجاحهم المزعوم لوجدنا أن ضعف الرقابة المجتمعية وقلة المتابعة الإدارية هما أكثر الأسباب المؤثرة والمؤدية إلى تلك النتيجة المؤلمة.
فالمجتمع الذي تمرر فيه المصالح الشخصية على حساب المصلحة العامة، والمجتمع الذي يقدم فيه الإنسان لا لاستحقاقه التقدم إنما لخبرته في فن الوصول والتسلق وبناء علاقات أخطبوطية لا تقف عند حد، هو مجتمع مرشح لتنمو فيه بذور التسلق وتزدهر.
ومن الثابت أنه ليس كل ما يلمع ذهباً!! ولا كل ما يرتفع هو في حقيقته عالياً وسامياً!! فكم من أناس سهلت لهم الأقدار الوصول وإن كان غيرهم أجدر بالتقدم منهم!! ولعلنا يحق لنا أن نطالب وبإلحاح عن فتح الفرص أمام من لا نفوذ له ولا سلطة، ولكنه مؤهل للتقدم والريادة والتقدير.
نعم، لا بد من فتح الأبواب على مصاريعها لدخول ذوي الكفاءات الحقيقية إلى ميدان العمل والتغيير، ولا بد في الوقت نفسه من التفتيش عن معايير قبول الأعمال ورفضها بعيداً عن الألقاب الرنانة والأسماء التي أخذت حظها من الشهرة والمكانة والجاه، وإن كانت كما قلنا تفتقر إلى كثير من مقومات الصدارة!!.
أقول وبكل إصرار أن من ساوى نفسه فوق ما يساوي رده الله إلى قيمته، وأن من ساوم الناس على عقولهم كان خسرانه أكبر من المتاع العاجل الذي سيجنيه، وما ذلك إلا لكون رياح التغيير سوف تأتي وحينها سوف ينكشف المستور وتسقط الأقنعة فترتفع رؤوس كانت في الأمس منكسة، وتعلو أصوات كانت في القريب خافتة ومكتومة.
بقي علينا أن نشير إلى مسألة هامة وهي: حقيقة الارتباط والتشابه بين النباتات المتسلقة وبين هؤلاء البشر المتسلقين، هذا الارتباط الذي يجمع بين الطائفتين هو حاجة الاثنين معاً إلى سند وغطاء وحماية لكي يقف على قدميه وإلا بقي على الأرض!! فالنباتات المتسلقة لا تقوى بنفسها على الصعود دون أن تلتف على وتد أو جدار أو شجرة باسقة، وهكذا شأن المتسلقين إذ أنهم بدون أن يستندوا على جهود الآخرين لن يستطيعوا أبداً أن يظهروا أمام الناس أو أن يعلوا فوقهم.
في الختام أتساءل!! هل كانت البداية التسلق هي اللحظة التي بدأ فيها المتسلق أول غش في الامتحان؟!! هل كانت البداية مع الأيام الأولى للاحتيال على الإدارات المدرسية رغبة في الهروب من الالتزام الدراسي!! الذي أخشاه حقاً أن يكون التمرير والتعتيم على بعض التجاوزات الطلابية هو تسهيل غير مقصود لرحلة التسلق والصعود على أكتاف الآخرين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد