بسم الله الرحمن الرحيم
أردت من خلال هذا المقال أن أبعث رسالة مفتوحة إليك أيها الطالب، وأنت الخليق بكل اهتمام، والجدير بكل رعاية وعناية.
وإن كانت الأحاديث جرت عادة على أن تكتب للقائمين على شأن التربية والتعليم، لتسطر إشارات من هنا، أو ترصد أخباراً من هناك، أو تسلط الأضواء على بعض المعاني التربوية، فإن الحديث هنا سيكون بلا واسطة، وستكون أنت أيها الطالب الطرف المباشر في الخطاب، والطرف المعني بالحديث، فأقول لك بالأصالة عن نفسي، وبالنيابة عمن يهمهم أمرك، بلغة المباشرة في الخطاب والمصارحة في القول دون واسطة (واستميح في ذلك العذر من أولياء الأمور) فكلنا في سفينة واحدة ونيمم شطراً واحداً، ونقصد جهة واحدة، ولذا فمن المنطقي أن يتحدث بعضنا بالنيابة عن بعض، إذ كلنا في الهم آباء وأمهات، وفي المحصلة مربون ومربيات، وفي العاقبة حاصدون لما يفعله البنون والبنات، وأرجو أن يكون هذا الحديث خفيف الظل، مقبولاً لدى فئة الشباب، وأن لا يبادروا بتصنيفه في قائمة المواعظ المملة، والنصائح التي ألِفوها من كثرة ما سمعوا من إرشادات وتعليمات، ويعتقدون هم أنهم في غنًى عنها، وأنها لا تلزمهم في عصر الفضائيات والإنترنت والحاسوب.
لذلك ربما تسرب إليهم الشعور بسبقهم الآباء والأمهات في مضمار التعلم والاستكشاف، فشعروا لذلك بعدم الحاجة إلى الإصغاء لصوت والديهم، امتطوا أهواءهم وأصروا على البقاء في معسكر المعارضة لنصائح الأبوين التي باتت قديمة كما يعتقدون، وغدت بالية كما يتراءى لهم ويزعمون!
ومن هذا المنطق أستأذنك أيها الطالب في أن تسأل نفسك عن القيمة الحقيقية للإنسان، وعن الشيء الذي يستحق به الإنسان الاحترام والتقدير ولا أطلب منك الاستعجال في الرد، فالوقت أمامك متاح لتحصيل الجواب، بل إني أزعم أن جواب مثل هذا السؤال يستلزم قطع العمر كله في الفوز به وتحصيله، ولو أن الإنسان بذل الغالي والثمين في سبيل أن يصل إلى مستوى القدرة على الإنجاز والإضافة وخدمة المجتمع لما كان بذلك مخطئاً أبداً!!
وهنا اسمح لي أن ألتقط منك الجواب أيها الناشئ الذكي، لأقول لك أن الإنسان يكبر بقيمه وأخلاقه، وينال الاحترام بالتزامه لتعاليم خالقه، ثم لاحترامه أبويه، ومن هنا فإن الإنترنت والأقمار الصناعية وآلاف الابتكارات العلمية لا تستطيع أن تصنع رجلاً محترماً ما لم يكن متسلحاً بالقدر الأكبر من الأخلاق، منتهجاً طريق الاستقامة، فالعبرة ليست بالتكنولوجيا، وإنما بالأيدي التي تحرك مفاتيح التشغيل، وبالعقول التي تنتقي المواقع في رحلة بحثها داخل الإنترنت!!
إن من لا يعرف الصقر يشويه، ومن لا يعرف السباحة يغرق سريعاً في المياه، ومن لا يجيد اللحن لا ينظم الأشعار، وأنت فارس الميدان ومهندس الرحلة، بل أنت الربان، فإلى أي اتجاه تريد أن ترسو سفينتك! وإلى أي بحر تريد أن تتجه!!
عزيزي الطالب أمامك بحر ساحله بعيد، وأخشى عليك الغرق وأنت لا زلت طري العود حديث عهد بالحياة، وإني لك ناصحة مرشدة، وإني لأقول لك واثقة دون تردد.. تسلح بالقيم، وأصغ إلى نصائح والديك فإنهما أحرص الناس عليك، وإياك إياك أن تظن أن الحرية تعني الفوضى، أو أن الشعور بالذات يعني تحطيم المثل والأخلاق، ذلك أن الحرية مرهونة باستخدامها فيما يعود على صاحبها بالنفع والفائدة.
نعم، أبحر في الإنترنت كيفما شئت، ولكن! إياك إياك أن تقول: ما شأن الأخلاق بالتكنولوجيا، فقد قالها سواك وغاصوا ثم غرقوا، وقد استخف بها غيرك فذهبوا ولم يرجعوا، وقد كابر قبلك أناس عن الإصغاء لصوت الضمير فاختلفت عليهم الدروب والمسالك، وسقطوا أمام أول إغراء لاح لهم من بعيد!!
من أجل أن تؤتي هذه المدينة أكلها وثمرها، ويحقق الذي يتعامل مع معطياتها أكبر قدر من الفائدة، لا بد أن تكون نفسه قوية، وخطواته متئدة، ونظراته ثاقبة، فلا يتلهى بقشور الحضارة ومعطيات المدينة، إنما يشمر عن ساعد الجد، ويكون سيد نفسه ويجعل من تلك الوسائل والأسباب سلماً يعرج به إلى حيث الصدارة والريادة والتأثير الإيجابي البناء.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد