ما أقساك ..!!


  

بسم الله الرحمن الرحيم

كان أحدهم يخاطب قلبه إن أصر على اتهام أخيه، ولم ير له عذراً يسوغ خطأه، ويقوم عثرته، ويسد خلله.. يقول له: ما أقساك يا قلبي.. لأنه لم يبحث عن عذر لأخيه، ولم يبادر في إيجاد العذر المناسب، الذي يعتذر فيه عن إخوانه..

 

يا له من فقه!!

حين يتخذ القرار الآتي، حفاظاً على الأخوة، وانتصاراً لهذه الرابطة العظيمة..: «ينبغي أن تستنبط لزلة أخيك سبعين عذراً، فإن لم تقبله فرد اللوم على نفسك، فتقول لقلبك: ما أقساك!! يعتذر إليك أخوك سبعين عذراً فلا تقبله، فأنت المعيب لا أخوك..».

 

فكم هم الذين يعملون بموجب هذا القرار؟!

 

يبحثون عن الأعذار.. ويبالغون في التماسها حتى تبلغ سبعين عذراً.. والسبعون رقم فيه دلالة على الإكثار والمبالغة.. ولا يتوقف عند حدود الرقم المجرد..

 

يبحثون ثم يقبلون هذه الأعذار.. بل لا يترددون في قبولها، أو يتعبون أنفسهم في طلب الدليل على صدقها.. بل يكفيهم أن يجدوا العذر.. حتى يطيروا به فرحين.. فقد عادت صورة الأخ إلى تألقها ونصاعتها من جديد، ودفعت عنها الشبهات، وأزالت الشكوك، التي تأتي على رابطة الأخوة، فتجعلها هباءً منثوراً.. لا وزن لها ولا قيمة.. ففرحتهم في الحفاظ على هذه الأخوة.. والتمسك بهذا الأخ.. وعدم خسارته.. التي تناولناها في مقالة سابقة مؤكدين فيها أن فقد الأخ غربة..

 

نعم كم هم الذين يعملون بهذه القاعدة الجليلة.. يخطئون فيعتذرون.. يساء إليهم فيلتمسون الأعذار.. فإن لم يجدوا لأخيهم عذراً لاموا أنفسهم، وتشددوا في لومها وتعنيفها.. حتى تستقيم حياة الجماعة، ولا تسودها أجواء المشاحنات، ولا ضجيج أهل المهاترات، ولا فساد ذوي الخصومات.. ورحم الله سيد قطب حين جعل الإيمان والأخوة في مرتبة واحدة.. ورآهما قاعدتين متلازمتين.. «الإيمان والأخوة، الإيمان بالله وتقواه، ومراقبته في كل لحظة من لحظات الحياة، والأخوة في الله، تلك التي تجعل من الجماعة المسلمة بنية حية قوية صامدة، قادرة على أداء دورها العظيم في الحياة البشرية، وفي التاريخ الإنساني، دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحياة على أساس المعروف، وتطهيرها من لوثة الكدر..».

 

فهذا شأن الأخوة في الجماعة المسلمة، شأن عظيم، وخطب جليل.. أزعم أن كثيراً من أبناء الإسلام لا يدركون الحقيقة في أمرها.. لو لم يقرؤوا عن عقود الأخوة في فقه الأولين.. أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- حين قال: «وأما عقود الأخوة بين الناس في زماننا، فإن كان المقصود منها التزام الأخوة الإيمانية التي أثبتها الله بين المؤمنين بقوله: «إنما المؤمنون إخوة\"الحجرات: 10، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «المسلم أخو المسلم\"وقوله: «لا يبع أحدكم على بيع أخيه\"وقوله: «والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه من الخير ما يحب لنفسه».. ونحو ذلك من الحقوق الإيمانية التي تجب للمؤمن على المؤمن، فهذه الحقوق واجبة بنفس الإيمان، والتزامها بمنزلة التزام الصلاة والزكاة، والصيام والحج، والمعاهدة عليها على ما أوجب الله ورسوله، وهذه ثابتة لكل مؤمن على كل مؤمن، وإن لم يحصل بينهما عقد مؤاخاة..».

 

ما رأيك أخانا دام فضلك؟!

 

هل رأيت كم تكون قاسياً.. وحقاً ما أقساك.. وأنت تصر على معاقبة أخيك، على هجر أخيك، على التشهير بأخيك، على ذمه وذكر معايبه..

 

ما أقساك يا أخي.. وأنت تدير ظهرك لأخيك.. وأنت تقبض يدك وقت حاجته، وأنت تحصي أنفاسه، وتتابع زلاته، وتكشف سوءاته..

 

ما أقساك يا أخي.. وأنت تبصر القذى في عيني أخيك، ولا ترى الحصى في عينيك..

 

ما أقساك يا أخي.. حين لا تبسط يدك مصافحاً، ولا قلبك مسامحاً، ولا لسانك معتذراً..

 

ما أقساك يا أخي.. حين تكبر الصغيرة.. وترفع في شأنها العقيرة، وتؤكد فيها على إذكاء الخصومة..!!.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply