بسم الله الرحمن الرحيم
يذكر أن شاباً أقبل على أبي الدرداء - رضي الله عنه - ذات يوم، وقال له: أوصني يا صاحب رسول الله...
فقال له: «يا بُني، اذكر الله في السراء يذكرك في الضراء. يا بني، كن عالماً أو متعلماً ولا تكن الرابع فتهلك.
يا بني، ليكن المسجدُ بيتك، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: المساجدُ بيتُ كلّ نقي. وقد ضمن الله - عز وجل - لمن كانت المساجدُ بيوتهم الرَّوح (الراحة والسعة)، والرحمة، والجواز على الصراط إلى رضوان الله - عز وجل -».
جميل أن نقف مع هذه الوصية الغالية، ونحن نعيش ظلال هجرة الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - هذه الهجرة التي هي في حقيقتها رسالة ربانية عظيمة، تحمل في طياتها، وبين سطورها، وعلى بياض صفحاتها، الكثير من المعاني والدلالات الساطعة، التي ينبغي لها أن تعيش في ذات كل واحد من أتباع الحبيب - صلى الله عليه وسلم - حتى تستقيم على النهج حياتنا، وتثبت على الطريق أقدامنا، وتطمئن في ظلاله قلوبنا، وتلهج بالدعاء ألسنتنا، وتنهمر بالدموع عيوننا، ويزداد بذلنا وعطاؤنا في سبيل الله، وتعظم في ذلك تضحيتنا ولا خير في سالك لم يدرك أسرار هذه الحادثة العظيمة، ولم يستوعب دلالاتها.. أو يفقه دروسها.
ومن عظيم دروس الهجرة (المسجد)، الذي بُدئت الدولة ببنائه، وجاءت هذه الوصية تؤكد أهميته وعظمته في حياة الداعية، واستقامة سلوكه، وحسن التزامه، وسعة عيشه، وراحة باله، وضمانة فوزه وفلاحه.
وكلما كان الداعية موصول القلب بالمسجد، كلما كان قويّ الإيمان، رطب اللسان، صادق اللهجة، واسع الرحمة، نيّر القلب، لين الجانب.. قد اكتسى حلّة ربانية، فهذا شأن المضيف مع أضيافه، فأهل المساجد هم ضيوف الرحمن، الذين بهم وبسببهم، وبمجالسهم تنزل الرحمة، والسكينة، ويتصل خبر الأرض بالسماء، ويُذكر أهل الأرض في مجلس الرحمن..
وحين تتقطع الصلات بالمساجد، تتقطع أواصر الإيمان، وتجف منابع الحكمة، وتعلو القلوب طبقات (الران)، وتسيطر الدنيا، وتفقد العبادة حلاوتها ونداوتها، وتغدو جسداً لا روح فيه، وشكلاً لا جوهر له.. وربما غدت حملاً ثقيلاً تئن تحت وطأته الأعضاء، وتشفق من حمله الروح.
فحتى تنجو من هذا كله، وتكن من الناجين، الفائزين بمقعد مريح في ظل يوم لا ظلَّ له... ليكن المسجد بيتك!!.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد