بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر محمد بن عبد العزيز بن سليمان - رحمه الله - عن أمه، أنها حدثته عن أبيه، أنه كان يقول: «ما للعابدين وما للنوم؟ لا نوم والله في دار الدنيا إلا نوم غالب».. فكان والله لا يكاد ينام إلا مغلوباً.
وكان سري - رحمه الله - لا ينام إلا غلبةً..
ودخلوا على الجنيد - رحمه الله - وهو في مرض الموت، وهو يركع ويسجد، فأراد أن يثني رجله في صلاته، فما أمكنه لخروج الروح منها.
فقال رجل: ما هذا؟ فقال: هذه نعم.. الله أكبر!!.
وكان عامر بن عبد قيس - رحمه الله - يصلي كل يوم ألف ركعة، ولقيه رجل، قال له: أكلمك كلمة، فقال: أمسك الشمس حتى أكلمك..
وقال لرجل سأله: عجل فإني مبادر. قال: وما الذي تبادر؟ قال: خروج روحي.
وقال عثمان الباقلاني - رحمه الله -: أبغض الأشياء إليّ وقت إفطاريº لأني أشتغل بالأكل عن الذكر.
وكان داود الطائي - رحمه الله - يشرب الفتيت، ولا يأكل الخبز. فقيل له في ذلك فقال: بين أكل الخبز، وشرب الفتيت قراءة خمسين آية.
ودخل قوم على عابد فقالوا: لعلنا شغلناك. قال: صدقتم، كنت أقرأ فمنعتموني.
وفي الصحيح: (من قال سبحان الله وبحمده، غرست له نخلة). قال الحسن - رحمه الله -: الجنة قيعان، والملائكة تغرس، فربما فتروا، فيقال: مالكم فترتم؟! فيقولون: فتر صاحبنا.
فقال الحسن: أمدوهم - رحمكم الله -.
وقال أحد الأولين: «قد رأينا جماعة من الأشياخ يرتاحون إلى حضور الناس عندهم، وسماع الأحاديث التي تضر ولا تنفع، فمضى زمانهم في غير شيء، ولو فهموا كانت تسبيحة أصلح. وهذا لا يكون إلا من الغفلة عن الآخرةº لأن بتسبيحة واحدة يحصل الثواب. والأحاديث الدنيوية تؤذى ولا تنفع».
كان أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه - يصوم في الحر.. فيقال له: أنت شيخ كبير. فيقول: إني أعده ليوم طويل.
وقيل لعابد: ارفق بنفسك. قال: الرفق أطلب.
جاء أحد رفقاء سري السقطي - رحمه الله - إليه يزوره، فوجد عنده جماعة.فقال: يا سري! صرت مناخاً للبطالين.. ثم ذهب، ولم يقعد.
وهذه هي حقيقة فهم السلف الصالح - رحمهم الله - لشرف أعمارهم، وقيمة أوقاتهم، فصنعوا بها، ما يظنه أحدنا اليوم خيالاً مبالغاً فيه، أو تطرفاً غير مأمور به، وأنهم كلفوا أنفسهم ما لا تطيق، أو فوق الطاقة، فلا يصدق أن مثل هذه الأخبار يمكن أن تقع.. في حين أن أحدنا في هذا الزمان، يكلف نفسه في سبيل دنيا تافهة، أو حاجة ماضية، أو هدف بسيط، أو شهوة عابرة، أضعاف ما كلف به هؤلاء أنفسهم، ولا نرى في ذلك تطرفاً أو مبالغة، أو حتى خيالاً.. فكم هم الذين يسهرون ليلهم حتى الصباح، وهم يتابعون القنوات، ويبحثون عن الشهوات، أو وهم في أماكن اللهو والفساد، ثم تراهم لا ينامون إلا قليلاً.. أسهرهم الشيطان، فلا لوم ولا عتب، فلم يلام الذين يسهرهم الرحمن؟! وأي الفريقين أقدر على السهر، فريق ملكه الشيطان، أو فريق تمكن في قلبه حب الرحمن؟
فيا قومنا.. «من عرف شرف العمر.. وقيمته لم يفرط في لحظة منه.
فلينظر الشاب في حراسة بضاعته.
وليحتفظ الكهل بقدر استطاعته.
وليتزود الشيخ للحاق جماعته.
ولينظر الهرم أن يؤخذ من ساعته».
وحقاً من نظر في شرف عمره اغتنمه.. ومن فقد النظر، أو أصيب بالعمى فرط وضيع.. فلا تكن من جموع المفرطين.. وقد كثر عددهم، وزاد حجمهم...
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد