أحوالنا والتربية (2/3)


           

بسم الله الرحمن الرحيم

4 ـ زوجاتنا:

 

الواقع:

يبحث عن زوجٍ, جميلٍ, محيّاها، يخفق القلب لمرآها، ذات مالٍ, وجاه، تعينه لمواجهة أعباء الحياة، وما فكّر في ولده، فهو في علم الغيب، ونحن لا ينبغي أن نفكر في المستقبل، فالمستقبل بيد الله، وصدق الله وما صدقوا، فما كان محمّدٌ - صلّى الله عليه وسلّم - وصحبُه - رضوان الله عليهم - يعملون ـ فقط ـ لحاضرهمº بل إنهم زرعوا لنجني نحن الثمرة.

وعند الزواج يطير لبٌّه، يضطربُ قلبُه، إنّه الهائم الولهان، لا يكادُ يصدّق نفسَه، يُغرقُ زوجَه بعواطفَ دافئةٍ,، ومشاعرَ فيّاضة، ودررٍ, نادرة، وكلماتٍ, ساحرة، وينسى عندما يأتي زوجتَه أن يصلِّيَ ركعتين، أن يسمّيَ الله ويدعوَه أن يجنبَهما الشيطان، وأن يُجنّبَ الشيطان ما رزقهما.

تمرّ الأيّام، ويمتلئ البيت بالبنين والبنات، تفترُ بينهم العلاقات، تتغيّر اللغة، تضيع الأوهام، يستيقظ الزوجان على كابوس الآخر، باتت لغة الحبّ لغةَ أوامرٍ, ونواهٍ,، زمجرة.. استطالة.. استبداد.. سوء عِشرة.. ثِقَل طبع.. شجارٌ دائم.. خلافٌ مستديم.

نسي تماماً ولدَه، تركَ زوجَه لهم، تكفيه تربيتَهم، تُقوّم مُعوجّهم، تعاني مشكلاتِهم، ترك البيت برُمّتِه، ما شاركها، ما أعدّها من قبلُ، ولا تابعها من بعد، بل ولم يهيئ لها جوّا نفسيّا يمكن أن تُبدعَ فيه، تعيش معه في عناء، وتتقلب في شقاء، وتتجرّع غُصص البلاء، فأنّى لها أن تفيق لتربية ولدك؟

ويتعلّل الواحد منا بضغط العمل، وأعباء الحياة، ينشغل عن أولاده من أجل أولاده، يريد أن يغذِّيَهم.. كما نغذّي البطَّ والحمام.

 

الخطورة:

سينشأ الابن نشأة اليتيم، فأمّه لا تُحسن تربيته، وأبوه لا وقت عنده له، وهذا هو اليتيم الحقٌّ \" الذي ترى له أمّا تخلّت أو أباً مشغولا \" فمن ذا سيربيه؟

 

انتبه:

أنت مسؤولٌ عن إعداد جيلٍ, يحمل راية دعوتِنا، ويكون قرّة عينٍ, لك ولزوجِك ولأمتنا، فليكن شغلَك الشاغل، وهمَّك الدائم.

زوجُك لها دورٌ، ولك الدور الأكبر، هي مسؤولةٌ عن ولدك، وأنت مسؤولٌ عنها وعن ولدِك.

اعقد معها لقاءات دوريّة - أسبوعيّةً على الأقل- اقرأ معها في كتابٍ, تربويّ، تناقشا معاً في أحوال أولادكما، ضع قدمها معك على الطريق، خطّطا ونفّذا وقوِّما.

لا تُظهر خلافاً مع زوجتك أمام ولدِك ـمهما كانوا صغاراًـ فإذا وقع الخلاف (ولا بدّ) وكاد صوتكما يرتفع، ربِّت على كتفها برفق، قرِّب فمك من أذنها: أريدكِ بالداخل قليلاً، سأحلٌّ لكِ المشكلة. انفرِد بها، ناقشها بهدوء، وأكرَمُكما من يتنازل.

اهتمّ بزوجتِك، أدِّ حقوقها كاملةً، وأدناها المودّة والرحمة، والحبٌّ والحنان، والاحترام والتقدير، احفظها في سُويداء قلبِك، أغلق عينيكَ عليها، ابذل الحبّ صادقاً لها، اشعُر بقيمتها وأشعِرها بشعورك، فهي صاحبة فضلٍ, عليك، بل إنها نفسُك، أمّ ولدك.. الذي يحمل اسمَك، ويُبقي عملَك.

أكثِر من دعاء ربِّك { ربَّنا هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتِنا قرَّةَ أعين}.

 

5 ـ القدوة

 

الواقع:

يظن أن صغيرَه أعمى وأصمّ، يفعل الأب ما يشاء، يستمع إلى الموسيقى والغناء، يرتكب الفحشاء، ينظر إلى ما حرّم الله، يسبٌّ، يكذب، يغتاب، يدخِّن، بل يأمر ابنه بالكذب: إذا اتّصل فلان يسأل عنّي فقل له: \" بابا غير موجود\".

وإذا انتبه إلى أن ابنَه قد كبر، وشعر بأنه يفهم، سعى جاهداً لأن يستتر بمعصيته، دافناً رأسه في الرمال، كمن جعل لنفسه تلفازاً خاصّا، في غرفةٍ, خاصّة، وبرمجه بأرقامٍ, خاصّة، حتى لا يرى ابنُه ما يراه، من مصائبَ سوداء، يغلقُ الأب التلفازَ والغرفة، ينطلقُ آمناً مطمئناً، هادئاً مرتاحاً، يقضي مشاويره، يتسلل الابن إلى غرفة والده، لقد عرف كيف يفتحُ الغرفة، وكيف يفتح التلفاز، وكيف يتعامل مع الأرقام السريّة، ثم.. يعيش مع ما يعيش فيه أبوه، بل ويسخر منه، يقول لنفسه أو لصديقه، بعد أن يأخذ نفَساً رجوليًّا عميقاً من سيجارة أبيه: \" أبي هذا ولد، يعرف كيف يتمتع، والمصيبة … يظنني صغيراً … لا أفهم شيئاً … ها ها ها \".

 

الخطورة:

ينشأ الابن كما رأت عيناه من أبيه، يكذب، يغتاب، ينمّ، يدخّن، يتجرّأ على حرمات الله، لا فرق عنده بين صغيرةٍ, أو كبيرةٍ,، يسير على هواه، يعيش أيّامه، يعيش لياليه.

وفي كِبَرِه، يسخط على أبيه، يرمي بكلّ اللوم عليه، عندما يجد نفسه غير قادرٍ, على التغيير، بل وقد يدعو عليه.

 

انتبه:

عدّل سلوكَك، راجِع أخلاقَك، فالرضيع ـ في عصرنا ـ يفهم، وإذا لم يجد الابنُ فيك قدوتَه، فهل تظنٌّ أنه سيجدُها في الشارع ؟؟

ثمّ، إنّك حريصٌ على إخفاء بعضِ حلالك عن ولدك، كإتيانِك زوجتَك، فكيف بالحرام ؟

لا تكتفِ بإخفاء ما فيك من ذنوبٍ, كِبار، فالله مظهر

 

ومهما تكن عند امرئ من خليقةٍ,   

وإن خالها تخفى على الناس تُعلَمِ 

 

ولا تكتفِ بنهي ابنك عن المنكر

 

لا تنه عن خلُقٍ, وتأتيَ مثله   

عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ 

 

ولكنها القدوة، الأبقى أثراً والأعظم تأثيراً

\" قلº فسوف أنسى.. اعملº فسوف أذكر..\"

 

6 ـ المصاحبة

 

الواقع:

الابن في وادٍ,..، يهيمُ على وجهه، والأبُ في وادٍ,..، مشغولٌ في همِّه، لا يتكلَّمُ الابن مع أبيه، ولا يسمع الأبُ لابنِه، وإذا حاول الابنُ الكلام في مواضيعِه الساذجة، رأى أسداً هصوراً.. يُبرز أنيابه.. يكاد يفترسه، يسمع أصواتًا منكرة: أنا \" فاضي \" لتفاهاتك هذه ….

أصبح دور الأب في بيته قاصراً على: \" افعل.. لا تفعل.. حرام.. عيب.. يا قليل الأدب.... يا تافه.. يا سافل.. يا بليد.. يا كذّاب.. يا لصّ.. يا.. يا.. \"

البيت وحدة عسكريّة، محكمة جنائيّة، سجونٌ تأديبيّةº بل أشدٌّ وأنكى.

في المدرسة: ذاكِر.. انضبط، في البيت: ذاكِر... انضبط، أوامر، تهديد، سخرية..

أصيب الابن بالملل، يصرخُ داخلُه: كفاكم يا عالَم، كلكم تقولون، ولا أحدَ يسمع، متى أتحرّر من أقفاصكم الذهبيّة، أنفكٌّ من قيودِكم الحديديّة؟

يبحث الابن المسكين عمّن يسمعه.. وسيجدُه، ويا لسوء الأثر، إذا كانت الآذان المصغية، والقلوب الدافئة، لأصدقاء سوء: إنّ ساعةً مع\" شِلّتي \" خيرٌ من عمرٍ, معكم.

 

الخطورة:

قد يستجيب ابنُك لأوامرك – مرغمًا-، ولكن لأنه لا سبيل له سوى ذلك، لا يقتنعُ بما يفعلُه، بل يكره أباه وما يأمرُ به، وإذا خلا بنفسهº لم يذكر ربَّه، تمرّد على كلِّ القوانين، وانطلق يفعل ما يشاء، \"ويا سعده وهناه \" لو أنه فارقَ أباه.

أما الآن وقد أصبحتَ فرضًا عليه، فسوف يبحث عمّن يستمع إليه، ويا لفداحة الخطب لو كانت الباحثة ابنةً، فأين يا تُرى ستجد بُغيتَها؟ ومن الذي سيُشبعُ عاطفتَها؟

 

انتبه!

صاحب ابنَك، عامله معاملة الصديقِ لصديقِه، أعني الصديقَ الصالح، ولا صالحَ له مثلُك.

والصديقُ لا يملك على صديقِه سلطانًا، إلا سلطانَ الحجّةِ والبرهان، والنصح والإقناع.

فلا تجعل ابنَك تابعًا لك ذليلاً، تأمرُه وتنهاه، وهو أخرسُ لا يتكلّم، ولو تكلّم لكانت الطامّة الكبرى، والدٌّوَيهِيَة العظمى: \" الابن يردّ على أبيه؟ لقد فسد الزمان، وقلّ الأمان، وخاب بنو الإنسان، فلننتظر الساعة\"

ولكن وجِّه ابنك التوجيه الهادئ، غيرَ المباشر، لا تُقلّل من شأنه، لا تُجبره على الانصياع لك، استخدم أسلوب الحوار لا القهر، وأسلوب التلميح لا التجريح.

ليست القضيّة: \" أنت لن تنفع، لا فائدة منك، لن تكون شيئًا \" ولكن القضية: زرع الثقة في قلبه.

احترم ابنك مهما كانت سِنٌّه، لا تسخر منه، لا تحطم نفسيّته، لا تشعره بالدونيّة والنقص والتردّد والخجل، وضعفِ القدرة على مواجهة الآخرين.

لو استطعت أن تصل بابنِك إلى مصاحبةٍ, تامّة، يحكي لك فيها أدقَّ أسرارِه ومشاكلِه، فقد نجحت أيّما نجاح، فاجعل ذلك أول أهدافِك وأولى أولويّاتِك، وأنت تقدر على ذلك لو احترمت ولدَك، ودعوتَه إلى الخير، دعوةَ حبٍّ, وإخاء، بكلِّ وُدٍّ, وصفاء.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply