صناعة النفس

4.3k
4 دقائق
التصنيف:
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

للإنسان قُدرَةٌ في إظهار نفسه و تكوينها ، و هو في ذلك غنيُّ عن إظهار غيره له .

و هذه حال كثيرين يعتمدون على غيرهم ، و يرتقون على أكتاف كبرائهم لإظهار أنفسهم .

و هذا فيه ما فيه من هضم النفس ، و هَدرٍ, لما وهبها الله من آليَّات النهوض بها ، و الرقي بها في سماء العلو .

و لذا كانت وظيفة ( صناعة النفس ) سائدة لدى فئة من الناس لا يُزَاحَمُونَ في وظيفتهم º و هذا إنما هو : لقلَّتِهم ، و لعلو همتهم ، و لقوة عزيمتهم .

فَمِن شابههم سلك دروبهم . و مَن لا فلا .

و هذه أسطرٌ كاشف فيها معاني ( صناعة النفس ) من خلال مباني الأحرف .

و مؤصِّلاً وظيفة ( صناعة النفس ) موافِقَاً أصول الشريعة ، مراعياً أُسُسَ التربية .

معنى ( صناعة النفس ) :

قـد يتبادر إلى الذهن معنى لـ ( صناعة النفس ) غيرُ مُرادٍ, لي º و دفعـاً لتلك المبادرة أُبيِّنُ المعنى من (صناعة النفس ) و هو :

سعيُ الإنسان _ الجادّ _ نحو إظهار نفسه ، و الكشف عن مكنوناتها و مهاراتها التي تؤدي بها نحو عالم الإبداع . مع اعتماده على ذاته وما كان خافياً فيها من قُدَرٍ, .

و هذا المعنى هو من بنيَّات الفكر ، و بَوحِ الخاطر .

قواعدُ( صناعة النفس ) :

لـ ( صناعة النفس ) قواعدُ و أصولُ بها تُتقَنُ و تُحكَمُ ( صناعة النفس ) ، و بدونها ، و حال تخلٌّفِها يكون الخلل ، و يُخَيِّمُ الفشل .

و ههنا أمورٌ أربعة هنَّ أصولٌ لـ ( صناعة النفس ) :

الأول : معرفة قُدُرَاتُ النفس :

إن الله _ تعالى _ متَّعَ الخلق بقُدَرٍ, و مواهبَ º و هذه المواهب و القُدَرُ متفاوتةٌ بين الناس ، و هم فيها متباينون .فإذا عرف الإنسان قُدُرَاتُ نفسِه أحسن استعمالها ، و انشغل بها عن غيرها .و معرفة قُدَرُ النفس مُرتَكِزَةٌ على رَكِزَتَين :

الأولى : عدم رَفعِ النفس فوق قدرِها .

حيث ترى _ و هو كثير _ مَن يُخادع نفسه و يُلبِسُها لباس الزور فيُنزلها منازل كبيرةً عليها ، ليست هي من أهلها و لا قَرُبَت من أحوالهم .

الثانية : عدم إهانتها و إنزالها عن قدرها .

و هذه كسابقتها في الكثرة و الانتشار .

و أعني بقُدَرِ النفس : ما تعرف النفس أنها ميَّالَةٌ إليه ، و تتيقَّنُ أنها تُنتِجُ فيه أكثر .

الثاني : حُسنُ إدارة النفس :

إدارة النفس تعني : قُدرَةُ الفرد على توجيه مشاعره و أفكاره و إمكانياته نحو ما يريد تحقيقه ، و ما يصبو إلى تحصيله ([i]).

فَحِين يستطيع الإنسان أن يوجِّهَ خواطره و مشاعره نحو ما يسعى إليه في حياته يكون بدءُ ( صناعة النفس ) .

و إدارة النفس فنٌّ له أصوله و قواعده و مهاراته ، فليس هو أمرٌ بالهيِّن ، و لا بالشأن السَّهل .

الثالث : تزكيةُ النفس :

تزكية النفس هي : تنميتها ، و تطهيرها .

فتنميتها تكون بـ : الطاعات ، و الفضائل .

و تطهيرها يكون بـ : التخلِّي من الآفات º المعاصي ، سفائل الأخلاق .

هذان أُسَّان في تربية النفس و تطهيرها .

الرابع : التدرٌّج :

النفس توَّاقةٌ نحو الدَّعَةِ ، و ساعيةٌ إلى الخمول و السٌّكون ، فإذا أراد صاحبها أن يُبدِعَ في ( صنلعة النفس ) فلا بدَّ له من نقلها من مواطن الركود و الدعة إلى مشارف العلو و الرفعة .

و هذا يحتاج إلى أن يتدرَّج بها صاحبها من الدٌّونِ إلى العلو º شيئاً فشيئاً قليلاً قليلاً .

و سرٌّ ذلك : أن في التدرٌّج تنقٌّلٌ مُمَهَّدٌ يستدعي تقبٌّلَ النفس لتلك الصناعة .

و العكس ذو آفة يعرفها من أدرك حقيقة ذاك السر .

الخامس : الحكمة :

إن ( صناعة النفس ) تقتضي التعامل بالحكمة مع النفس º فلا تُجهَد ، و لا تُطلَق لها الأزِمَّة .

فيراعيها في موطنين :

الأول : موطن الإقبال نحو المعالي º فيغتنم تلك الفرصة لتربيتها ، و تنميتها .

الثاني : موطن الإحجام عن الفضائل فيستعمل معها سياسة القيادة من جهتين :

الأولى : الترغيب º فيرغب نفسه بفضائل الأفعال ، و مقامات الكمال .

الثانية : الترهيب º فيرهب نفسه بعواقب الدٌّنُوِّ ، و يُبَيِّنُ لها مساويء الأعقاب .

طرقُ( صناعة النفس ) :

لـ ( صناعة النفس ) طريقان مهمان :

الأول : طريق ( الذات ) :

و أعني به : أن يكون الإنسان هو الصانع لنفسه º و ذلك من خلال القواعد الخمس السابقة .

الثاني : طريق الغير :

و أعني به : أن تكون ( صناعة النفس ) للإنسان من خلال من هو خارج عنه _ أي : عن نفسه _ من : صاحب ، أو عالم ، أو أبٍ, ، … .

مجالات( صناعة النفس ) :

المجالات كثيرة و متعدِّدَةٌ ، و لكن ما يهمُ هنا هو ما يتعلَّق بالأمور المتعلِّقة بالإسلام º و هما مجالان :

الأول : مجال العلم :

فإن أغلب الناس _ الصَّالحين _ ممن أعملَ نفسَه في العلم : طلباً ، و تعليماً ، و تأليفاً ...

و هذه مَحمَدَةٌ و مَنقَبَةٌ يُفرَح بها .

لكن الأمر المُؤسِف أن يكون من يشتغل بالعلم دائمَ الصعود و الظهور على أكتاف أشياخه ، ملازماً لتقليدهم ، حَذِرَاً من إبداء أي رأي له خَشيَةَ عدم المُوَافَقَة .و هذه سلبية لا إيجابية .إذ الواجب على الإنسان أن يكون مُستَقِلاًّ بنفسه ، مُعتَمِدَاً عليها .

و هذا هو شأن كثير من العلماء ما أظهرهم إلا هم ، سعوا جادِّين نحو ( صناعة النفس ) فأبدعوا و أنتجوا ، في حين أن غيرهم ممن سيطر عليه الخوف ما بَرِحَ مكانه .

و لا أعني بكلامي هذا إسقاط ما للعلماء من مكانة و تأثير في نفس الإنسان ، و إنما أُريدُ أن يكون الإنسان ذا رأي مُعتَبِرَاً لنفسه قَدرَاً و وزنَاً ، و يَنفَرِدُ بالسعي في تَحصِيلِ العلم بعد أخذ مفاتحه و أصوله على مشايخه .

الثاني : مجال الدعوة :

و هذا أكثر و أشهر من سابقه .

و ( صناعة النفس ) فيه تكون بأن يَعتَمِدَ الإنسان على ذاته في تبليغ الدعوة ، و نشر الدين في أوساط الناس .

و كذلك أن يسعى لإيجاد طرائق مُتَعَدِّدَةٍ, لتبليغ الدين ، و نشر الدعوة في أوسع نطاق .


مقالات ذات صلة


أضف تعليق