ونحنُ نَستَعِدٌّ لاستِقبالِ عامٍ, دراسيٍّ, جديدٍ,، قَد هيَّأنا لأبنائِنا فيه كُلَّ ما يحتاجونه مِن مُستلزماتٍ, دِراسيةٍ,، مِن كُتُبٍ, ودفاتِرَ وأقلامٍ, ونحوِها، فَإِنَّ هاهُنا تساؤلاً قد يَرِدُ على أَذهانِ كثيرٍ, مِنَ الآباءِ: لماذا نَستَعِدٌّ في أولِ كلِّ عامٍ, ونَبذُلُ ونُنفِقُ، ونُوَفِّرُ لأبنائِنا طُوالَ العامِ كلَّ ما يَطلبون، ثم نُفاجَأُ بِأَنَّ النتائجَ في نهايةِ كُلِّ فصلٍ, أَضعفُ مِنَ الذي قَبلَهُ؟ ولماذا يَبدَأُ عَدَدٌ مِنَ الأبناءِ مَسيرتَهُ التَّعلِيمِيَّةَ مِنَ المتفوقين، ثم لا تمرٌّ به الأعوامُ إلا وَينقُصُ تفوٌّقُهُ ويَقِلٌّ نَشَاطُهُ، حتى إِنه قد يُصبِحُ بَعدَ النجاحِ مخفِقًا، وبَعدَ التفوقِ مُقَصِّرًا؟ وَمَعَ أَنَّ لهذا الأمرِ أسبابًا كثيرةً مُعقَّدَةً، يحتاجُ الكلامُ عليها وتفصيلُها بحثًا طويلاً ودراسة مفصلة، إِلاَّ أَنَّ هَاهُنا مَسأَلَةً مُهِمَّةً يَنبغِي التَّنَبٌّهُ لها، بل هي قاعدةٌ تربويةٌ يجبُ أَن يَعِيَها الآباءُ والأولياءُ، قَبلَ أَن يُطالِبُوا أَبناءَهم بِتَشَرٌّبِ مَا يُلقِيهِ عليهم مُعلِّمُوهُم، والتِهَامِ ما يَطَّلِعون عليه في كُتُبِهِم، والنجاحِ في حياتِهِم ومُستَقبَلِ أَمرِهِم، تلكم هي مَسألةُ وُجُودِ القُدوةِ الحسنةِ، وَتَوَفٌّرُ النموذجِ الحيِّ الذي يُحتذَى.
إِنَّ المعلوماتِ والقَوَاعِدَ التي يتلقَّاها الأبناءُ في محاضِنِ التربيةِ وَأَماكِنِ التعليمِ، تَبقَى رَسُومًا جَامِدَةً لا حَيَاةَ فيها ولا حِرَاكَ، فإذا هَيَّأَ اللهُ لها مَن يَنفُخُ فيها رُوحَ التَّطبيقِ مِن أبٍ, أو أخٍ, كبيرٍ,، آتَت ثمارَها وظَهَرَت آثارُها، وَرَسَخَت في أذهانِ الطلابِ وعُقُولِهِم رُسُوخَ الجبالِ الراسيةِ، وَأَمَّا إِذَا كان المعلمون يَبنُونَ كُلَّ يَومٍ, لَبِنَةً ـ وهي وللأسفِ ضَعِيفةٌ ـ ثم يَهدِمُ المجتمعُ أَلفَ لَبِنَةٍ, بما يَرَاهُ المتعلمُ عَلَيهِم مِن مخالفاتٍ, لما تَعَلَّمَه، فَأَنَّى لِبُنيانِ العِلمِ يَومًا أَن يَقومَ ويَرتَفِعَ؟ وَكيفَ لِصرحِ الأَخلاقِ والآدَابِ أَن يَصلُبَ ويَشتَدَّ؟
متى يَبلُغُ البُنيَانُ يَومًا تَمَامَهُ *** إِذَا كُنتَ تَبنِيهِ وَغَيرُكَ يَهدِمُ
أَرَى أَلفَ بَانٍ, لا تَقُومُ لِهَادِمٍ, *** فَكَيفَ بِبَانٍ, خَلفَهُ أَلفُ هَادِمِ
كَيفَ يحافِظُ الولدُ على الصلاةِ وَأَبوهُ لها مِنَ المهملين؟ كيف يخِفٌّ لأداءِ صلاةِ الفجرِ مَعَ الجماعةِ وأبوه عنها مِنَ المتكاسلين؟ متى يَتَعَلَّمُ الصِّدقَ في القَولِ والوَفَاءَ بِالوَعدِ ، وهو يَرَى وَالِدَهُ يَكذِبُ ويخُلِفُ؟ متى يَعي حُرمَةَ الغِشِّ وَوَالِدُهُ يَغُشٌّ في بَيعِهِ وشِرائِهِ ومعاملاتِهِ؟ وَمَن هذا الطالبُ الذي سَيُكرِمُ جَارَهُ، وَوَالِدُهُ وجارُهُ مُتلاحِيَانِ مُتَخَاصِمَانِ ؟ وَأَيٌّ طَالِبٍ, سَيُطَبِّقُ مَا تَعَلَّمَهُ عَن صِلَةِ الرَّحِمِ، وَأَبوهُ مُصارِمٌ لأَخيهِ مُقاطِعٌ لِبَني عَمِّهِ وأقاربِهِ؟ وهل سَيَعرِفُ أبناؤُنا حُقُوقَ إِخوانِهِم المسلمين، أو يقدرون أَنظِمَةً ويَعمَلُون بِتَعلِيمَاتٍ,، أو يحافظون على مُقَدَّراتٍ,، وَنحنُ نُعَوِّدُهُم عَلى أَضدَادِ ذلك؟!! إِنَّهُ لأَمرٌ يَتَقَطَّعُ منه القَلبُ أسًى، أَن نَكونَ ـ نحنُ الأَوليَاءَ ـ أَوَّلَ العَقَبَاتِ التي يَصطَدِمُ بها أَبناؤُنا بَعدَ خُرُوجِهِم مِن مُؤَسَّسَاتِ التعليمِ ومَعَاهِدِ الدِّرَاسةِ، حتى لَكَأَنَّنَا نَقُولُ لهم بِلِسانِ حَالِنا: يَكفِيكُم حِفظُ مَا تَعَلَّمتُمُوهُ في عُقُولِكم، ثم تفريغُهُ على أوراقِ الإجابةِ في الاختباراتِ، ولا يهمٌّنا بَعدَ ذلك طَبَّقتُمُوهُ أَم أَهملتُمُوهُ!!
وَأَمَّا حِينَ يَكونُ المعلمُ هو أَوَّلَ الهادِمِينَ، بما يَلحَظُهُ طلابُهُ مِن فَرقٍ, بَينَ مَا يَقُولُهُ في المدرسةِ وما يَعملُهُ خارجَها، وبما يَرَونَهُ مِن مُفَارَقَاتٍ, بَينَ أَوَامِرِهِ المِثالِيَّةِ مُعَلِّمًا في الفصلِ، وَتَصَرٌّفاتِهِ المُغايِرَةِ مُوَاطِنًا يمشِي في الشَّارِعِ أو في السوقِ، وكأنه لا يَعرِفُ ممَّا كان يُلقِيهِ في دُرُوسِهِ شَيئًا، فَإِنَّ تِلكَ هي أَكبرُ خَطِيئةٍ, يَرتكِبُها في حَقِّ مجتمعِهِ، وَأَعظَمُ ذَنبٍ, يَقترِفُهُ ويُهَوِّنُُ على طلابِهِ اقترافَهُ.
يا أيها الرَّجُلُ المُعَلِّمُ غَيرَهُ *** هَلاَّ لِنَفسِكَ كان ذَا التَّعلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَا *** كَيمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنتَ سَقِيمُ
وَنَرَاكَ تُصلِحُ بِالرَّشَادِ عُقُولَنَا *** أَبَداً وَأَنتَ مِنَ الرَّشَادِ عَدِيمُ
اِبدَأ بِنَفسِكَ فَانهَهَا عَن غَيِّهَا *** فَإِذَا انتَهَت عَنهُ فَأَنتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ يُقبَلُ مَا تَقُولُ وَيُقتَدَى *** بِالعِلمِ مِنكَ وَيَنفَعُ التَّعلِيمُ
لا تَنهَ عَن خُلُقٍ, وَتَأتيَ مِثلَهُ *** عَارٌ عَلَيكَ إِذَا فَعَلتَ عَظِيمُ
إِنَّهُ مَا لم يَكن هُنَاكَ تَوَافُقٌ بَينَ العِلمِ وَالعَمَلِ، وَتَنَاغُمٌ بَينَ التَّنظِيرِ وَالتَّطبِيقِ، وَبِيئَةٌ داخلَ المدرسةِ وخارجَها يَتَهَيَّأُ لِلمُتَعَلِّمِ فيها شَوَاهِدُ حيَّةٌ على إِمكانِيَّةِ تحقٌّقِ مَا تَعَلَّمَهُ وَاقِعًا مَلمُوسًا، فَلَن يَزيدَنَا التَّعلٌّمُ حِينَئِذٍ, إِلاَّ مَقتًا لأَنفُسِنَا، شَاهِدُ ذلك في كِتابِ رَبِّنا، إذ يَقولُ ـ - سبحانه - ـ: \" يَا أيها الذين آمنوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفعَلُونَ. كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفعَلُون \" لَقَد كان كثيرٌ مِن أَجدَادِنا وَآبائِنا وَهُم على جَانِبٍ, مِنَ العِلمِ قَليلٍ,، كَانوا خَيرًا مِن كَثِيرٍ, مِن أَبنائِنا اليَومَ، الذين لا نُسَمِّيهِم مُتَعَلِّمِينَ، وَلَكِن يحِقٌّ أَن نَسِمَهُم بِأَنصَافِ المُتَعَلِّمِينَ، لأنهم اكتفوا مِنَ العِلمِ بِحِفظِهِ، وَمِن قَوَاعِدِهِ بِاستِظهَارِهَا ، ولم تحظَ أَرضُ الوَاقِعِ مِنهُم بِتَطبِيقٍ, وتحقِيقٍ,.
فَيَا أيها الآباءُ والأولياءُ والمعلمونَ،، القُدوَةَ القُدوَةَ، وَيَا أيها الأَبناءُ، التَّطبِيقَ التَّطبِيقَ لما تَعَلَّمتُم، فَإِنَّ قليلاً مِنَ العِلمِ مَعَ العَمَلِ وحُسنِ الأَدَبِ، خيرٌ مِن كثيرٍ, مِنَ العِلمِ بِلا عَمَلٍ,، وَمَا نَقَصَ اليَهودَ عِلمٌ إِذ مَقَتَهُمُ اللهُ وغَضِبَ عَلَيهِم، وَإِنما لأنهم عَلِمُوا فَلَم يَعمَلُوا، وَتَعَلَّمُوا فَلَم يُطَبِّقوا، وَعَرَفُوا فَلَم يَلزَمُوا، بل تحايَلُوا على مخالَفَةِ الأَوَامِرِ وارتكابِ النواهي، وَاقتَرَفوا المَعَاصِيَ وهُم يَعلَمُونَ.
أيها الآباءُ والمعلمون، إِنَّ الأبناءَ يُولَدُونَ وَهُم على الخيرِ مَفطُورُونَ، وَعَلَى اتِّباعِ الحقِّ مجبولُون، قُلُوبُهُم طَاهِرَةٌ ، وَصُدُورُهُم مُنشَرِحَةٌ، وَنُفُوسُهُم على الخيرِ مُقبِلَةٌ، ونحنُ الذينَ نملِكُ تَثبِيتَ تِلكَ الفِطرَةَ أَو تَغيِيرَهَا، قال ـ صلى اللهُ عليه وسلم ـ: \" كُلٌّ مَولُودٍ, يُولَدُ على الفِطرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَو يمُجِّسَانِهِ أَو يُنَصِّرَانِهِ \" فَمَاذَا نحن فاعلون؟! هل سَنعمَلُ على تَثبِيتِ فِطرَةِ اللهِ التي فُطِرَ أَبنَاؤُنا عَلَيهَا بجَعلِ أَنفسِنا قُدوَةً لهم في الخيرِ وتَسييرِهِم على الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ؟ أَم سَنترُكُهُم يَتَّبِعُونَ السٌّبُلَ المُغوِيَةَ المُضَلِّلَةَ فَتَفَرَّقَ بهم عن السَّبِيلِ؟
أيها الأبُ الكريمُ والوالدُ الرحيمُ، إِنَّكَ لا تَتَعَامَلُ مَعَ بهائمَ في مَشرُوعِ تَسمِينٍ,، فَتَكتَفِي بِمَلءِ بُطُونِ أَبنَائِكَ وَكُسوَتِهِم وتَوفِيرِ المأوى لهم، وَلستَ جَلاَّدًا تَلجَأُ إِلَيكَ الأُمٌّ حِينَمَا تَعجِزُ عَن أَبنَائِهَا، لِتَصُبَّ جَامَ غَضَبِكَ عَلَيهِم، لَكِنَّكَ مُرَبٍّ, فَاضِلٌ وَمُوَجِّهُ قَدِيرٌ، أَو هَكَذَا يجِبُ أَن تَكونَ، بَل إِنَّكَ أَنتَ المعلِّمُ الأَوَّلُ والمُربِّي الأَسَاسُ، وَإِذَا أَنتَ لم تُحسِنِ التَّربِيَةَ وَالتَّأدِيبَ لأَولادِكَ وهم لا يَتَجَاوَزُونَ خمسَةً أو سِتَّةً، فَلا تَلُم مُعَلِّمًا يُدَرِّسُ في الفصلِ عِشرِينَ طالبًا أو ثلاثِينَ، أو مُدِيرًا في مَدرسَتِهِ عَشَراتٌ مِنَ الطلابِ، هُم مِن بُيُوتٍ, مختلفةٍ,، وَنِتَاجُ تَربِيَاتٍ, مُتَغَايِرَةٍ,، فِيهِم الكبيرُ والصغيرُ، وَمِن بَينِهِم وَلَدُ الغَنيِّ وابنُ الفَقِيرِ، وفِيهِم مَن فَقَدَ أُمًّا أَو أَبًا، وَمِنهُم المَرِيضُ أَو المُصابُ، فَاعرِف دَورَكَ وَافهَم مُهِمَّتَكَ، كُن بِأَبنَائِكَ رَحِيمًا شَفِيقًا، وفي تَعَامُلِكَ مَعَهُم وَدُودًا بَشُوشًا، قَوِّ العِلاقَةَ بَينَكَ وبَينَهُم، وَاشدُد حِبالَ الأَوَاصِرِ بهم، رَبِّهِم قَبلَ أَن تُطالِبَ غَيرَكَ بِتَربِيَتِهِم، ولُم نَفسَكَ قَبلَ أَن تَلُومَ الآخَرِينَ، صَاحِبهُم وَحَافِظ على فِطَرِهِم سَلِيمَةً وَأَخلاقَهُم حَسَنَةً، قَبلَ أَن يَتَلَقَّفَهُم أَصدِقاءُ السٌّوءِ وَأَصحَابُ الفَسَادِ، فَيُغَيِّرُوا فِطَرَهُم وَيَعِيثُوا بِأَخلاقِهِم، تَذَكَّر أَنَّكَ أَنتَ المَسؤُولُ الأَوَّلُ عَنهُم قَبلَ المدرسةِ ومن فيها، يَقولُ اللهُ ـ - سبحانه - ـ: \" يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُم وَيَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ \" ويقولُ ـ - سبحانه - ـ: \"وَأمُر أَهلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصطَبِر عَلَيهَا لا نَسأَلُكَ رِزقاً نَحنُ نَرزُقُكَ وَالعَاقِبَةُ لِلتَّقوَى\" ويقولُ ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: \"كُلٌّكُم رَاعٍ, وكُلٌّكُم مَسؤولٌ عَن رَعِيَّتِهِ\" ويقولُ: \"كَفَى بِالمَرءِ إِثمًا أَن يُضَيِّعَ مَن يَعُولُ\" ويقولُ: \"إِنَّ اللهَ سَائِلٌ كُلَّ رَجُلٍ, عَمَّا استرعَاهُ أحفِظَ ذلك أَم ضَيَّعَهُ حتى يَسأَلَ الرَّجُلَ عَن أَهلِ بَيتِهِ\" ويقولُ: \"مُرُوا أَولادَكم بِالصَّلاةِ لِسَبعٍ, وَاضرِبُوهُم عليها لِعَشرٍ,\".
إنَّكم ـ أيها الآباءُ ـ لم تُقَصِّرُوا في وَاجِبِ النَّفَقَةِ على أَبنَائِكم، لا في طَعَامٍ, ولا كِسَاءٍ,، ولا مَأوًى ولا دَوَاءٍ,، رَبَّيتُمُ الأَجسَادَ وَسمَّنتُمُ الأَجسَامَ، أَركبتُمُوهُمُ السَّيارَاتِ، وَملأتم جُيُوبَهُم بِالرِّيَالاتِ، وَأنتُم على ذلك إِذَا اقتصدتم وَتَوَسَّطتُم مَأجُورُونَ مُثابون، قال ـ - صلى الله عليه وسلم - ـ: \"أَفضَلُ دِينَارٍ, يُنفِقُهُ الرَّجُلُ دِينارٌ يُنفِقُهُ على عِيَالِهِ، ودِينارٌ يُنفِقُهُ على دَابَّتِهِ في سَبِيلِ اللهِ، وَدِينارٌ يُنفِقُهُ على أَصحَابِهِ في سَبيلِ اللهِ\" رواه مسلمٌ، وَلَه مِن حَدِيثِ أبي هُريرةَ ـ - رضي الله عنه - ـ: \" دِينارٌ أَنفقَتَهُ في سَبيلِ اللهِ، ودِينارٌ أنفقتَهُ في رَقَبَةٍ,، ودِينارٌ تَصَدَّقتَ بِهِ على مِسكِينٍ,، ودِينارٌ أَنفقتَهُ على أَهلِكَ، أَعظَمُها أَجرًا الذي أَنفَقتَهُ على أَهلِكَ \" فَأَللهَ أَللهَ في الأَهَمِّ والأَسمى، أَللهَ أَللهَ في الأَثبَتِ وَالأَبقَى، أَللهَ أَللهَ في تَربِيَةِ العُقُولِ وَإِصلاحِ القُلُوبِ، الأَروَاحَ الأَروَاحَ فَزَكٌّوها، القُدوَةَ القُدوَةَ فَوَفِّرُوها، الأَخلاقَ الأَخلاقَ فَهَذِّبُوها، الآدَابَ الآدَابَ فَعَلِّمُوها.
يَا خَادِمَ الجِسمِ كَم تَسعَى لِخِدمَتِهِ *** أَتعَبتَ نفسَك فِيمَا فِيهِ خُسرَانُ
أَقبِل عَلى الرٌّوحِ فَاستَكمِل فَضَائِلَهَا *** فَأَنتَ بِالرٌّوحِ لا بِالجِسمِ إِنسانُ
رَبٌّوا أَبنَاءَكُم قَبلَ التَّعلِيمِ، وَأَدِّبُوهُم قَبلَ التَّفَقٌّهِ، فَإِنَّهُ لا عِلمَ إِلاَّ بَعدَ تَربِيَةٍ, حَسَنَةٍ, وَأَدَبٍ, جَمٍّ,، وَهَذَا رَبٌّكُم ـ - جل وعلا - ـ يُخاطِبُ كَلِيمَهُ مُوسَى - عليه السلام - فَيَقُولُ: \" إِنِّي أَنَا رَبٌّكَ فَاخلَع نَعلَيكَ إِنَّكَ بِالوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى. وَأَنَا اختَرتُكَ فَاستَمِع لِمَا يُوحَى. إِنَّني أَنَا اللهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعبُدني وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكرِي \" لَقَد عَلَّمَهُ - سبحانه - أَدَبَ المَكَانِ فَقَالَ: \" اِخلَع نَعلَيكَ \" وَعَلَّمَهُ أَدَبَ الحدِيثِ فَقَالَ: \" فَاستَمِع لما يُوحَى \" ثم أَوحى إِلَيهِ بِأَجَلِّ عِلمٍ, وَأفضَلِ فِقهٍ,، وهو التَّوحِيدُ والشَّرِيعَةُ فَقَالَ: \" إِنَّني أَنَا اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعبُدني وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكرِي \" وَهَذِهِ أُمٌّ الإِمامِ مالكِ بن ِأنسٍ, ـ رحمةُ اللهِ عليه وعليها ـ لما أرادت لابنِها أَن يَطلُبَ العِلمَ أَلبَسَتهُ أَحسَنَ الثِّيَابِ، ثم أَدنَتهُ إِلَيها وَمَسَحَت على رأسِهِ، وَقَالَت: يَا بُنيَّ، اِذهَب إلى مجالسِ رَبِيعَةَ، وَاجلِس في مجلسِهِ، وَخُذ مِن أَدَبِهِ وَوَقَارِهِ وَحِشمَتِهِ قَبلَ أَن تَأخُذَ مِن عِلمِهِ.. - فَرحمها الله - مَا أَعقَلَهَا! عَلَّمَتهُ الأَدَبَ قَبلَ أَن يجلِسَ في مجلِسِ الطَّلَبِ. وهكذا يجِبُ أَن يَكونَ الوَالِدَانِ لابنِهِمَا، يُعَلِّمَانِهِ الأَدَبَ مَعَ مُعَلِّمِيهِ وفي مدرستِهِ، لا أَن يجعلا بَينَهُ وبَينَ ذلك سَدًّا بما يَسقِيَانِهِ مِن مَسَاوِئِ الأَخلاقِ، أو يُقِرَّانِهِ عليه مِن مَرذُولِ الطِّباعِ وَقَلِيلِ الأَدَبِ.
إِنَّنا إِذَا استَطَعنَا أَن نُعَلِّمَ أَبنَاءَنَا الأَدَبَ مَعَ مُعَلِّمِيهِم، وَأَن نَغرِسَ في قُلُوبِهِم حُبَّ كُتُبِهِم واحترامَ مَدَارِسِهِم، وَأن نَصِلَ بهم إلى مَعرِفَةِ قِيمَةِ كُلِّ ذلك، فإني كَفِيلٌ لكم بِأَن تحمَدُوا السٌّرَى، وَألاَّ تَذهَبَ جُهُودُكُم سُدًى، وَأَلاَّ تَشكُوا مِن تَدَنِّي دَرَجَةٍ, أَو ضَعفِ مُستَوَى، أَمَّا حِينَ نُقَدِّمُ لِلمَدَارِسِ طلابًا بِلا أَدَبٍ,، طلابًا لا يَعرِفُونَ قِيمَةَ مَا هُم عَلَيهِ مُقدِمُونَ، فَإِنما نَضَعُ بَينَ أَيدِي المُعَلِّمِينَ رَمَادًا لا جمرَ فيه، فَكَيفَ نُطالِبُهُم أَن يُوقِدُوا مِنهُ نَارًا؟ وَهَل تَرَونَ نَافِخًا في الرَّمَادِ يُوقِدُ نَارًا؟ لا ـ واللهِ ـ وَلَو نَفَخَ طُولَ عُمُرِهِ. إِنَّ حَالَ مُعَلِّمٍ, مَعَ طالبٍ, بلا أدب كَحَالِ مَن قَالَ:
لَقَد أَسمَعتَ لَو نَادَيتَ حيًّا *** وَلَكِن لا حَيَاةَ لمَن تُنَادِي
وَلَو نَارًا نَفَختَ بها أَضَاءَت *** وَلَكِن أَنتَ تَنفُخُ في رَمَادِ
نسأل اله لأبنائنا التوفيق والسداد، والنجاح في حاضر أمرهم ومستقبله، إنه جواد كريم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد