اسمه ونسبه: هو مسروق بين الأجدع بن مالك بن أمية بن عبد الله بن مرة بن سلمان بن معمر ويقال: سلامان بن معمر بن الحارث بن سعد بن عبد الله بن وادعة بن عمر بن عامر الهمداني، يقال: إنه سُرِقَ وهو صغير ثم وُجد فسمي مسروقًا، وعداده في كبار التابعين وفي المخضرمين الذين أسلموا في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
شيوخه: حدث عن أبي بن كعب وعمر، وروى عن أم رومان ومعاذ بن جبل، وخباب وعائشة وابن مسعود وعثمان وعلي وعبد الله بن عمرو وابن عمر ومعقل بن سنان والمغيرة بن شعبة وغيرهم.
الرواة عنه: روى عنه الشعبي وإبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب، وعبد الله بن مرة، وأبو وائل، وأبو الضحى، وأبو إسحاق، وأبو الأحوص الجشمي، وأنس بن سيرين، وأبو الشعثاء المحاربي وآخرون.
ثناء العلماء عليه:
قال مرة الهمداني وأبو السفر: ما ولدت همدانية مثل مسروق.
وقال: كان مسروق أعلم بالفتوى من شريح وكان شريح أعلم بالقضاء من مسروق، وكان شريح يستشير مسروقًا، وكان مسروق لا يستشير شريحًا.
قال إبراهيم: كان أصحاب عبد الله الذين يقرئون الناس ويعلمونهم السنة: علقمة والأسود وعبيدة ومسروقًا والحارث بن قيس وعمرو بن شرحبيل.
قال ابن المديني: أنا ما أقدم على مسروق أحدًا.
قال ابن عيينة: بقي مسروق بعد علقمة لا يفضل عليه أحد.
قال يحيى بن معين: مسروق ثقة لا يُسأل عن مثله.
قال العجلي: تابعي ثقة كان أحد أصحاب عبد الله الذين يُقرئون ويُفتون وكان يصلي حتى ترم قدماه.
قال ابن سعد: كان ثقة له أحاديث صالحة.
قال أبو نعيم: ومنهم العالم بربه، الهائم بحبه، الذاكر لذنبه، في العلم معروف، وبالضمان موثوق، ولعباد الله معشوق، أبو عائشة المسمى بمسروق.
قال ابن حجر: ثقة فقيه عابد مخضرم.
من أحواله وأقواله:
قال الشعبي: خرج مسروق إلى البصرة إلى رجل يسأله عن آية فلم يجد عنده فيها علمًا، فأخبر عن رجل من أهل الشام، فقدم علينا هاهنا ثم خرج إلى الشام إلى ذلك الرجل في طلبها.
قال أبو الضحى: كان مسروق يقوم فيصلي كأنه راهب، وكان يقول لأهله: هاتوا كل حاجة لكم فاذكروها لي قبل أن أقوم إلى الصلاة.
قال إبراهيم بن المنتشر: كان مسروق يرخي الستر بينه وبين أهله ويقبل على صلاته ويخليهم ودنياهم.
قال أبو إسحاق: حج مسروق فلم ينم إلا ساجدًا على وجهه حتى رجع.
وعن امرأته قالت: كان مسروق يصلي حتى تورَّم قدماه، فربما جلست أبكي مما أراه يصنع بنفسه.
عن مسروق قالت عائشة: يا مسروق، إنك من ولدي وإنك لمن أحبهم إليَّ، فهل لك علم بالمُخدَج(1).
قال إبراهيم بن المنتشر: أهدى خالد بن عبد الله بن أسيد عامل البصرة إلى عمي مسروق ثلاثين ألفًا وهو يومئذ محتاج فلم يقبلها.
قال أبو إسحاق السبيعي: زوج مسروق بنته بالسائب بن الأقرع على عشرة آلاف لنفسه يجعلها في المجاهدين والمساكين.
قال أبو الضحى: غاب مسروق عاملاً على السلسلة سنتين ثم قدم فنظر أهله في خرجه فأصابوا فأسًا، فقالوا: غبت ثم جئتنا بفأس بلا عود، قال: إنا لله استعرناها نسينا نردها.
وقال الكلبي: شلت يد مسروق يوم القادسية وأصابته آمّة.
قال الشعبي: غشي على مسروق في يوم صائف وكانت عائشة قد تبنته فَسَمّى بنته عائشة، وكان لا يعصى ابنته شيئًا، قال: فنزلت إليه فقالت: يا أبتاه أفطر واشرب، قال: ما أردت بي يا بنية؟ قالت: الرفق، قال: يا بنية، إنما طلبت الرفق لنفسي في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة.
قال إبراهيم بن المنتشر: كان مسروق لا يأخذ على القضاء أجرًا، ويتأول هذه الآية: \"إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم\".
وقال أبو الضحى: سُئل مسروق عن بيت شعر، فقال: أكره أن أجد في صحيفتي شعرًا.
قال مسروق: لأن أفتي يومًا بعدل وحق، أحب إليَّ من أن أغزو سنة.
قال: ما بقي شيء يُرغب فيه إلا أن نعفر وجوهنا في التراب، وما آسى على شيء إلا السجود لله - تعالى -.
قال: كفى بالمرء علمًا أن يخشى الله - تعالى -، وكفى بالمرء جهلاً أن يعجب بعمله.
قال: من سره أن يعلم علم الأولين والأخرين وعلم الدنيا والآخرة فليقرأ سورة الواقعة.
قال الذهبي: هذا قاله مسروق على المبالغة لعظم ما في السورة من جُمل أمور الدارين، ومعنى قوله: فليقرأ الواقعة أي يقرأها بتدبر وتفكر وحضور ولا يكن كمثل الحمار يحمل أسفارًا.
قيل له: أبطأت عن عليٍّ, وعن مشاهده، قال: أرأيتم لو أنه حين صفّ بعضكم لبعض فنزل ملك فقال: ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما أكان ذلك حاجزًا لكم؟ قالوا: نعم، قال: فوالله لقد نزل بها ملك كريم على لسان نبيكم وإنها لمحكمة ما نسخها شيء.
أخذ بيد ابن أخ له فارتقى به على كناسة بالكوفة قال: ألا أريك الدنيا، هذه الدنيا أكلوها فأفنوها، لبسوها فأبلوها، ركبوها فأمضوها (أخلفوها وأبلوها) واستحلوا فيها محارم وقطعوا فيها أرحامهم.
قال - رحمه الله -: ما من شيء خير للمؤمن من لحد قد استراح من هموم الدنيا.
كان يتمثل:
ويكفيك مما أغلق الباب دونه
وأُرخي عليه الستر ملح وجردق
ماء فرات بارد ثم تغتدي
تعارض أصحاب الثريد الملبق
تجشأ إذا ما تجشوا كأنما
غذيت بألوان الطعام المفتق
قال: إني أحسن ما أكون ظنًا حين يقول لي الخادم: ليس في البيت قفيز ولا درهم.
قال: إن المرء لحقيق أن يكون له مجالس يخلو فيها يتذكر ذنونه ويستغفر منها.
قال: لقد اختلفت إلى عبد الله بن مسعود من رمضان إلى رمضان ما أغبه يومًا.
قال أبو الأحوص: سمعت ابن مسعود يقول لمسروق: يا مسروق، أصبح يوم صومك دهينًا كحيلاً وإياك وعبوس الصائمين، وأجب دعوة من دعاك من أهل ملتك ما لم يظهر لك منه معزاف أو مزمار، وصَلّ على من مات منهم، ولا تقطع عليه الشهادة، واعلم أنك لو تلقى الله بأمثال الجبال ذنوبًا خير لك من أن تلقاه- كلمة ذكرها- وأن تقطع عليه الشهادة، يا مسروق وصلّ عليه وإن رأيته مصلوبًا أو مرجومًا فإن سئلتَ فأحل عليَّ وإن سئلتُ أحلتُ على النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال الشعبي: ما كان مسروق يشير على شريح بشيء إلا أطاعه.
قال مسروق: لا تنشر بزّك إلا عند من يبغيه، أي لا تنشر علمك إلا عند من ينتفع به.
قال أبو وائل: لما احتضر مسروق قال: أموت على أمر لم يسنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أبو بكر ولا عمر، أما إني لست أدع صفراء ولا بيضاء إلا ما في سيفي هذا فبيعوه وكفنوني به.
قال مسروق: ما عملت عملاً أخوف عندي أن يدخلني النار من عملكم هذا، وما بي أن أكون ظلمت مسلمًا ومعاهدًا دينارًا ولا درهمًا ولكن بي هذا الحبل الذي لم يسنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا أبو بكر ولا عمر، فقيل له: ما حملك على الدخول فيه؟ قال: لم يدعني شريح وزياد والشيطان حتى أدخلوني فيه.
وفاته: توفي - رحمه الله - تعالى - سنة اثنتين وستين، وقيل ثلاث وستين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد