العبرة من خلق آدم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..

الناس كلهم لآدم، وآدم من تراب، والعوالم في هذا الوجود ثلاث: عالم البشر، وعالم الجن والشياطين، وعالم الملائكة الأبرار. ولكل عالم من هذه العوالم الثلاثة خصائصه، وتنقل لنا الآيات البينات مشهدا مما حدث وكان له علاقة وثيقة بهذا التراث الإنساني على ظهر هذه الأرض، قال - تعالى -: { وَإِذ قَالَ رَبٌّكَ لِلمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجعَلُ فِيهَا مَن يُفسِدُ فِيهَا وَيَسفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحنُ نُسَبِّحُ بِحَمدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعلَمُ مَا لَا تَعلَمُونَ (30) } (البقرة: 30)، والملائكة لا تعلم إلا ما أُعلمت ولا تسبق بالقول.

 

قال ابن زيد وغيره: إن الله - تعالى -أعلمهم أن الخليفة سيكون من ذريته قوم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء، فقالوا لذلك هذه المقالة، إما على طريق التعجب من استخلاف الله من يعصيه، أو من عصيان الله من يستخلفه في أرضه وينعم عليه بذلك، وإما على طريق الإستعظام والإكبارº و ذلك لأن الأرض كان فيها الجن قبل خلق آدم، فأفسدوا وسفكو الدماءº فبعث الله إليهم إبليس فى جند من الملائكة فقتلهم وألحقهم بالبحار ورؤس الجبال، فمن حينئذ دخلته العزة فجاء قولهم: {أَتَجعَلُ فِيهَا} على جهة الأستفهام المحض.

 

قال سعيد بن جبير: إنما سمى آدمº لأنه خلق من أديم الأرض، وإنما سمى إنساناً لأنه نسى. ذكره بن سعد فى الطبقات.

 

قال - تعالى -: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسمَاءَ كُلَّهَا} (البقرة: 31)، قال بن منداد: فى هذه الآية دليل على أن اللغة مأخوذة توقيفاً وأن الله - تعالى -علمها لآدم - عليه السلام - جملة وتفصيلا، كذلك قال بن عباس: علمه أسماء كل شئ حتى الجفنة والمحلب، وقيل: علمه أسماء الأجناس وعرفه منافعها، هذا كذا وهو يصلح لكذا.

 

قال القرطبي: الصحيح أن أول من تكلم بالغات من البشر آدم - عليه السلام - والقرآن يشهد له، قال - تعالى -: {وَعَلَّمَ آَدَمَ الأَسمَاءَ كُلَّهَا} واللغات كلها أسماء فهى داخلة تحته، وبهذا جاءت السنة، قال - صلى الله عليه وسلم -: \"وعلم آدم الأسماء كلها حتى القصعة والقصيعة \"

 

و لما لقصة آدم من ارتباط وثيق بالتراث الإنسانى، ننقل طرفا مما يتعلق بالقصة.

قال الصابونى فى النبوة والأنبياء:

قصة آدم - عليه السلام - هى قصة البشرية بأسرها، و حياته حياة هذا الوجود بأكمله، منذ أراد الله ــ جلت عظمته ــ لهذه الدنيا أن تعمر، ولهذا الوجود أن يظهر، ولهذه الحياة أن تكتمل و تزدان بظهور هذا الإنسان..

 

إنها قصة الحياة كاملة من بدايته إلى نهايتها، قصة الوجود بأجمعه منذ أن ظهرت هذه الكتل البشرية على ظهر هذا الكوكب الأرضي، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وإليه يرجعون، قصة الأحقاب الطويلة، والأجيال التى مرت على هذا العالم فعاشت فيه ثم رحلت عنه مخلفةً وراءها هذا المظاهر والآثار البشرية.. ولسان حالها يقول:

 

تلك آثارنا تدل علينا فانظروا بعدنا إلى الآثار

 

لم يكن خلق آدم من تراب، ثم تناسل ذريته من بعده أمراً عادياً طبيعياً.. إنما هو أمر هام، وخلق عظيم، فيه تجلت مظاهر القدرة الربانية، والعظمة الإلهية التى تقول للشئ كن فيكون، إنه منتهى الإبداع والإعجاز، فإن أهل الأرض لو اجتمعوا على خلق ذبابة أو بعوضة لما استطاعوها، فكيف بإنسان ل عقل وسمع وإدراك!! فتبارك الله أحسن الخالقين، إنها القدرة الإلهية الفائقة التى تجعل من العدم وجوداً، وتجعل من الضعف قوة، و من السكون حركة، ومن الجماد حياة وروحاً، فإذا التراب يتحرك، وإذا الطين يتكلم، وإذا الجماد بشر سوي، فى أجمل صورة وأحسن تقويم {وَمِن آَيَاتِهِ أَن خَلَقَكُم مِن تُرَابٍ, ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ (20) } (الروم 20).

 

هذا هو آدم وهذه ذريته، بل هذه قصته وقصة الخليقة أجمعين، مخلوق يخلقه من طين، ثم يخلق ذريته من ماء مهين، ويستخلف هذه الذرية فى الأرض، ويملكها الوجود، ويجعل هذا الإنسان خليفة عن الله، فإذا بهذا المخلوق يستعلى على ربه، ويريد أن ينازعه فى ملكه، ويتجرإ على عصيان أوامر الله، أليس عجيباً أن ينكر وجود الله من لم يكن بالأمس شيئاً مذكوراً!! أليس عجيبا أن يكفر بنعم الله من وجوده برهان على وجود الله!! وصدق الله حيث يقول رقُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكفَرَهُ (17) مِن أَيِّ شَيءٍ, خَلَقَهُ (18) مِن نُطفَةٍ, خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقضِ مَا أَمَرَهُ (23)} (عبس: 17-23)، يا عجباً ممن ينكر وجود الله، وكل ذرة فى الكون ناطقة بوجوده!!.

 

يا عجبا ممن يكذب بآيات الله، وكل حركة فى الوجود شاهدة بوحدانيته وعظيم قدرته!.

 يا عجبا ممن يغمض عينيه حتى لا يرى نور الشمس الساطع، ويصم أذنيه حتى لا يسمع صوت الكون الرائع!.

 وحقاً كما قال الله - تعالى -: {أَفَلَم يَسِيرُوا فِي الأَرضِ فَتَكُونَ لَهُم قُلُوبٌ يَعقِلُونَ بِهَا أَو آَذَانٌ يَسمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعمَى الأَبصَارُ وَلَكِن تَعمَى القُلُوبُ الَّتِي فِي الصٌّدُورِ (46)} (الحج: 46)، و لله در القائل حيث يقول:

 

فيا عجبا كيف يُعصى الإله***  أم كيف يجحده الجاحد

ولله فى كل تحـريكة      ***    وتسكينة أبداً شـــاهد

وفى كل شئ له آيـــة   *** تدل على أنه واحــد

 

أفليست قصة آدم قصة عجيبة؟.. أفليس وجود هذا الإنسان فى هذا الكون يستدعى منه التبصر والإنتباه؟ أفليس خلقه من تراب وطين يستلزم منه الإيمان واليقين {فَليَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِن مَاءٍ, دَافِقٍ, (6) يَخرُجُ مِن بَينِ الصٌّلبِ وَالتَّرَائِبِ (7) إِنَّهُ عَلَى رَجعِهِ لَقَادِرٌ (8) } (الطارق:5-8).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply