بسم الله الرحمن الرحيم
إن المحبة من أخص خصائص البشر، وإن الله - تعالى -جعل قلوبهم أوعية، فخيرها أوعاها للخير والرشاد، وشرها أوعاها للغي والفساد، وللإنسان عقل يدرك، وقلب يحب، وجسم يتحرك، وحينما يدرك العقل من خلال التفكير الدقيق في خلق السماوات والأرض وما فيهما أن الكون مسخر للإنسان تسخير تعريف وتكريم، فيقوده تفكيره إلى محبة الله - تعالى -، ذلك أن المحبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وثمارها تظهر في القلب واللسان والجوارح، فلا ينبغي للعبد أن يغتر إذا ادعت نفسه محبة الله - تعالى -ما لم يسبر غورها، ويمتحنها بعلامات، ويطالبها ببراهين، ومن تلك العلامات:
1- أن يؤثر ما يحبه الله - تعالى - على ما تحبه نفسه، ويكون ذلك بتجريد النفس عن هواها واتباعها للحق ولو خالف مبتغاها، قال - تعالى -: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى(40) فإن الجنة هي المأوى(41)} [النازعات]، والمحبة إن كانت صادقة أوجبت للمحب تعظيما لمحبوبه يمنعه من الانقياد إلى غيره.
2- أن يكون مواظبا على ذكر الله - تعالى -منشغلا به، فإن من أحب شيئا أكثر من ذكره، قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا (41) وسبحوه بكرة وأصيلا (42)} [الأحزاب]، وأن يتأسف على ما فاته من ذكر الله - تعالى -، ومن طاعته، فإن فاته شيء من ذلك وجد لفواته ألما، أعظم من تألم الحريص على فوات المال، وبادر إلى قضائه في أقرب وقت كما كان يفعل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
3- أن يكون محبا لكلام الله - تعالى -، فإن من المعلوم أن من أحب محبوبا كان كلامه أحب الأشياء إليه، قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: (من أحب القرآن فقد أحب الله).
4- أن يستقل في حق ربه جميع أعماله وأمواله وأقواله، فلا يراها إلا بعين النقص والتقصير، فهو يعلم أنه مهما اجتهد فلن يبلغ من العمل ما يليق بجلال الله - تعالى - وعظمته.
5- أن يكون مواليا للمؤمنين، يحب لهم ما يحب لنفسه، رحيما بهم، بعيدا عن أسلوب الغلظة والجفوة والانتقاص، وعلى العكس يكون شديدا على أعداء الله مبغضا ومعاديا لهم، قال - تعالى -: {أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين} [المائدة: 54]، وليس معنى معاداة الكفار وبغضهم أن يظلمهم أو يعتدي عليهم، فالله - جل وعلا - يقول: {ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8].
6- أن يغار لله، فيغضب لمحارمه إذا انتهكها المنتهكون، ولحقوقه إذا تهاون بها المتهاونون، لا تأخذه في دين الله لومة لائم، ولا يصرفه عن الغضب له صارف.
7- أن يكون صابرا على المكاره، وأعظم الناس محبة أشدهم صبرا، ولهذا وصف الله - تعالى -بالصبر خاصة أوليائه وأحبابه الذين هم الأنبياء والرسل، وأثنى على الصابرين أحسن الثناء حيث قال: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون (177)} [البقرة].
علامات محبة الله للعبد:
إن علامات محبة الله للعبد تكمن فيما يأتي:
1- توفيقه لمرضاة الله وتيسيره إلى الطاعات، وملء قلبه بمعرفته ومهابته وإجلاله، وشغل لسانه وجوارحه بذكر الله وطاعته، كما جاء في الحديث القدسي: (...فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي به.. ) رواه البخاري.
2- تصبح له عند الله منزلة خاصة، فيصبح مجاب الدعوة، فإذا سأل الله شيئا أعطاه، كما في الحديث السابق: (ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه).
3- يكسبه القبول في الأرض، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله إذا أحب عبدا دعا جبريل، فقال: إني أحب فلانا فأحبه قال: فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء فيقول: إن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض). رواه مسلم.
4- يكسبه الله خلق الرفق ولين الجانب واللطف، والأخذ بالأسهل وحسن الصنيع، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله إذا أحب أهل بيت أدخل عليهم الرفق)، وحسن الخلق سبب عظيم لمحبة الله لعبده كما في الحديث: (أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقا).
5- يحميه من الدنيا، فيحفظه من شهواتها لئلا يمرض قلبه بحبها والانشغال بتحصيلها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله - تعالى -ليحمي عبده المؤمن من الدنيا وهو يحبه كما تحمون مريضكم الطعام والشراب تخافون عليه).
6- الخاتمة الحسنة فيموت على عمل صالح، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا أحب الله عبدا أعمله فقيل: وما أعمله؟ قال: يوفق له عملا صالحا بين يدي أجله، وحتى يرضى الله عليه).
ونصل بعد هذا إلى ما يتطلع إليه القارئ الكريم من معرفة أسباب محبة الله - تعالى -ويمكن تلمسها في التالي:
1- قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به.
2- التقرب إلى الله - تعالى -بالنوافل بعد الفرائض.
3- دوام ذكر الله - تعالى -على كل حال باللسان والقلب والعمل.
4- إيثار ما يحبه الله - تعالى -على ما يحبه العبد عند تزاحم المحبتين.
5- التأمل في أسماء الله - تعالى -وصفاته وما تدل عليه من الكمال والجلال.
6- التأمل في نعم الله - تعالى -الظاهرة والباطنة، ومشاهدة بره وإحسانه وإنعامه على عباده.
7- انكسار القلب بين يدي الله - تعالى - وافتقاره إليه.
8- مناجاة الله - تعالى -وقت نزوله في الثلث الأخير من الليل.
9- مجالسة أهل الخير والصلاح والمحبين لله - تعالى -.
10- الابتعاد عن كل سبب يحول بين القلب وبين الله - تعالى - من الشواغل.
إن المحبة هي قوت القلوب، وغذاء الروح، وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، وهي النور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، وهي الشفاء الذي من عدمه حلت عليه الأسقام، وهي اللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، لذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: (ثلاثة من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار). رواه البخاري.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد