كلمات في العقيدة : حقيقة الدنيا ..


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

- تنتابني لحظات أشعر فيها أنني أجري وراء سراب وأبني قصراً من تراب.. هذه الدنيا كلها إلى زوال.. ونحن نفني أعمارنا في تحصيلها واقتنائها.. وفي لحظة سنفوتها إلى دار قرار.. لم نكن نعد لها.. ولم نستعد للانتقال إليها رغم أنه لا خيار لنا في لحظة الانتقال..

هكذا بدأ صاحبي حديثة المؤثر.. وجعلني أشاركه ما يشعر به.. بل أدخلني الحالة التي يمر بها..

- صدقت يا صاحبي.. ولكن ما الخيار؟

 

أجاب على الفور.. ودون تردد..

- الفرار إلى الله.. هو الحل - ففروا إلى الله - عندما يقرأ أحدنا كتاب الله بتدبر.. كما أمرنا الله - عز وجل -.. يجد الحل.. اسمع قول الله - تعالى - القول الحق.. القول العدل.. القول الدائم: - {وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور- }آل عمران: 51، وقوله - تعالى -: - { وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو- }الأنعام: 23.. – {فلا تغرنكم الحياة الدنيا}- لقمان: 33، وقوله عز جل: - {بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى-} الأعلى: 61.. وآيات كثيرة تبين حال الدنيا.. وتكالب معظم الناس عليها.. ومن لا يتدارك نفسه ويلجمها، فإنها تلهث نحو الحياة الدنيا.. ولن تنال من الدنيا ما يشبعها!!

وهكذا يفنى العمر.. وراء الدنيا.. وفي لحظة يجد نفسه في ترحال عن كل ما جمع.. دون خيار.. أو فرصة لإعادة الحسابات.. وكأن كل ما مر به كان حلماً.. فاستيقظ فجأة ليجد نفسه يغادرها دون أن يأخذ منها شيئاً معه يتزود به.. هذه هي الحقيقة.. وغير هذا خيال.

كنا في طريقنا بعد صلاة العشاء لزيارة – بوسعد - أحد اثنين في مسجدنا تجاوزا السبعين.. كان قد تخلف عن حضور الجماعة لأيام بسبب مرض أدخله المستشفى.

 

أعجبني كلام صاحبي..

- أحدنا ينبغي أن يذكر نفسه دائماً.. -أنا في إقامة مؤقتة وسأرحل قريباً - لاسيما إذا فاته شيء من الدنيا.. أو نال غيره ما كان يسعى إليه..

ينبغي أن يتذكر دائماً قول الله - تعالى -: - {لمثل هذا فليعمل العاملون}- الصافات: 11، وذلك بعد أن ذكر الله الجنة ونعيمها وسعادة أهلها أن نجوا من النار..

أما أهل الدنيا فيقول عن الصفقات الكبيرة - لمثل هذا - وللمناصب العليا - لمثل هذا - وللشهرة العريضة - لمثل هذا - نسأل الله العفو والعافية.

كدنا نصل إلى منزل – بوسعد-.. تابع صاحبي حديثه الإيماني..

 - أحدنا يجتهد في النجاح في الدنيا.. بنيل الشهادة.. ووظيفة.. والترقي إلى الأعلى.. وهكذا خلقنا الله.. ولكن أن نتنافس.. بل ونتقاتل على الدنيا.. ونتكالب عليها.. ونمكنها من قلوبنا بحيث تملأ الدنيا القلوب.. جهد في النهار وتفكير في الليل وتخطيط بين هذا وذاك.. ثم ماذا؟ نعم.. ثم ماذا؟ نلت أعلى منصب يمكن أن تناله وجمعت أعظم ثروة يمكن أن تجمعها.. ثم ماذا؟ ثم ستموت وسترى أن لذة الجمع تلاشت.. ومنعة الثراء ذهبت.. وذلك قبل الموت تصبح المقتنيات لا قيمة لها.. وقد هرمت أو عجزت لمرض.. وهذا ربما يستطيع أن يتدارك الأمر قبل وفاته.. ولكن ستكون حسرات على مافات.. لأنه لا يستوي من أفنى عمره يجمع المال.. وينال المناصب مع من أفنى عمره بذكر الله ويدعو إلى مرضاته.. وإن كان من جمع المال جمعه من حلال خالص.. فما بالك بمن شابت أمواله الشبهات.. إن لم تكن محرمات صريحة.. أحياناً أقول..وبصدق - الحمد لله أنني لم أنل ذلك المنصب - و- الحمد لله أن لم يجعلني ممن يلهث وراء المال -..مصيبة أن يفني المرء عمره في جمع الدنيا.. إذا كان أهل الجنة يتحسرون على – اللحظات - التي قضوها في الدنيا دون ذكر الله.. فكيف بمن أفنى عمره يجمع المال ويكثره.. دون ذكر الله.. ولو كان بالحلال؟!

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply