بسم الله الرحمن الرحيم
من كتاب ((صيد الخاطر)) للإمام ابن الجوزي:
إن للخلوة تأثيرات تبين في الجلوة..كم من مؤمن بالله - عز وجل - يحترمه عند الخلوات، فيترك ما يشتهي حذراً من عقابه، أو رجاء لثوابه، أو إجلالاً له، فيكون بذلك الفعل كأنه طرح عوداً هندياً على مَجمَر، فيفوح طيبه، فيستنشقه الخلائق، و لا يدرون أين هو!
و على قدر المجاهدة في ترك ما يهوى تقوى محبته، أو على مقدار زيادة دفع ذلك المحبوب المتروك يزيد الطيب، و يتفاوت تفاوت العود.فترى عيون الخلق تعظم هذا الشخص، و ألسنتهم تمدحه، و لا يعرفون لم و لا يقدرون على وصفهº لبعدهم عن حقيقية معرفته.و قد تمتد هذه الأراييح بعد الموت على قدرها، فمنهم من يذكر بالخير مدة مديدة، ثم ينسى.
ومنهم من يذكر مائة سنة، ثم يخفى ذكره وقبره. و منهم أعلام يبقى ذكرهم أبداً. و على عكس هذا من هاب الخلق، و لم يحترم خلوته بالحق. فإنه على قدر مبارزته بالذنوب، و على قدر مقادير تلك الذنوبº يفوح منه ريح الكراهة، فتمقته القلوب، فإن قَلَّ مقدار ما جنى قَلَّ ذِكرُ الألسن له بالخير، و بقي مجرد تعظيمه. و إن كثر كان قصارى الأمر سكون الناس عنه. لا يمدحونه و لا يذمونه. و رُبَّ خال بذنب كان سبب وقوعه في هوة شِقوة في عيش الدنيا و الآخرة، و كأنه قيل له: ابق بما آثرت. فيبقى أبداً في التخبيط.
قال أبو الدرداء - رضي الله عنه -: إن العبد ليخلو بمعصية الله - تعالى -، فيلقي الله بغضه في قلوب المؤمنين من حيث لا يشعر. فتلمحوا ما سطرته ن و اعرفوا ما ذكرته، و لا تهملوا خلواتكم و سرائركمº فإن الأعمال بالنية، و الجزاء على مقدار الإخلاص.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد