حوار الإنسان مع الشيطان

12.3k
3 دقائق
27 شوال 1428 (08-11-2007)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

قال عبد الله بن آدم: حاورت الشيطان الرجيم، في الليل البهيم، فلما سمعت أذان الفجر أردت الذهاب إلى المسجد.

فقال لي: عليك ليل طويل فارقد.

قلت: أخاف أن تفوتني الفريضة.

قال: الأوقات طويلة عريضة.

قلت أخشى ذهاب صلاة الجماعة.

قال: لا تشدد على نفسَك في الطاعة.

فما قمت حتى طلعت الشمس. فقال لي في همس: لا تأسف على ما فات، فاليوم كله أوقات. وجلست لآتي بالأذكار، ففتح لي دفتر الأفكار.

فقلت: أشغلتني عن الدعاء. قال: دعه إلى المساء.

وعزمت على المتاب. فقال: تمتع بالشباب.

قلت: أخشى الموت. قال: عمرك لا يفوت.

وجئت لأحفظ المثاني، قال: رَوّح نفسك بالأغاني.

قلت: هي حرام. قال: لبعض العلماء كلام.

قلت: أحاديث التحريم عندي في صحيفة. قال: كلها ضعيفة.

ومرت حسناء فغضضت البصر، قال: ماذا في النظر؟

قلت: فيه خطر. قال: تفكر في الجمال، فالتفكر حلال.

وذهبت إلى البيت العتيق، فوقف لي في الطريق، فقال: ما سبب هذه السفرة؟

قلت: لآخذ عمرة.

فقال: ركبت الأخطار، بسبب هذا الاعتمار، وأبواب الخير كثيرة، والحسنات غزيرة.

قلت: لابد من إصلاح الأحوال.

قال: الجنة لا تدخل بالأعمال. فلما ذهبت لألقي نصيحة، قال: لا تجر إلى نفسك فضيحة.

قلت: هذا نفع للعباد. فقال: أخشى عليك من الشهرة وهي رأس الفساد.

قلت: فما رأيك في بعض الأشخاص؟ قال: أجيبك عن العام والخاص.

قلت: أحمد بن حنبل؟ قال: قتلني بقوله: عليكم بالسنة، والقرآن المنـزل.

قلت: فابن تيميـة؟ قال: ضرباته على رأسي باليومية.

قلت: فالبخـاري؟ قال: أحرَق بكتابه داري.

قلت: فالحجـاج؟

قال: ليت في الناس ألف حجاج، فلنا بسيرته ابتهاج، ونهجه لنا علاج.

قلت: ففرعـون؟ قال: له منا كل نصر وعون.

قلت: فصلاح الدين، بطل حطين؟ قال: دعه فقد مرّغنا بالطين.

قلت: محمد بن عبد الوهاب؟

قال: أشعل في صدري بدعوته الالتهاب، وأحرقني بكل شهاب.

قلت: فأبو جهـل؟ قال: نحن له إخوة وأهل.

قلت: فأبو لهـب؟ قال: نحن معه أينما ذهب.

قلت: فلينين؟ قال: ربطناه في النار مع استالين.

قلت: فالمجلات الخليعـة؟ قال: هي لنا شريعة.

قلت: فالـدشـوش؟ قال: نجعل الناس بها كالوحوش.

قلت: فالمقاهــي؟ قال: نرحب فيها بكل لاهي.

قلت: ما هو ذكركم؟ قال: الأغانـي.

قلت: وعملكـم؟ قال: الأمانـي.

قلت: وما رأيكم في الأسـواق؟ قال: علمنا بها خفّاق، وفيها يجتمع الرفاق.

قلت: كيف تضل الناس؟

قال: بالشهوات والشبهات والملهيات والأمنيات والأغنيات.

قلت: وكيف تضل الحكام؟

قال: بالتعطش للدماء، وإهانة العلماء، ورد نصح الحكماء، وتصديق السفهاء.

قلت: فكيف تضل النساء؟

قال: بالتبرج والسفور، وترك المأمور، وارتكاب المحظور.

قلت: فكيف تضل العلماء؟

قال: بحب الظهور، والعجب والغرور، وحسد يملأ الصدور.

قلت: فيكف تضل العامّـة؟

قال: بالغيبة والنميمة، والأحاديث السقيمة، وما ليس له قيمة.

قلت: فكيف تضل التجّـار؟

قال: بالربا في المعاملات، ومنع الصدقات، والإسراف في النفقات.

قلت: فيكف تضل الشباب؟

قال: بالغزل والهيام، والعشق والغرام، والاستخفاف بالأحكام، وفعل الحرام.

قلت: فما رأيك في إسرائيل؟

قال: إياك والغيبة، فإنها مصيبة، وإسرائيل دولة حبيبة، ومن القلب قريبة.

قلت: فالجاحظ؟

قال: الرجل بين بين، أمره لا يستبين، كما في البيان والتبيين.

قلت: فأبو نواس؟

قال: على العين وعلى الرأس، لنا من شعره اقتباس.

قلت: فأهل الحداثـة؟

قال: أخذوا علمهم منا بالوراثة.

قلت: فالعلمانيــة؟

قال: إيماننا علماني، وهم أهل الدجل والأماني، ومن سمّاهم فقد سماني.

قلت: فما رأيك في الدعاة؟

قال: عذبوني وأتعبوني وبهدلوني وشيبوني يهدمون ما بنيتُ، ويقرؤون إذا غنيتُ، ويستعيذون إذا أتيتُ.

قلت: فما فعلتَ بقـارون؟

قال: قلت له: احفظ الكنوز، يا ابن العجوز، لتفوز، فأنت أحد الرموز.

قلت: فماذا قلتَ لفرعـون؟

قال: قلت له: يا عظيم القصر، قل: أليس لي ملك مصر، فسوف يأتيك النصر.

قلت: فماذا قلتَ لشارب الخمر؟

قال: قلت له: اشرب بنت الكروم، فإنها تذهب الهموم، وتزيل الغموم، وباب التوبة معلوم.

قلت: فماذا يقتلك؟

قال: آية الكرسي، منها تضيق نفسي، ويطول حبسي، وفي كل بلاء أمسي.

قلت: فمن أحب الناس إليك؟

قال: المغنّون، والشعراء الغاوون، وأهل المعاصي والمجون، وكل خبيث مفتون.

قلت: فمن أبغض الناس إليك؟

قال: أهل المساجد، وكل راكع وساجد، وزاهد عابد، وكل مجاهد.

قلت: أعوذ بالله منك، فاختفى وغاب، كأنما ساخ في التراب، وهذا جزاء الكذاب.


مقالات ذات صلة


أضف تعليق