بسم الله الرحمن الرحيم
حقيقة النية:
النية: ليست قول القائل بلسانه (نويت)، بل هي انبعاث القلب يجري مجرى الفتوح من الله، فقد تتيسر في بعض الأوقات، وقد تتعذر في بعضها، ومن كان الغالب على قلبه أمر الدين تيسر عليه في أكثر الأحوال إحضار النية للخيرات، فإنّ قلبه مائل بالجملة إلى أصل الخير، فينبعث إلى التفاصيل غالباً. ومن مال قلبه إلى الدنيا وغلبت عليه، لم يتيسر له ذلك بل لا يتيسر له في الفرائض إلاّ بجهدِ جهيد. وعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه). رواه البخاري ومسلم.
روي عن الشافعي أنه قال: \" هذا الحديث ثلث العلم \".
قوله: \" إنما الأعمال بالنيات \" يعني أن صلاح الأعمال الموافقة للسنة بصلاح النية، وهو كقوله - صلى الله عليه وسلم -: \" إنما الأعمال بالخواتيم \"، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: \" وإنما لكل امرئ ما نوى \" يعني ثواب العامل على عمله بحسب النيات الصالحة التي يجمعها في العمل الواحد، وقوله: \" فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه \" بعد إرساء القاعدة الأولى ذَكَرَ مثالاً للأعمال التي صورتها واحدة وتختلف في صلاحها وفسادها.
والنية الصالحة لا تغير المعاصي عن موضعها، فلا ينبغي أن يفهم الجاهلُ ذلك من عموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: \" إنما الأعمال بالنيات \" فيضن أن المعصية تصير طاعة بالنية، فإن قوله - صلى الله عليه وسلم - \" إنما الأعمال بالنيات \" يخص من أقسام العمل الثلاثة: الطاعات، والمباحات دون المعاصي، إذ الطاعة تنقلب معصية بالقصد والمباح ينقلب معصية أو طاعة بالقصد، أما المعصية فلا تنقلب طاعة بالقصد، ودخول النية في المعصية إذا أضيف إليها قصد خبيث تضاعف وزرُها وبالُها.
والطاعات مرتبطة بالنيات في أصل صحتها، وفي تضاعف فضلها، فأما الأصل فهو أن ينوي بها عبادة الله وحده، فإن نوى الرياء صارت معصية، وأما تضاعف الفضل فبكثرة النيات الحسنة. أما المباحات فما من شيء منها إلاّ ويحتمل نية، أو نيات، يصير بها من محاسن القربات، وينال بها معالي الدرجات.
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: \" أفضل الأعمال أداءُ ما افترض الله - تعالى -، والوَرَع عما حرم الله، وصدقُ النية فيما عند الله - تعالى -\".
وقال بعض السلف: \" رُبّ عمل صغير تعظمه النية، وربّ عمل كبير تصغره النية \".
وعن يحيى بن أبي كثير: \" تعلموا النية، فإنها أبلغ من العمل \".
وصح عن ابن عمر أنه سمع رجلاً عند إحرامه يقول: اللهم إني أريد الحج والعمرة فقال له: أتعلم الناس، أوَليس الله يعلم ما في نفسك، وذلك لأن النية هي: قصد القلب، ولا يجب التلفظ بها في شيء من العبادات.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد