بسم الله الرحمن الرحيم
إن ابن عمر قال قلما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه : \" اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ومن اليقين ما تهون به علينا مصيبات الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، وأجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا اكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا \"
قرأت هذا الدعاء فأعجبني، فأخذت أكرره مراراً وتكراراً حتى حفظته، إلا إن عبارة واحدة فيه كانت تستوقفني كلما دعوت به وهي \" ولا تجعل الدنيا أكبر همنا \"
فاستدعيت \" همي \" يوماً من داخل قلبي، حتى أصارحه ويصارحني ويفتيني بما في نفسي....
قلت : يا همي ما هي أصناف الهموم عندكم؟
الهم : عندنا صنفين من الهموم :
1- هم دينوي. 2- وهم أخروي.
وذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : \" من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهى راغمة. ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له.
قلت : وكيف أعرف نفسي، وأقدر همي؟
الهم : تستطيع أن تعرف من العلامات التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم - في نص الحديث.
كما تستطيع أن تعرف من كلام ابن قيم الجوزية - رحمه الله - حين قال : إذا أصبح العبد، و أمسى ليس همه إلا الله وحده :
1. تحمل الله - سبحانه - حوائجه كلها.
2. وحمل عنه كل ما أهمه.
3. وفرغ قلبه لمحبته.
4. ولسانه لذكره.
5. وجوارحه لطاعته.
ثم قال الهم : فهذه علامات من كان همه الله وما عنده : وأما من كان همه الدنيا وما فيها، وكان متعلقاًُ بها يخطط لها ويميل إليها، ويقدمها على الآخرة فإن من علامات معرفة هذا الهم هو :
1. حمله الله هموم الدنيا وغمومها وأنكادها.
2. ووكله إلى نفسه فشغل قلبه عن محبته بمحبه الخلق.
3. ولسانه عن ذكره بذكرهم.
4. وجوارحه عن طاعته بخدمتهم.
5. وإشغالهم فهو يكدح كدح الوحوش.
قلت : وإنني لأشعر أن بي صفات من الجانبين.
الهم : إن شعورك غير صحيح، بل لا يجمع الله همين في قلب المرء، فإما هم الدنيا، أو هم الآخرة، ولكنني أعتقد أنك تريد أن تقول بأنك أحياناً تقصر في علامات الآخرة فتشعر بعلامة من علامات هم الدنيا وهذا تقصير يحصل للإنسان ولكن أن تكون همه الآخرة، كما أوصى الشيخ الكيلاني - رحمه الله - أحد غلمانه قائلاً :
: يا غلام : لا يكن هناك ما تأكل وما تشرب وما تلبس وما تنكح وما تسكن وما تجمع كل هذا هم النفس والطبع، فأين هم القلب؟
همك ما أهمك فليكن همك ربك عزوجل وما عنده.
قلت : أريد أن أسالك سؤلاً ولكني متردد
الهم : لا تردد فقد علمت أنك أخرجتني للمصارحة
قلت : الصراحة، أريد أن تبين لي علامات القلب مهموم الآخرة من ناحية علمية.
الهم : إنه لسؤال جيد ومهم وقد كفانا إجابته الإمام \" المحاسبي \" - رحمه الله - عندما قال واصفاً إياه أنه دائم المحاسبة لنفسه والمراقبة لأفعاله:
\" يحسبه الجاهل صميتاً عيياً، وحكمته أصمتته
ويحسبه الأحمق مهذاراً، والنصيحة لله أنطقته
لا يتعرض لما لا يعينيه، ولا يتكلف فوق ما يكفيه
الناس منه في راحة، وهو من نفسه في تعب
قد أمات بالورع حرصه، وحسم بالتقى طمعه
وأفنى بنور العلم شهواته \"
قلت داعياً : أسال الله أن يوفني لهذه الصفات
ولكن ألا تعتقد أن من كانت فيه هذه الصفات فإنه ينبغي أن يتذكر الله دائماً؟
الهم : نعم هذا صحيح، ولهذا جعل الله عز وجل في اليوم خمس صلوات حتى يكون القلب بين حالتين، إما في الصلاة، أو في انتظار الصلاة، فيعيش دوماً مع الله - تعالى -، فيكون همه لله عز وجل، ولهذا كان من علق قلبه بالمساجد إما في الصلاة أو انتظار الصلاة من أسباب جعله في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -
قلت : سمعتك نكرر كثيراً لفظ الهم الأخروي فماذا تقصد بهذا اللفظ؟
الهم : إن الآخرة تبدأ من القبر وتنتهي بالجنة أو النار، وتستطيع أنت أن تزور القبر كل يوم، بل كل ساعة بقلبك وهمك كما قال المحاسبي - رحمه الله - :
: وزر القبور بهمك، وجل في الحشر بقلبك \"
فهذا هو الهم الأخروي
قلت : وهل تضرب لي مثلاً حياً من مواقف الصالحين في كيفية تفكرهم بالآخرة؟
الهم : نعم فاسمع مني هذه المواقف :
كان ابن سيرين - رحمه الله - إذا ذكر عنده الموت، مات كل عضو فيه يعني من التفكير والتأمل.
وقال إبراهيم اليمني : شيئان قطعا عني لذة الدنيا : ذكر الموت والوقوف بين يدي الله عز وجل.
وقال كعب: من عرف الموت قانت عليه مصائب الدنيا وهمومها.
وكذا كان كثيراً من الصحابة يتفكر في أمر الآخرة، ويكون مهموماً عليها مشتاقاً لها.
قلت : بارك الله فيك.. ولكن أطرد هم الدنيا من قلبي؟
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد