بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين


بسم الله الرحمن الرحيم

 

إن سنة الله التي لا تتبدل ولا تتغير اقتضت أن البناء السليم المتين لابد أن يقوم على دعائم أو ركائز قوية وصلبة حتى تضمن صلابة البناء وسلامته، بل توصلت الدراسات العلمية الحديثة عبر التقنية العصرية المتقدمة إلى صناعة طوب للبناء الحديث يتلاءم مع الظروف البيئية، ويقاوم عوامل التعرية ويظل الإنتاج المتطور ثابتاً لأطول فترة ممكنة، شاهداً للإبداع الإنساني على مر العصور... واقتضت سنة الله كذلك أن يكون بناء النفس البشرية وفق قوانين الشريعة الإسلامية قائماً على ركائز أساسية تعمل على استجلاب النفس الإنسانية إلى محور اتزانها الفطري الذي ينبغي أن يدور حول دائرة العدل وهذه الركائز من شأنها أن تنهض بعمارة الكون الفسيح.

والحاجة إلى تلك الركائز تبدو جلية في بعض المواقف البشرية التي ذكرت في القرآن الكريم، ومن ذلك موقف الحواريين مع عيسى - عليه السلام - حيث ينطق ذلك الموقف المثير بطبيعة نفوس هي أحوج ما تكون إلى تلكم الركائز قال - تعالى -: إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين (112) قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين (113) (المائدة).

ومن سياق الآية الكريمة نفهم أن نفسية الحواريين تريد أن تتجاوز السنن الكونية في مراحل إنتاج الرزق \"الطعام\" التي يتذوق الإنسان من خلالها حلاوة الصبر في رعاية النبات وحلاوة اليقين بنزول المطر من السماء وانتظار ثمرة النبات، فعبارات الحواريين في خطابهم تدل على عدم معرفتهم بحقيقة التوحيد وتدل أيضاً على عدم معرفتهم بسنن الله في إهلاك الأمم الماضية من حيث أن بعض الأمم ثمود مثلاً طلبوا الآيات من أنبيائهم فلما نزلت عليهم كفروا وعاندوا فكانت الآيات وبالاً عليهم.

وهذه النفسية المعوجة هي التي يعتريها دائماً الانحراف العقدي والجمود الفكري في مفاعلة الحياة، وما أشبه نفسيتنا المعاصرة بنفسية الحواريين، وأمثال تلك النفسيات لا يمكن بحال أن ترقى إلى ذرى مكارم الأخلاق إلا بعودتها إلى رحاب بناء قاعدة العدل الشامخة، وهذه القاعدة العظيمة \"العدل\" تعني أن نضع الشيء في موضعه اللائق المناسب، ومن العدل والإنصاف ألا نتجاوز السنن الكونية التي وضعها الباري - جل وعلا - في كل شيء، ومن ذلك عملية الإنبات الزراعي التي تسير حسب ناموس إلهي دقيق يقوم على سنة التدرج المحكمة، قال - تعالى -: فلينظر الإنسان إلى\" طعامه 24 أنا صببنا الماء صبا 25 ثم شققنا الأرض شقا 26 فأنبتنا فيها حبا 27 وعنبا وقضبا 28 وزيتونا ونخلا 29 وحدائق غلبا 30 وفاكهة وأبا 31 (عبس)، وهذا الناموس الإلهي الدقيق يتسق تماماً مع النظم والقوانين التي تحكم سير المشاريع الزراعية الحديثة حيث إن استصلاح الأراضي الزراعية وإنشاء الخزانات وإقامة السدود لا يتحقق بين عشية وضحاها إنما يحتاج إلى وقت طويل، ومن هذا المنطلق كانت تلكم القوانين تسير على نفس المبدأ \"التدرج\" فهي لا تحاول القفز فوق السنن الكونية وإنما تتماشى معها في دائرة المستطاع.

إن ذلك الانسجام الرائع بين السنن الكونية والطاقات البشرية وفق ناموس الله الدقيق الذي يقوم على سنة التدرج يحقق للنفس الإنسانية مبدأ التوازن والاعتدال، وهذا بطبيعة الحال يكفل لها الرفاهية والسعادة والهناء في هذه الحياة، إضافة إلى ذلك فإن تلك القوانين البشرية تكسب الشخص الذي يقوم على تنفيذها وهو المزارع بصفات هي المثل الأعلى في القيم والأخلاق، هذه الصفات هي الصبر واليقين حيث إن المزارع يعتمد على الصبر في متابعة وحماية مزرعته كما أن ظهور ثمار تلك النباتات \"يحتاج إلى مدة زمنية وهذا الانتظار بطبيعة الحال يحتاج إلى صبر ونفس طويل، أما اليقين فيكون بانتظار نزول المطر وترقب موعد قطف الثمار حيث يوقن حينها بقدرة الله الفائقة قال - تعالى -: وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم(البقرة: 22) وقال: ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة (الحج: 63). وعندما تتحقق هاتان الصفتان في شخص ما يتأهل تلقائياً إلى منصب الإمامة في الدين وصدق الله القائل: وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون 24 (السجدة).

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply