عبادة الله أول طرق الاستقامة


بسم الله الرحمن الرحيم

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (و لقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون * والجان خلقناه من قبل من نار السموم) الحجر [26 – 27].

 قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (خلقت الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم) [الألباني 3996].

 

الأخوة والأخوات:

الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه والصلاة والسلام علي رسول الله. لله - عز وجل - في خلقه شئون، ولم يخلق الله شيئا عبثا بل خلق كل شيء وقدره تقديرا، وعندما ينظر المرء إلي خلق الله ويتدبر في مخلوقاته وآياته يجد عجبا عظيما، خلق الله - عز وجل - الملائكة من نور ومنذ أن خلقوا وإلى يوم القيامة هم في نور يتعبدون (وله من في السماوات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون* يسبحون الليل والنهار لا يفترون) [الأنبياء 20 – 19].

وخلق الله الجان من نار (من حرق الصلصال) وبعضهم إلي النار سيعودون وأولهم إبليس الرجيم، الذي لا زال يوسوس في الصدور منذ آدم وحتى أخر الخلق، وخلق الله القدير الإنسان من تراب وهو الأصل، (ومن أسباب تكريم ربنا لنا إننا خُلقنا من قبضة من الأرض والبشر هو الكائن الوحيد الذي نفخ فيه الرحمن من روحة بكل ما فيها من تقوي وروحانية وعبادة وتقوي).

 

وللتراب سيعود حتى إذا ما قامت الساعة طلع مرة أخرى من التراب. وبعدما خلق آدم وهو المخلوق من طين أمر الله ملائكة النور السجود له وهذا إن دل على شيء فهو يدل علي تكريم الله - عز وجل - لآدم وذريته من بعده (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) [البقرة 34]، سبحان الله كان أولى بالملائكة المخلوقين من نور أن يستكبروا ولكن من رفض السجود لآبينا كان إبليس اللعين، ثم وإن كانت الملائكة تسبح الله ليلا ونهارا فأولى بمن كرمنا الله عليهم، نحن بني آدم، أن نقوم الليل ونصوم النهار ونشكر الله علي نعمه وأولهم الإسلام وكفي بها من نعمة وأن نتذلل له طالبين الغفران من ذنوب أثقلت ظهورنا وأن نبكي خائفين مذنبين بدلا من المراءاة والتفاخر بأننا نعرف الله ونثق به ونحن أبعد ما نكون منه القهار.

 

ولنعرف لم خلقنا جميعا أعود إلى سؤال عن الحكمة من خلق الجن والأنس والملائكة أجد إجابة الشيخ محمد العثيمين وافية أوجزها لكم فيما يلي:

 

قبل أن أتكلم عن هذا السؤال أحب أن أنبه على قاعدة عامة فيما يخلقه الله - عز وجل - وفيما يشرعه وهذه القاعدة مأخوذة من قوله – تعالى -: (و هو العليم الحكيم) [التحريم 20]، وغيرهما من الآيات الكثيرة الدالة علي إثبات الحكمة لله - عز وجل - فيما يخلقه وإذا تقرر لنا هذا نقول أن الله - سبحانه وتعالى - خلق الجن والأنس لحكمة عظيمة وغاية حميدة وهي عبادته - تبارك وتعالى - كما قال: (وما خلقت الجن والأنس إلا ليعبدون) [الذاريات 56].

والعبادة هي التذلل لله - عز وجل - محبة وتعظيما بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، علي الوجه الذي جاءت به شرائعه. (فتاوي العقيدة،محمد العثيمين).

 

إذن فالعبادة والتقوى إخوتي في الله هي أن يجدك الله حيث أمرك ولا يجدك حيث نهاك، وإذا ما توقفنا قليلا لنقارن بيننا وبين الملائكة في العبادة نجد أنهم في يوم القيامة وعندما ينفخ إسرافيل في الصور وتزفر جهنم زفرة يخر الملائكة منها سجدا لله - جل وعلا - ويقولون: (سبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك) يا لله! يا لهفي وخوفي على بني آدم وعلى حالهم... الملائكة الكرام التي منذ خلقت لم تفعل شيئا سوى عبادة الله يقولون أنهم لم يوفوا الله حقه،فكيف بنا نحن بنو آدم؟؟ كيف سيكون حالنا يوم الفزع الأكبر؟ هل سنظل كما نحن نتفاخر فيما بيننا بأنساب وأموال وبنين ومعيشة مرفهة أنستنا الله ودينه الحنيف؟ وإذا كان هذا حال الملائكة وعبادتهم فأين عبادتنا نحن؟ وأين ذكر الله والإيمان والتوحيد وأين الخوف من الله ومن غضبه وأين الخجل من لقاء الله وقلوبنا عليها أقفال مغلفة بقسوة عجيبة.؟؟وفي كتاب إلى الذين أسرفوا على أنفسهم قرأت ما جعلني أخاف الله أكثر وأخشى ذنوبي:

(ولننظر إلي حال خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - حينما مرض فقالوا: ماذا تشتكي؟ قال: أشتكي ذنوبي.... أبو بكر يشتكي ذنوبه وهو الذي أنفق ماله ودمه ودموعه وروحه ونفسه وليله ونهاره في نصرة لا إله إلا الله وأحدنا معرض تماماً عن الصلاة، ومع ذلك يقول: الناس في خير، والله غفور رحيم، والدين يسر. هذا هو إسلام المرجئة وإيمان المرجئة، وهذا ما لا يقبله الإسلام بحال...

قالوا: ألا ندعو لك طبيبا؟

قال: الطبيب قد رآني.

قالوا: ماذا قال لك الطبيب؟

قال: إني فعال لما أريد!!

كيف أشكو إلي طبيبي ما بي والذي قد أصابني من طبيبي!

 

إخوتي في الله قد آخذ أياما وليالي طوال متحدثة عن عيوبنا في هذا الزمان ولكنني لن أتحدث طويلا فما كتبته يكشف لكل من له عقل سليم وقلب محب لله القدير ما بنا من نقائض وعيوب وأتمنى أن نحاول جميعا الاقتراب من الله – عز وجل - حتى ننهض بهذه الأمة من سباتها، أمة محمد التي كانت خير أمة، أين نحن من تلك الأمة الآن؟ ضعف وهوان وتراخي واحتلال واغتصاب وقتل وتهاون! أين المسلمين من كل هذا؟؟ سبحان الله... كي يرضى الله عنا جميعا ويرحمنا لا بد وأن تقرب إليه متزلفين خاضعين معترفين بذنوب ارتكبناها سرا وعلانية، تقربوا إلي الله قبل أن تمضي بنا الأيام وتضمنا اللحود ثم نقف أمام الله عرايا يملؤنا الخجل والذنوب وحينها لن يكون هناك رجاء أو أمل في عودة وإصلاح.. لقد كان رسولنا الكريم يتعبد ويحمد الله ويشكره ويصلي ويصوم النوافل وهو الذي غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخروا أعطاه الله نهر الكوثر والوسيلة والدرجة العالية الرفيعة من الجنة وكان يقول: \"أفلا أكون عبدا شكورا\".! فما بالنا نحن، خلقنا الله لغاية واحدة هي العبادة والشكر ومع الأسف لا عبادة ولا شكر ولا حمد بل نعيش مطمئنين بصورة عجيبة قانعين بالحياة ولا نشعر بأن الموت ملاقينا. إخوتي في الله استمعوا إلي رسولكم الكريم وهو يقول: أتاني جبريل فقال يا محمد! عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس. صدق رسول الله.... الألباني.

 

في النهاية علينا أن نسأل أنفسنا هل سنتغير؟ هل سنحاول الاقتراب من الله - عز وجل - بالفروض والنوافل وقيام الليل والابتعاد عن أصدقاء السوء؟ اللهم قربنا منك اللهم قربنا منك اللهم قربنا منك ووفقنا لما تحبه وترضاه، اللهم صلي علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. ألا هل بلغت؟ اللهم فاشهد.

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply