فإن المعاصي تزيل النعم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

كانت اعتماد الرميكية أم أولاد المعتمد بن عباد (أحد أعظم ملوك الأندلس) عاشت معه في رفاهية وعز فاق الوصف وحظيت عنده حتى كان لا يرد لها طلبا..  وفي يوم من الأيام رأت نساء من البادية يبعن اللبن وقد شمرن عن سوقهن يخضن في الطين فقالت اعتماد: اشتهي أن أفعل أنا وبناتي كفعل هؤلاء البدويات.

 

فما كان من ابن عباد إلا أن بادر إلى تلبية طلبها ولكن بطريقة البذخ والتبذير المفرطة التي كلفت خزينة دولته أموالاً طائلة حيث أمر بالعنبر والمسك والكافور فسحق بماء الورد ليكون في هيئة الطين وأحضر القرب والحبال لاعتماد وبناتها فحملن القرب والحبال ورفعن عن سوقهن وخضن في طين العنبر والمسك والكافور. ولم يدم الأمر طويلاً حتى انقلبت الأمور على ابن عباد فطرد من الأندلس شر طرده ونزل مراكش ذليلاً خائفاً يترقب مسلوب الملك والجاه وأراه الله وبال فعله في الدنيا حيث رأى بعينيه اعتماد وبناتها يكشفن عن سوقهن ليخضن في الطين في ثياب ذل ومهانة فقال:

 

يطأن في الطين والأقدام حافية *** كأنها لم تطأ مسكا وكافورا

 

فقالت له اعتماد: ما رأيت منك خيراً قط فقال لها: ولا يوم الطين؟ فسكتت.

هذا الأنموذج الذي بين أيدينا يرينا عاقبة التبذير الوخيمة وان الدنيا لا تدوم على حال وأن الله - تعالى - قد يعاقب المبذر في الدنيا بجنس عمله كما وقع لابن عباد وجاريته وبناته وأعظم عقاب للمبذر في الدنيا أن يسلبه الله - تعالى - نعمته التي يتقلب فيها وهذا من أشد الأمور على النفس لأن العيش في فقر لم يسبقه غنى يخفف من حدة الفقر وشدته أما أن يكون الإنسان غنيا ثم يفتقر فإن الأمر أشد حيث سيعاني الإنسان حينئذ من ثلاثة آلام:

الأول ألم الفقر،

والثاني ألم فقد النعمة التي ألف العيش فيها،

والثالث ألم عدم الرضا بوضعه الجديد حيث سيعيش على أمل أن يعود إلى ما كان فيه من غنى

وهذه الآلام شديدة على النفس حتى قيل:

أنه قل أن يعيش معها إنسان إلا قتلته بالهم والغم والكمد.

 

وهذا درس عظيم لكل صاحب نعمة في بدن أو مال أن عليه أن يرعاها ويستعملها في مرضاة ربه.

 

وقد قيل:

إذا كنت في نعمة فارعها * * * فان المعاصي تزيل النعم

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply