بسم الله الرحمن الرحيم
التقوى:
كلمة شديدة الأهمية لكثرة ورودها في القرآن وضرورة الالتزام بها وفهمها جيداً،وهي كلمة (التقوى) التي أظن أن معناها القرآني لم يُفقه بدقة.فكلمة (تقوى) الله تفسّر بشكل حرفي أنها من الفعل (وقى) الذي من معانيه الستر والصون والحذر (وقاية).
يقول الأصفهاني: التقوى جعل النفس في وقاية مما يخاف هذا تحقيقه، ثم يسمى الخوف تارة تقوى، والتقوى خوفا حسب تسمية مقتضى الشيء بمقتضيه والمقتضي بمقتضاه، وصار التقوى في تعارف الشرع حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بترك المحظور (من:مفردات ألفاظ القرآن،للأصفهاني.)
فتكون تقوى الله الحذر والخوف منه وتجنب غضبه وكأننا نتقي غضبه وبطشه بطاعته وبرضاه.وهذا الاتجاه لا يبدو صائباً.ولكي نعرف معنى التقوى الحقيقي يجب العودة للماضي السحيق الذي وجدت فيه الأصول اللغوية الأولى لكلمة تقوى.
في النقوش القديمة لجزيرة العرب جاء الأمر الملكي كفعل بصيغة (وقه).والإئتمار بصيغة (إتقه).وكاسم بصيغ مثل: قهت (قاهة/قيهة)، قهي،وقهة.
في كتاب النبي لأهل نجران: لا يحرك راهب عن رهبانيته ولا واقه عن وقاهيته.قال ابن بري:القاه مقلوب من الوقه. وفي اللسان الوقه الطاعة. وهذا غريب،فالقرآن يذكر الطاعة بكلمة (تقوى) (بوزن:تفعل/تفعال). كما أنها ترد في لسان العرب القديم (النقوش) بمعنى الأمر.ففعل وقه=أمر، وفعل إتقه=إإتمر.ومنها التقوى = الإئتمار والطاعة.
والأوامر تأتي من الخالق أو أنبيائه أو أولياء الأمر.ونجد كلمة (وقه/وقى) تأتي بصيغة أخرى أقرب للأصل وهي (وصى).فالوصاية والتوصية أصلها القول والأمر.ونفترض قول فعل (إإتمر) من (وصى)، فسيكون (إتّصي) وهي نفس (إتّقي).كذلك وجّه (توجيهات كلام) سيكون المنفذ متّجه (إتّجه).والوازع من وزع =أمر، وجّه.ومنها (إتّزع).فالمأمور سيكون متّزع (بنفس وزن متقي).
وهكذا.فالأفعال:وقا (وقى،وقه)،وصا،وزع،وجّه تبدو من أصل واحد ولكن بلغات عدّة.
من ذلك يتبين أن الفعل (وقه) كان يعني أمر إلهي أو ملكي أو حتى أمر عام.والهاء في (وقه) ليست سوى تخفيف للهمزة بسبب لهجة العرب القديمة من الأصل (وقى/ وقأ) (مثل:حكى=قال)،كما في (القاه) من أصل (قاء).وهذا الفعل (وقه/وقأ/وقى) ومصدره (قاه، قاهة). فكلمة (وقه) القديمة تكافئها كلمة (وقى) الفصيحة. وهذه الكلمة وجد أقدم تدوين لها بالنصوص المصرية بلفظها البسيط (قا) التي من معانيها الأمر الإلهي أو الملكي.
وبالتالي فإن معنى التقوى هو (الإئتمار) بكلام الله أي (الطاعة).فمعنى إتقي الله أي (إئتمر) لله.
والتقوى هي الإئتمار عموماً.فالتقوى هي الالتزام بالأمر(القاه) وتنفيذه.وقد ارتبط (القاه) بالأمر العالي والسامي.
ونجد أن كلمة (وعظ) أصلها الأمر وليس النصح.فكلمة وعظ تبدو لهجة في وصى.كما يقال إتّعظ مثل إتّقى.
لمزيد من التفصيل:أنظر كتاب (نشوء البيان) ص 93.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد