دموع التوبة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن ولاه وبعد:

 

أخي المؤمن سدد الله خطاك: ها هي أيام العمر تمضي (وَتِلكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ النَّاسِ) (آل عمران: من الآية140)، تجري مسرعة،تسحب معها السنين وتجر خلفها الأعوام تحمل سجل أعمالنا إلى الله الملك الديان، يا ترى ماذا تكون الخواتيم؟ يجيب ربنا تبارك و - تعالى - ويقول)إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيثَ وَيَعلَمُ مَا فِي الأَرحَامِ وَمَا تَدرِي نَفسٌ مَاذَا تَكسِبُ غَداً وَمَا تَدرِي نَفسٌ بِأَيِّ أَرضٍ, تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (لقمان:34) رحلة الحياة تسلمنا إلى عالم البرزخ ثم إلى الحساب) وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ المُسرِفِينَ هُم أَصحَابُ النَّارِ)(غافر: من الآية43)

 

ويا ويح نفسي من نهار يقودها   إلى عسكر الموتى وليل يذودها

 

أخي الحبيب: تعال واقترب مني فأنا أحبك ولك والله ناصح، تعال لنبكي سويا ونتوب، فو الله أحرقتنا الذنوب واكتوينا بنارها وحجبتنا بشؤمها عن ربنا المعبود، فهلا من هجرة إلى الله علام الغيوب؟! أخي قل بالله عليك متى نتوب؟

 

يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب  حتى عصى ربه في شهر شعبان

 

لقد أظلك شهر الصوم بعدهما   فلا تصيره أيضا شهر عصيان

 

واتل القرآن وسبح فيه مجتهدا  فإنه شهر تسبيح وقرآن

 

كم كنت تعرف ممن صام في سلف   من بين أهل وجيران وإخوان

 

أفناهم الموت واستبقاك بعدهمو  حيا فما أقرب القاصي من الداني

 

أخي الحبيب: والله عندما تظلم بنا دروب الحياة ويشعر الواحد منا بالهلاك ويشتعل في كياننا الحريق تتزل على قلوبنا آيات الله الندية يفسح أمامنا باب الأمل والرجاء باب الرحمة الواسعة، وها هو ربنا - جل وعلا - ينادينا، إصغ أخي بقلبك وروحك إلى عفو الله وكرمه(قُل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِم لا تَقنَطُوا مِن رَحمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغفِرُ الذٌّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53) إنها الرحمة الواسعة التي تسع كل معصية كائنة ما كانت، إنها الدعوة إلى الأوبة، دعوة العصاة المسرفين في تيه الضلال إلى الأمل والرجاء والثقة بعفو الله، أخي إن الله يعلم ضعفنا، هيا إلى التوبة، فالباب مفتوح قبل أن يغلق بساعة من ليل أو نهار، فيفاجئك هازم اللذات ومفرق الجماعات، هيا قد تشرف شمس العمر على الغروب، هيا بدون يأس أو قنوط فإنك يا عبد الله لم تخلق ملكا مطرا ولا بشرا معصوما وإنما أنت تتنازعك قوى الخير وقوى الشر، وتتغلب عليك شهوات الجسد تارة فتخلد إلى الأرض، فما عليك إلا أن تصحح أخطاؤك وتعالج أمراضك وتغسل نفسك بدموعك، قال - صلى الله عليه وسلم - \" ــ إن الله - تعالى - يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها. \"تخريج السيوطي (حم م) عن أبي موسى. تحقيق الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 1871 في صحيح الجامع.

 

أخي الحبيب: الله - سبحانه وتعالى - يحضنا جميعا على التوبة ويقول ابن كثير في تفسير هذه الآية \" قل يا عبادي الذين أسرفوا …….\" (هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة وإخبار بأن الله تبارك و - تعالى - يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر ……، قال البخاري:………… عن ابن عباس - رضي الله عنه - أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا فأتوا محمدا - صلى الله عليه وسلم - فقالوا إن الذي تقول لحسن لو تخبرنا أن لما عملناه كفارة، فنزل (والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ……)، ونزل (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله …….)، رواه مسلم وأبو داود والنسائي، …… والمراد أنه يغفر جميع ذلك مع التوبة ولا يقنطن عبد من رحمة الله وإن عظمت ذنوبه وكثرت، فإن باب الرحمة والتوبة واسع) أهـ ابن كثير ج3ص60.

 

أخي الحبيب: هذا حال التائبين يا عبد الله قال - تعالى –: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَو ظَلَمُوا أَنفُسَهُم ذَكَرُوا اللَّهَ فَاستَغفَرُوا لِذُنُوبِهِم وَمَن يَغفِرُ الذٌّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَم يُصِرٌّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُم يَعلَمُون * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُم مَغفِرَةٌ مِن رَبِّهِم وَجَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعمَ أَجرُ العَامِلِينَ) (آل عمران: 135،136).

 

أخي: لابد من التوبة على الفور وعدم التسويف، فعدوك يا عبد الله ((سوف))، قال - تعالى -: (إِنَّمَا التَّوبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعمَلُونَ السٌّوءَ بِجَهَالَةٍ, ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ, فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيهِم وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:17)، ومن إحكام التوبة يا عبد الله أن تتبعها بالعمل الصالح)وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهتَدَى) (طـه:82).

 

أخي الحبيب: ليس لنا إلا الله الغفار، واصغ بقلبك إلى هذا الحديث القدسي فيما يرويه النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - عَن اللَّهِ - تَبَارَكَ وَتعالى - \" قال الله - تعالى -: يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي و جعلته محرما بينكم فلا تظالموا يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدون أهدكم يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعمون أطعمكم يا عبادي! كلكم عار إلا من كسوته فاستكسون أكسكم يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل و النهار و أنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني و لن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي! لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي! لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي! لو أن أولكم و آخركم و إنسكم و جنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله و من وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه. \" تخريج السيوطي (م) عن أبي ذر. تحقيق الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 4345 في صحيح الجامع. فإذا ما آب العبد لله ورجع إليه بدل الله سيئاته حسنات، قال - تعالى -: (وَالَّذِينَ لا يَدعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقتُلُونَ النَّفسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلا يَزنُونَ وَمَن يَفعَل ذَلِكَ يَلقَ أَثَاماً * يُضَاعَف لَهُ العَذَابُ يَومَ القِيَامَةِ وَيَخلُد فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِم حَسَنَاتٍ, وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:69،68،70)، وأثلج قلبي والله هذا الحديث الصحيح َ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - \" ــ إني لأعرف آخر أهل النار خروجا من النار و آخر أهل الجنة دخولا الجنة رجل يؤتى به يوم القيامة فيقال: اعرضوا عليه صغار ذنوبه و ارفعوا عنه كبارها فيقال له: عملت يوم كذا و كذا كذا و كذا و عملت يوم كذا و كذا كذا و كذا فيقول: نعم لا يستطيع أن ينكر و هو مشفق من كبار ذنوبه أن تعرض عليه فيقال له: فإن لك مكان كل سيئة حسنة فيقول: يا رب عملت أشياء لا أراها هاهنا. \" تخريج السيوطي (حم م ت) عن أبي ذر. تحقيق الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 2485 في صحيح الجامع.

 

أخي الحبيب: ولا تقبل التوبة حتى تكون نصوحا قال - تعالى -: (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبٌّكُم أَن يُكَفِّرَ عَنكُم سَيِّئَاتِكُم وَيُدخِلَكُم جَنَّاتٍ, تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ يَومَ لا يُخزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُم يَسعَى بَينَ أَيدِيهِم وَبِأَيمَانِهِم يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتمِم لَنَا نُورَنَا وَاغفِر لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, قَدِيرٌ) (التحريم:8)، يقول ابن كثير: قال العلماء:التوبة النصوح هو أن يقلع عن الذنب في الحاضر ويندم على ما سلف منه في الماضي، ويعزم على ألا يفعل في المستقبل ثم إن كان الحق لآدمي رده إليه بطريقه \" أهـ ابن كثير ج4ص392.

 

وقال \" (عمر بن الخطاب وأبي بن كعب - رضي الله عنهما - التوبة النصوح أن يتوب من الذنب ثم لا يعود إليه كما لا يعود اللبن إلى الضرع، وقال الحسن البصري: هي أن يكون العبد نادما على ما مضى مجمعا على ألا يعود، وقال الكلبي: أن يستغفر باللسان ويندم بالقلب ويمسك بالبدن، وقال سعيد بن المسيب، توبة نصوحا تنصحون بها أنفسكم، وقال محمد بن كعب القرظي،: يجمعها أربعة أشياء الاستغفار باللسان والإقلاع بالأبدان وإضمار ترك العود بالجنان ومهاجرة سيئ الإخوان) ج1تهذيب مدارج السالكين ص283.

 

وتوبة العبد لله محفوفة بتوبة من الله عليه قبلها وتوبة منه بعدها فتوبته توبة بين توبتين من ربه سابقة ولاحقة قال - تعالى -) ثُمَّ تَابَ عَلَيهِم لِيَتُوبُوا)(التوبة: من الآية118)، أخي المؤمن: (إن حقيقة التوبة الرجوع إلى الله بالتزام فعل ما يحب وترك ما يكره فهي رجوع من مكروه إلى محبوب، لهذا علق - سبحانه - الفلاح المطلق على فعل المأمور وترك المحظور بها، فقال - سبحانه وتعالى -) وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيٌّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ)(النور: من الآية31)، فكل تائب مفلح وكل عاص ظالم) وَمَن لَم يَتُب فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)(الحجرات: من الآية11) فالناس تائب أو ظالم ليس إلا، فالتائبون هم)التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالمَعرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ_ وَبَشِّرِ المُؤمِنِينَ) (التوبة:112) تهذيب مدارج السالكين بتصرف.

 

أخي المؤمن: اعلم يا عبد الله أن التوبة أول المنازل وأوسطها وآخرها، فهي منزلة لا يفارقها العبد السالك إلى الله حتى الممات، وأكثر الخلق لا يعرفون قدر التوبة ولا حقيقتها فضلا عن القيام بها علما وحالا، ولم يجعل الله محبته للتوابين إلا وهم خواص الخلق لديه، فها هم أنبياء الله المعصومون قد لهجوا بها يجأرون إلى الله تائبين، لأن الله - تعالى - غافر الذنب وقابل التوب، كيف لا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لَو أَنَّكُم لَم تَكُن لَكُم ذُنُوبٌ يَغفِرُهَا اللَّهُ لَكُم لَجَاءَ اللَّهُ بِقَومٍ, لَهُم ذُنُوبٌ يَغفِرُهَا لَهُم \" رواه مسلم، وقال - تعالى - مثنيا على أنبيائه (فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَبِّهِ كَلِمَاتٍ, فَتَابَ عَلَيهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:37)، وقال مادحا له لمسارعته للتوبة)ثُمَّ اجتَبَاهُ رَبٌّهُ فَتَابَ عَلَيهِ وَهَدَى) (طـه:122)، وعن إبراهيم وإسماعيل - عليهما السلام - قال - عز وجل -: (رَبَّنَا وَاجعَلنَا مُسلِمَينِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُب عَلَينَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (البقرة:128)، وقال عن دواد - عليه السلام -: (وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاستَغفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ * فَغَفَرنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلفَى وَحُسنَ مَآبٍ,) (صّ:24،25)، وقال عن موسى - عليه السلام -) قَالَ سُبحَانَكَ تُبتُ إِلَيكَ وَأَنَا أَوَّلُ المُؤمِنِينَ)(لأعراف: من الآية143).

 

أخي الحبيب: إن الله يقبل تو بة التائبين، فهو عليم بحالهم، لكن أين من يبكي جنايات الشباب التي بها والله اسود الكتاب؟ أين من يأتي إلى الباب يجد الباب مفتوحا؟ يا من سوف بالمتاب حتى الشباب!! ويا من ضيع في الغفلة أيام الشباب!! يا مطرودا بذنوبه عن الباب، إذا كنت في الشباب غافلا وفي المشيب مسوفا، متى تقف على الباب؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - \" ــ لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه و عليها طعامه و شرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي و أنا ربك! أخطأ من شدة الفرح \". تخريج السيوطي

 

 (م) عن أنس. تحقيق الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 5030 في صحيح الجامع.

 

يا عبد الله إنها رحمة الله الواسعة \" ورحمتي وسعت كل شئ \"، إصغ بقلبك إلى المصطفى الذي يبين لنا سعة عفو الله الجليل \" أسرف رجل على نفسه فلما حضره الموت أوصى بنيه فقال: إذا أنا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم اذروني في البحر فوالله لئن قدر علي ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا ففعلوا ذلك به فقال الله للأرض: أدي ما أخذت فإذا هو قائم فقال: ما حملك على ما صنعت؟ قال خشيتك يا رب فغفر له بذلك. \" تخريج السيوطي (حم ق) عن أبي هريرة. تحقيق الألباني (صحيح) انظر حديث رقم: 965 في صحيح الجامع.، قال الإمام النووي - رحمه الله - ملخصه: \" أنه لا يصح حمل هذا الحديث على أنه نفى قدرة الله فإن الشاك في قدرة الله - تعالى - كافر، وقد قال في آخر الحديث إنه فعل هذا من خشية الله - تعالى - والكافر لا يخشى الله - تعالى - ولا يغفر له، أهـ ج17ص70 شرح النووي.

 

أخي جعلك الله ذخرا للإسلام والمسلمين لا تيأسن إن كنت ذا ذنوب، فالله غفار للذنوب لمن يتوب، وأضع بين يديك هذه البشرى من الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، فِيمَا يَحكِي عَن رَبِّهِ - عز وجل - قَالَ أَذنَبَ عَبدٌ ذَنبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغفِر لِي ذَنبِي فَقَالَ - تَبَارَكَ وَتعالى - أَذنَبَ عَبدِي ذَنبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ وَيَأخُذُ بِالذَّنبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذنَبَ فَقَالَ أَي رَبِّ اغفِر لِي ذَنبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَ - تعالى - عَبدِي أَذنَبَ ذَنبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ وَيَأخُذُ بِالذَّنبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذنَبَ فَقَالَ أَي رَبِّ اغفِر لِي ذَنبِي فَقَالَ - تَبَارَكَ وَتعالى - أَذنَبَ عَبدِي ذَنبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغفِرُ الذَّنبَ وَيَأخُذُ بِالذَّنبِ اعمَل مَا شِئتَ فَقَد غَفَرتُ لَكَ قَالَ عَبدُ الأَعلَى لَا أَدرِي أَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَو الرَّابِعَةِ اعمَل مَا شِئتَ \" رواه مسلم.

 

أخي الحبيب: إن التائبين كاتبوا الله بدموعهم، التائب منكسر القلب غزير الدمع، التائب حي الوجدان، التائب جياش الفؤاد، في وجهه بأس وفي دمعه مدرارا، التائب لا يلعب.. لا يغفو..لا يلهو … له في كل واقعة، إذا غرد الحمام بكى وإذا الطير صاح وإذا شذا البلبل تذكر، التائب يجد للطاعة حلاوة وللعبادة طلاوة، يكتب من الدموع قصصا، وينظم من الآهات أبياتا ويؤلف من البكاء خطبا، لو رأيت التائب رأيت جفنا مقروحا، تبصره في الأسحار على باب الاعتذار مطروحا سمع قول الله \" توبوا إلى الله توبة نصوحا \"، أنحل بدنه الصيام،وأتعب بدنه القيام، فهجر المنام تقربا إلى الرحمن، ولقد زخرت الأحاديث الكثيرة في السنة في ذكر التوبة والتائبين ترغيبا لعباد الله الآيبين إلى الله، أن تعالوا فربكم غفار للذنوب، عَن أَبِي سَعِيدٍ, الخُدرِيِّ عَن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ تِسعَةً وَتِسعِينَ نَفسًا فَجَعَلَ يَسأَلُ هَل لَهُ مِن تَوبَةٍ, فَأَتَى رَاهِبًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَيسَت لَكَ تَوبَةٌ فَقَتَلَ الرَّاهِبَ ثُمَّ جَعَلَ يَسأَلُ ثُمَّ خَرَجَ مِن قَريَةٍ, إِلَى قَريَةٍ, فِيهَا قَومٌ صَالِحُونَ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعضِ الطَّرِيقِ أَدرَكَهُ المَوتُ فَنَأَى بِصَدرِهِ ثُمَّ مَاتَ فَاختَصَمَت فِيهِ مَلَائِكَةُ الرَّحمَةِ وَمَلَائِكَةُ العَذَابِ فَكَانَ إِلَى القَريَةِ الصَّالِحَةِ أَقرَبَ مِنهَا بِشِبرٍ, فَجُعِلَ مِن أَهلِهَا \" رواه مسلم والبخاري.

 

أخي، وفي قصة ماعز والغامدية كل عبرة لكل تائب وتائبة عن عَبدُ اللَّهِ بنُ بُرَيدَةَ عَن أَبِيهِ أَنَّ مَاعِزَ بنَ مَالِكٍ, الأَسلَمِيَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَد ظَلَمتُ نَفسِي وَزَنَيتُ وَإِنِّي أُرِيدُ أَن تُطَهِّرَنِي فَرَدَّهُ فَلَمَّا كَانَ مِن الغَدِ أَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَد زَنَيتُ فَرَدَّهُ الثَّانِيَةَ فَأَرسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى قَومِهِ فَقَالَ أَتَعلَمُونَ بِعَقلِهِ بَأسًا تُنكِرُونَ مِنهُ شَيئًا فَقَالُوا مَا نَعلَمُهُ إِلَّا وَفِيَّ العَقلِ مِن صَالِحِينَا فِيمَا نُرَى فَأَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَأَرسَلَ إِلَيهِم أَيضًا فَسَأَلَ عَنهُ فَأَخبَرُوهُ أَنَّهُ لَا بَأسَ بِهِ وَلَا بِعَقلِهِ فَلَمَّا كَانَ الرَّابِعَةَ حَفَرَ لَهُ حُفرَةً ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ قَالَ فَجَاءَت الغَامِدِيَّةُ فَقَالَت يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي قَد زَنَيتُ فَطَهِّرنِي وَإِنَّهُ رَدَّهَا فَلَمَّا كَانَ الغَدُ قَالَت يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ تَرُدٌّنِي لَعَلَّكَ أَن تَرُدَّنِي كَمَا رَدَدتَ مَاعِزًا فَوَاللَّهِ إِنِّي لَحُبلَى قَالَ إِمَّا لَا فَاذهَبِي حَتَّى تَلِدِي فَلَمَّا وَلَدَت أَتَتهُ بِالصَّبِيِّ فِي خِرقَةٍ, قَالَت هَذَا قَد وَلَدتُهُ قَالَ اذهَبِي فَأَرضِعِيهِ حَتَّى تَفطِمِيهِ فَلَمَّا فَطَمَتهُ أَتَتهُ بِالصَّبِيِّ فِي يَدِهِ كِسرَةُ خُبزٍ, فَقَالَت هَذَا يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَد فَطَمتُهُ وَقَد أَكَلَ الطَّعَامَ فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إِلَى رَجُلٍ, مِن المُسلِمِينَ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى صَدرِهَا وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا فَيُقبِلُ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ بِحَجَرٍ, فَرَمَى رَأسَهَا فَتَنَضَّحَ الدَّمُ عَلَى وَجهِ خَالِدٍ, فَسَبَّهَا فَسَمِعَ نَبِيٌّ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - سَبَّهُ إِيَّاهَا فَقَالَ مَهلًا يَا خَالِدُ فَوَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَقَد تَابَت تَوبَةً لَو تَابَهَا صَاحِبُ مَكسٍ, لَغُفِرَ لَهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَصَلَّى عَلَيهَا وَدُفِنَت \" رواه مسلم، ففي هذا الحديث نجد الحرص التام من ماعز والغامدية على تعجيل الطهارة إذ في إقامة الحد حصول البراءة بطريق متيقن دونما يتطرق إليه احتمال، وفي توبة الفضيل بن عياض مثلٌ (كان الفضيل يقطع الطريق وحده، فخرج ذات ليلة ليقطع الطريق فإذا هو بقافلة قد انتهت إليه ليلا فقال بعضهم لبعض اعدلوا بنا إلى هذا القرية فإن أمامنا رجلا يقطع الطريق يقال له الفضيل، فأرعد فقال يا قوم أنا الفضيل جوزوا والله لأجتهدن ألا أعصي الله أبدا، فرجع عما كان عليه، وروي من طريق أخرى أنه أضافهم تلك الليلة وقال أنتم آمنون من الفضيل وخرج يرتاد لهم علفا، ثم رجع فسلم قارئا يقرأ \" ألم يأن للذي آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ……\" [ الحديد: 16]، قال بلى والله قد آن، فكان هذا مبتدأ توبته) أهـ صلاح الأمة في علو الهمة ج5ص57.

 

أخي الحبيب: إنها الجنة التي اشتاق إليها التائبون، وحولها دندن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنبياء الله صلوات الله عليهم، يا سلعة الرحمن هل ينالك في علاك إلا كل عال الهمة غير مخلد إلى الارض والحطام الفاني

 

(يا سلعة الرحمن لست رخيصة   بل أنت غالية على الكسلان

 

يا سلعة الرحمن ليس ينالها     في الألف إلا واحد لا اثنان

 

يا سلعة الرحمن ماذا كفؤها     إلا أولوا التقوى مع الإيمان

 

يا سلعة الرحمن سوقك كاسد    بين الأراذل سفلة الحيوان

 

يا سلعة الرحمن أين المشتري    فلقد عرضت بأيسر الأثمان)

 

 صلاح الأمة في علو الهمة ج5ص686.

 

أخي الحبيب: بشراك بشهر التوبة والمغفرة والرحمة شهر رمضان، ونسأل الله تبارك و - تعالى - أن يهله علينا باليمن والبركة، والآن قم يا عبد الله ناج الله الباري واستغفر بالأسحار واذرف كالنهر الجاري دمع الأشواق سقيا، وأوصيك وأوصي نفسي بدموع السحر خيرا. ولا تنسني من صالح دعائك.

 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال.

 

أخوك المحب مأكول التراب أبو عمرو.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply