بسم الله الرحمن الرحيم
عندما يترك زمام الأمر للنفس المفرطة التي سلطت سيفها على الأيام فإنها قد حكمت على نفسها بالإعدام فقتلت نفسها فمن المطالب والقتيل نفس قتلت نفسها الذي هو وقتها؟ فالوقت الذي يقطعه المفرطون من باقي أعمارهم في مالا فائدة فيه قد جنوا على أنفسهم خسائر فادحة لا يكاد يتصورها بالصورة الصحيحة الحقة إلا من هو في عالم البرزخ الذي يعرف قيمة الكلمة والثانية والدقيقة ولكنه لا يستطيع الحراك، والأمة اليوم مع أن عمرها مابين الستين والسبعين قد بليت بضياع أنفس ما تملك انه عمرها، إنها أنفاسها المعدودة، التي ما هي إلا دقائق وثوان، ولو نظرنا إلى الوقت نظرة التاجر صاحب المصنع الذي لا يكاد يسمح لقليل من الوقت أن يضيع ساعات العمل في مصنعه فتراه قد وضع له عيوناً تتابع سير مصنعه فلا يلتفت عامل يميناً وشمالاً لعلمه بحرص صاحبه على انتاج اكبر قدر من نتاج المصنع، ولو تابع كل منا نفسه وحاسبها على عمرها الضائع فيما لا فائدة منه وصرفنا تلك السويعات في ما وراءه فائدة، لوجدنا الاثر البالغ والنتائج المبهرة العائدة على الفرد والمجتمع بالفائدة في الدارين، وما ندم الموفق منا من رأى أن حفظ الوقت هو الشغل الشاغل والأساس، فالعبادات كلها تقضى في الأوقات وأمور المعاش كلها تقضى في الأوقات فالوقت أنفس أمر نطالب بحفظه ولكن الواقع أن أنفس وأغلى شيء فرطنا فيه هو الوقت! ولا ينكر ذلك أي احد! فاللهث وراء الجلسات والاستراحات والطلعات والسفرات ما هو إلا دليل قاطع على أن الوقت عندنا رخيص ، ولو خير احدنا بين أن يجلس في أمر يهمه ويعود عليه بالنفع والفائدة وبين جلسة مع رفقاء في ليل أو نهار -وربما كان فيها مكروه- لاختار هذا على ذاك! فأين عقولنا وإدراكنا بأهمية الوقت معشر الأحبة، وكأننا باعة وقت بل إننا اكبر من الباعة قتلة للوقت!! وقد نسينا أو تناسينا يوم المعاد الذي فيه نندم على اقل أجزاء الثانية الذي ضاع في اللهو والغفلة وذلك لعلمنا آنذاك بالفائدة التي تعود على من حفظ وقته.
فهلل الله وكبره وحمده وسبّحه في كل ساعة من ساعات عمره الماضي فعاين النتائج من حفظ الوقت أمام عينه، فتمنى انه زاد في استغلال وقته من ذلك العمل الصالح، أما الظلمة والمعتدون للوقت الذي ما عبدوا الله وما وحدوه فإن قلوبهم تتقطع من الكمد لماذا؟ لأنهم يحسبون أن الحياة عبث ويحسبون أن الحياة أيام تقضى في اللهو ويحسبون أن الوقت يجب أن يقطع ويشرح ولو في الباطل والحرام فلو رأيت إلى حالهم وهم يسألون الله العودة إلى الدنيا ثانية، لأنهم يعتقدون أنهم لو ردوا إلى الدنيا لأصبحوا عباداً زاهدين وهم والله لو ردوا إلى الدنيا لعادوا إلى ما نُهوا عنه وإنهم لكاذبون.
فلنبادر إلى حفظ الوقت المطعون والمقطع أوصالا يوماً هنا ويوماً هناك وليلة هنا وليلة هناك ولا ندري متى تكون الورقة الأخيرة لتقويم أعمارنا التي يعلم الله أن نصيب العبادة فيها لا يتجاوز إلا القليل الذي لا يكاد يذكر، فبالله عليكم كم سيستغرق الوقت لإقامة فرض من الصلوات الخمس المكتوبة لو قلنا أن كل صلاة فرض تأخذ من وقتنا ما يقارب العشرين دقيقة وضربنا ذلك في الصلوات الخمس لوجدنا أن المجموع يساوي 100دقيقة في اليوم الواحد عبادة صلوات فقط من مجموع دقائق اليوم الواحد الكامل البالغة 1440دقيقة.
ولو حاولنا جاهدين للعدل والإنصاف في جعل ساعات اليوم مقسمة إلى نصفين نصف لله والدار الآخرة ونصف للأمور الدنيوية المباحة التي ما نهى الشرع عنها لكنا بذلك مقصرين جداً لأن النصف في حق الله قليل وقليل منا من يسلك هذا السبيل لأنه لا يكاد يوجد في هذا الزمن من يحفظ شرط وقته أو كله كاملاً إلا من وفقهم الله من جهابذة العلماء والمصلحين والدعاة الذين أوقفوا أنفسهم لله فلا يوجد في وقتهم فراغ قاتل لأنهم عرفوا قيمته وثمنه، وإنني بقولي هذا في الإفراط في إضاعة الوقت لا أعني عامة الناس وليس مثقفيهم الذين أعطوا الوقت أهميته فالربح إن شاء الله حليفهم، ولو رأينا إلى نصيب النوم لوجدناه يصل إلى 360دقيقة لمن ينام ست ساعات في اليوم مع 100دقيقة أداء صلوات لاستهلكنا في اليوم ما مجموعه 460دقيقة. ولو أضفنا إلى ذلك ساعات الدوام وقلنا أنها تعادل ما يقارب 420دقيقة لاصبح عندنا فائض ورصيد متبق يقدر ب 480دقيقة يفوق دقائق النوم والصلوات، الله اعلم في اي شيء تقضى في خير أو شر فما عملناه سوف نجده أمامنا مسطراً مكتوباً، وهل يعقل أن نأخذ من 1440دقيقة 880دقيقة فقط والباقي هدر لا فائدة منه وهو يقدر ب 480دقيقة، وبقي علينا أن نستغل هذه الدقائق في المكث في المسجد، وحضور حلقات الذكر في المساجد والبيوت، ماذا لو سددنا هذا الوقت بقيام الليل، وقراءة القرآن، والذكر، وزيارة الأرحام؟ أما لها نصيب من الدقائق الضائعة علها أن تأخذ نصيباً يضاف إلى نصيب الصلوات والدوام والنوم، ولله در أقوام أعطوا الوقت حقه فلا تراهم إلا في بيئات الإيمان من مجالس الذكر والزيارات وغيرها من الأمور التي غفل عنها البعض لغفلتهم المسيطرة على قلوبهم ، فالقلب إذا غمس في مجالس الصالحين ودرب نفسه على حفظ الوقت في أمور الطاعة فلا تراه محباً للهو والعبث والسهر الطويل المضيع للصلوات وساعات الدوام الأولى فمن جاهد نفسه وحفظ عمره وصحته تراه بعد أيام يحمل قلباً خاشعاً ليناً معطراً بالأخلاق الفاضلة والهمة العالية لأنه حفظ وقته وجاهد نفسه في أمور الطاعة المقربة إلى رضوان الله فما كان من الله إلا أن عامله بالمغفرة والرضوان فأنار وجهه بنور الأيمان فتجلت عن وجهة ظلمة المعصية لأنه قضى وقته في طاعة الله وحري بمن بذل وقته لله أن يخلف عليه بخير كثير.
و هنا فائدة عن حفظ لحظه من الأوقات لا تتجاوز الدقيقة أو التي بالاصح لا تتجاوز الثواني وهي تلك اللحظة التي يغض فيها العبد طرفه عن امرأة فاتنة صادفته مصادفة فما كان منه إلا أن صرف وجهه عنها أتدرون ما الفائدة أو الجائزة من الله على عدم نظره وصده عنها قليلاً إنها إيمان يجد حلاوته في قلبه، مع إراحة قلبه من ذلك السهم المسموم، فكم من الثواني ضاعت في نظر محرم نسلطه على فتاة أو امرأة ربما كانت عجوزاً سواء كان النظر على الطبيعة أو على الشاشة المرئية التي سمرت عيون بعض أفراد المجتمع عليها فأردتهم بين جريح جرح قلبه فسالت دماء الشهوة فيه فملأته عفونة وبين قتيل قتل وقته الثمين، فمتى نغذي أنفسنا بمعرفة قيمة الوقت الذي نقضيه في اللهو والعبث، أما آن لنا نفيق قبل أن يحال بيننا وبين العمل الصالح؟ أليس يوجد على الأسرة البيضاء من يتمنى أن يمشي خطوة للمسجد أو يلف شوطاً حول الكعبة، أما بينهم من يتمنى أن يفعل عملاً يقربه من الله ولكن لم يتركه المرض لأنه افسد عليه عيشه فحال بينه وبين العمل، أما نتخيل يوماً يندم فيه كل الناس صالحهم وطالحهم فالصالح يندم عندما يرى أن فوقه ناس في عيش ألذ واهنأ منه فهو يتحسر لأنه لم يبادر ويجتهد في العمل حتى يرتفع في درجات الجنة كيف ما يشاء، وأما الطالحون الذين ضاعت أعمالهم وأعمارهم سبهللاً فلا تسأل عن حسرتهم الحارة وأليم العقاب الذي ينتظرهم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد