الأمن يوم الفزع الأكبر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله على نعمة الإسلام والإيمان، والصلاة والسلام على خير الأنام.. وبعد:

فنكمل ما ابتدأناه بحول من الله وقوته عن وسائل الأمن والأمان يوم تشيب رؤوس الولدان في الآخرة، وذكرنا بعض وسائل الأمن يوم الفزع الأكبر، وكان مما ذكرناه تحقيق التوحيد لله - عز وجل - والإخلاص والإحسان إلى الناس وتقوى الله - عز وجل - والخوف منه - سبحانه - وتعلم القرآن والعمل به والإنفاق في سبيل الله وإقامة الصلاة.

 

تاسعًا: ذكر الله - تعالى -

وكل عامل لله - تعالى - بطاعة فهو ذاكر لله.

{الأذكار 129}

كثرة ذكر الرب - تبارك وتعالى - توجب الأمان من نسيان الله - تعالى - للعبد فإن نسيان الله - تعالى - للعبد يعني أنه يعامله معاملة الإهمال وذلك هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده فإن نسيان الرب - سبحانه وتعالى- يوجب نسيان نفسه ومصالحها، قال - تعالى -: ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون {الحشر}، وإذا نسي العبد نفسه أعرض عن مصالحها، واشتغل عنها فهلكت وفسدت ولا سبيل إلى الأمان من ذلك إلا بدوام ذكر الله - تعالى -. {الوابل الصيب ص44}

قال ابن القيم: إن ذكر الله - عز وجل - يُذهب عن القلب مخاوفه كلها وله تأثير عجيب في حصول الأمن، فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع من ذكر الله - عز وجل -º إذ بحسب ذكره يجد الأمن ويزول خوفه حتى كأن المخاوف التي يجدها أمان له والغافل خائف مع أمنه. {الوابل الصيب 72}

وقال - رحمه الله -: إن الذكر نور للذاكر في الدنيا ونور له في قبره ونور له في معاده يسعى بين يديه على الصراط فما استنارت القلوب والقبور بمثل ذكر الله - تعالى -، قال - تعالى -: أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها {الأنعام}. فالأول هو المؤمن استنار بالإيمان بالله ومحبته ومعرفته وذكره والآخر هو الغافل عن ذكر الله - تعالى - المعرض عن ذكره ومحبته.

وعن جابر - رضي الله عنه - قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: \"ما عمل آدمي عملاً أنجى من العذاب من ذكر الله - تعالى -. قيل: ولا الجهاد في سبيل الله. قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا أن يضرب بسيفه حتى ينقطع\". رواه الطبراني في الصغير والأوسط وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب.

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: \"ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله - تعالى - فيه إلا قاموا على مثل جيفة حمار وكان ذلك المجلس عليهم حسرة يوم القيامة\". {صحيح الجامع (5750)}

قال ابن القيم: إن ذكر الله - عز وجل - يُؤمن العبد من الحسرة يوم القيامة فإن كل مجلس لا يذكر العبد فيه ربه - تعالى - كان عليه حسرة يوم القيامة.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: \"سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه\". قال ابن القيم - رحمه الله -: ذكر الله - عز وجل - مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله - تعالى - العبد يوم الحر الأكبر في ظل عرشه والناس في حر الشمس قد صهرهم الموقف وهذا الذاكر مستظل بظل عرش الرحمن.

قال - تعالى -: واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون {الجمعة}. قال العلامة ابن عثيمين: ذكر الله - عز وجل - من أسباب الثبات والفلاح، والفلاح كلمة جامعة يُراد بها حصول المطلوب والنجاة من المرهوب. {رياض الصالحين 462-3}

وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: \"لقيت إبراهيم ليلة أسري بي فقال: يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة، عذبة الماء، وأنها قيعان، وأن غراسها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر\". {صحيح الترمذي للألباني (2755)}

وإذا أردت أن تحصل على هذه الأجور العظيمة فعليك بالذكر الكامل وهو ما يجتمع فيه ذكر اللسان وذكر القلب في التفكير في المعنى واستحضار عظمة الله - تعالى -.

{فتح الباري 11-213}

 

عاشرًا: الإكثار من الحسنات

والحسنة: هي اسم جنس يشمل كل حسنة قولية أو فعلية أو قلبية وتشمل كل حسنة يعملها الإنسان. {تفسير السعدي}

إنَّ أعظم الحسنات القولية: كلمة التوحيد لا إله إلا الله، وأعظم الحسنات الفعلية هي الإحسان بجميع أنواعه.

وأعظم الحسنات القلبية: تصحيح النية لتصبح موافقة لشرع الله - تعالى - في كل الأوقات.

قال - تعالى -: إن الحسنات يذهبن السيئات، قال الحافظ ابن كثير في تفسيره (3-473): إن فعل الخيرات يكفر الذنوب السابقة.

وفي صحيح الترمذي: عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -: \"اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن\".

{رواه الترمذي وصححه الألباني}

وقال - تعالى -: ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور {الشورى: 23}.

قال العلامة السعدي (758): قوله - تعالى -: نزد له فيها حسنا بأن يشرح الله صدره وييسر له أمره وتكون سببًا في التوفيق لعمل آخر ويزداد بها عمل المؤمن ويرتفع عند الله وعند خلقه ويحصل له الثواب العاجل والآجل.

قال - تعالى -: إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما {النساء}.

وقال - تعالى -: من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون {النمل: 89}.

قال العلامة السعدي (611): وهم من فزع يومئذ آمنون أي: من الأمر الذي فزع الخلق لأجله، آمنون وإن كانوا يفزعون معهم.

فمن جاء بالحسنات الكثيرة الخالصة لوجه الله وعده الملك الرحيم بأنه سيكون من الآمنين المطمئنين يوم الفزع الأكبر.

قال - تعالى -: فأما من ثقلت موازينه * فهو في عيشة راضية {القارعة: 6-7}، وقال - تعالى -: فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه (19) إني ظننت أني ملاق حسابيه (20) فهو في عيشة راضية (21) في جنة عالية (22) قطوفها دانية (23) كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية {الحاقة}.

والله من وراء القصد .

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply