العدو الأزلي ... يوميات معاذ


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

جاء معاذ في موعده مع الشيخ يوسف كعادته لكي يتعلم شيئاً جديداً عن الالتزام فقابله الشيخ يوسف بكل مودة وسرور وجلسا سوياً وبدأ الشيخ يوسف بالكلام قائلاً: \"كيف حالك يا معاذ\"؟

رد معاذ مبتسماً: \"بخير حال يا شيخ يوسف، وأنت\"؟

أجابه الشيخ يوسف: \"الحمد لله في خير حال، سندخل في الموضوع هذه المرة سريعاً لأنه موضوع خطير وفي غاية الأهمية\"

اعتدل معاذ وقال وصوته يحمل الكثير من القلق: \"خير إن شاء الله يا شيخ يوسف، ما هو هذا الموضوع؟ \"

أجابه الشيخ يوسف في جدية كاملة: \"إنه عوائق الالتزام أو العقبات التي تواجه الملتزم في طريقه إلى الله، وأول هذه العوائق هي الشيطان...

اسمع يا معاذ... عداوة أبدية وحقد أزلي وإغواء مستمر إلى قيام الساعة، هذه الكلمات تعبر باختصار عن المشاعر التي يكنها لنا الشيطان منذ أن طرد من الجنة بل ومن رحمة الله أيضاً بسبب جدنا الأكبر آدم - عليه السلام - بعد أن رفض أن يسجد له وتكبر فطرده الله من الجنة. ومن لحظتها والشيطان يكن لبني آدم كل العداء ويحاول جاهداً أن يصدهم عن سبيل ربهم وأن يكبهم في النار كما سيفعل به يوم القيامة إن شاء الله.

والشيطان إن كان ليس له سلطان مباشر على العبد لكنه يستغل جهل النفس وولعها باستيفاء حظوظها، فيزين لها الأفكار والأعمال التي توافق هواها، ويلح في الوسوسة والتزيين فتستجيب له فتلح بدورها على القلب حتى يذعن لها ويتخذ القرار الموافق لهواها.

لذلك حذرنا ربنا من اتباع الشيطان وبين لنا أنه يزين للنفس الفعل في خطوات وبالتدريج وليس في خطوة واحدة لكيلا يقابل بمقاومة شديدة، يقول - تعالى -: ((يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ وَمَن يَتَّبِع خُطُوَاتِ الشَّيطَانِ فَإِنَّهُ يَأمُرُ بِالفَحشَاء وَالمُنكَرِ)) [النور: 21].

ويذكرنا ربنا بدور الشيطان فيقول - عز وجل -: ((وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ أَعمَالَهُم فَصَدَّهُم عَنِ السَّبِيلِ)) [العنكبوت: 38].

ويقول: ((يَعِدُهُم وَيُمَنِّيهِم وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيطَانُ إِلاَّ غُرُوراً))[النساء: 120].

ويقول - تعالى -: ((فَوَسوَسَ لَهُمَا الشَّيطَانُ لِيُبدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنهُمَا مِن سَوءَاتِهِمَا))[الأعراف: 20].

وينبهنا القرآن على أن الشيطان في اللحظات الحاسمة وبعد أن يزين للمرء سوء عمله حتى يقع فيه، يتخلى عنه ((وَإِذ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيطَانُ أَعمَالَهُم وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ اليَومَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَّكُم فَلَمَّا تَرَاءتِ الفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُم إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَونَ إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ العِقَابِ)) [الأنفال: 48]

((كَمَثَلِ الشَّيطَانِ إِذ قَالَ لِلإِنسَانِ اكفُر فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ العَالَمِينَ))[الحشر: 16]

ويوم القيامة يُذكر الشيطان اتباعه أنه ما كان له عليهم من سلطان، بل دعى أنفسهم إلى الشر فأجابته ((وَقَالَ الشَّيطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُم وَعدَ الحَقِّ وَوَعَدتٌّكُم فَأَخلَفتُكُم وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيكُم مِّن سُلطَانٍ, إِلاَّ أَن دَعَوتُكُم فَاستَجَبتُم لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم مَّا أَنَا بِمُصرِخِكُم وَمَا أَنتُم بِمُصرِخِيَّ إِنِّي كَفَرتُ بِمَا أَشرَكتُمُونِ مِن قَبلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ)) [إبراهيم: 22][1].

والشيطان يدخل على العبد المسلم من عدة أبواب متتالية ومرتبة، بحيث إذا لم ينجح في الدخول من أولها انتقل إلى الثاني ثم الثالث وهكذا...

يقول ابن القيم - رحمه الله -: (ولكن ينحصر شره في ستة أجناس، لا يزال بابن آدم حتى ينال منه واحداً منها أو أكثر.

الشر الأول: شر الكفر والشرك ومعاداة الله ورسوله، فإذا ظفر بذلك من ابن آدم برد أنينه واستراح من تعبه معه وهو أول ما يريد من العبد فلا يزال به حتى يناله منه، فإن يأس منه من ذلك وكان ممن سبقت له الإسلام في بطن أمه نقله إلى المرتبة الثانية من الشر وهي البدعة، وهي أحب إليه من الفسوق والمعاصي، لأن ضررها في نفس الدين وهو ضرر متعد، فإن أعجزه من هذه المرتبة، نقله إلى المرتبة الثالثة من الشر وهي الكبائر على اختلاف أنواعها فهو أشد حرصاً على أن يوقعه فيها، فإن عجز الشيطان عن هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الرابعة وهي الصغائر التي إذا اجتمعت فربما أهلكت صاجها كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه، كرجل كان بأرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل يجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا من ذلك سواداً وأججوا ناراً فأنضجوا ما فيه\"، صحيح.

فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة نقله إلى المرتبة الخامسة وهي إشغاله بالمباحات التي لا ثواب فيها ولا عقاب بل عاقبتها فوت الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها، فإن أعجزه العبد من هذه المرتبة وكان حافظاً لوقته شحيحاً به يعلم مقدار أنفاسه وانقطاعها وما يقابلها من النعيم والعذاب، نقله إلى المرتبة السادسة وهو أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه، ليزيح عنه الفضيلة ويفوته ثواب العمل الفاضل، فيأمره بفعل الخير المفضول ويحضه عليه ويحسنه له، إذا تضمن ترك ما هو أفضل وأعلى منه.

فإذا أعجزه العبد من هذه المراتب الست وأعيا عليه، سلط عليه حزبه من الإنس والجن بأنواع الأذى والتكفير والتضليل والتبديع والتحذير منه، وقصد إخماله وإطفاءه ليشوش عليه قلبه، ويشغل بحربه فكره، وليمنع الناس من الانتفاع به فيبقى سعيه في تسليط المبطلين من شياطين الإنس والجن عليه لا يفتر ولا يني).

تنهد معاذ وقال: \"فما الطريق إذا يا شيخ يوسف؟ \"

أجابه الشيخ يوسف في سرعة: \"هناك عدة أحرز ذكرها العلماء أقولها لك باختصار..

1- الاستعاذة بالله من الشيطانº قال - تعالى -: ((وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هو السميع العليم))، [فصلت: 36].

2- قراءة سورتي الفلق والناس.

3- قراءة آية الكرسي.

4- خاتمة سورة البقرة.

5- قراءة سورة البقرة.

6- لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة مرة، ففي الصحيحين من حديث سمى مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: \"من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة، كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك\".

7- وهو من أنفع الحروز من الشيطان كثرة ذكر الله - عز وجل -.

8- إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس، فإن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم وينال منه غرضه من هذه الأبواب الأربعة.

9- الوضوء والصلاة وهذا من أعظم ما يتحرز به منه.

10- تنقية الاستماع أو صون الأذن عن سماع الباطل.

11- الإنفاق في سبيل الله.

12- اتباع السنة الصحيحة، وهو أهم علاج للموسوسين، قال الإمام ابن القيم: \"فمن أراد التخلص من هذه البلية فليستشعر أن الحق في اتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله وفعله، وليعزم على سلوك طريقته عزيمة من لا يشك أنه على الصراط المستقيم، وأن من خالفه من تسويل إبليس ووسوسته، ويوقن أنه عدو له لا يدعوه إلى خير، إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير\".

ما رأيك يا معاذ الآن هل أنت قادر على مواجهة الشيطان، أم أنك لن تستطيع؟

أجاب معاذ في حماسة: \"بل قادر بإذن الله - تعالى -على مواجهته وهزيمته أيضاً\".

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply