أمي .. لقد كبرت


 
 
 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

\'أمي أنا لست صغيرة... هناك فرق بيني وبين إخوتي... لا بد أن يحترمني الصغار... أسعد جدًا عندما تأخذي رأيي في بعض الأمور المتعلقة بالبيت والأسرة... لقد كبرت وإن شاء الله سأكون على قدر المسئولية... \'هذه فتاتي تتساءل... وتحكي لي ما يدور بخلدها.. وهي في ذلك تشرح لي دون أن تشعر ودون أن أشعر أنا بحاجاتها النفسية والاجتماعية لهذه المرحلة العمرية التي تمر بها. فلقد أصبحت الآن تتصف بالتميز المعرفي والعقلي، وهي قادرة على التفكير المعنوي، واستخدام الرموز، والفهم الزمني، وهي قادرة على تصور الأشياء قبل حدوثها، وبسبب كل ذلك تكون قادرة على تحمل المسئولية. والناحية العضوية تلح على الفتاه للاستقلال وتحمل المسئولية فطول الجسم والوزن والشكل يؤذن بتحولها من الطفولة إلى الأنوثة وكأنها تبحث عن دور جديد، إنها تستعد للمسئوليات والمهمات، وتبحث عن الذات وعن القيمة وعن الوظيفة التي ينبغي أن تقوم بها في الأسرة وفي المجتمع. وإذا كان الخالق- تبارك وتعالى - قد كلفها وائتمنها على الصلاة والصيام والحج وهي أعظم العبادات، وعلى الصدق والأمانة والبر وغيرها وهو محاسبها على ذلك. فلماذا لا يأتمنها الأب والأم على بعض وجوه الصرف المالي، والمهمات الأسرية والمسئوليات الاجتماعية والمواقع القيادية. إن الفتاة المراهقة تبحث عن الاستقلال والحرية والاعتماد على النفس، لكنها في الوقت نفسه تشعر بالحاجة إلى رعاية الأبوين، وتحرص على ألا تحرم من توجيههم، فكلما أتاح الأبوان للأبناء فرصًا أكثر للمرور في تجارب الحياة العملية كلما كان عود الأبناء أسرع صلابة وأحسن إحكامًا عندما يواجهون بأنفسهم هذه الحياة، دون رقيب من الأبوين ودون معين منهما. ولا نغفل هذه القاعدة التربوية عند التعامل مع المراهق فتى كان أو فتاة وهي: حزم في غير شدة، وتسامح من غير غفلة، وثقة من غير إفراط. التوازن بين الأساليب التربوية المختلفة أهم ما يحتاج إليه المربي. إن تحمل المسئوليات المختلفة هو أفضل وسيلة لبلورة الشخصية، ولدى أبنائنا طاقات كبيرة وقدرات فائق، فمن خلال الاهتمام والممارسة يكتشف المرء ذاته ويثق بها، كما يكتشف نقاط الضعف فيها، ولكن مشكلتنا في بيئتنا العربية أننا دائمًا نرى أبناءنا صغارًا مهما كبرت أجسامهم، ونراهم غير قادرين على تحمل مسئولياتهم حتى المسئوليات الشخصية، ومن المؤسف أننا نخطط لأبنائنا حياتهم منذ الصغر فنختار لهم ما يلبسون وما يأكلون وما يشربون، ونختار لهم من يصادقون [وإن كان هذا ضروريًا في سن المراهقة]، ونرتب لهم أماكن النوم واللعب والأدراج حتى إننا نذاكر عنهم، وتكون النتيجة الاعتماد على الدروس الخصوصية والاتكالية ـ وبالتالي نعطل نمو أبنائنا نموًا سليمًا، فلا يقدرون على حمل أعباء الحياة، إننا بذلك نغفل قدرات الأبناء على تحمل المسئولية، ونقتل بأيدينا مبادرتهم الفردية وتحملهم الأعباء مع أنهم قادرون على المبادأة وعلى الفعل.. ولكن الصبر عليهم وتعليمهم هو بداية الطريق إلى الكمال الذي ننشده. وهنا أسأل نفسي كيف أنمي الاتجاه لتحمل المسئولية لدى فتاتي؟

مجالات تهيئة الفتاة لتحمل المسئولية هي:

1ـ أسلوب المعاملة. 2ـ المشاركة الأسرية. 3ـ المشاركة الاجتماعية.

[1] أسلوب المعاملة:

لا بد أن تحاول الأم معاملة ابنتها على أنها صديقة لها، فقد أجمعت اتجاهات طب النفس أن الأذن المصغية في تلك السن هي الحل لمشكلاتها بإيجاد خطين متوازيين من الاعتماد على النفس مع الاندماج معها، والخروج عن زي النصح والتوجيه والأمر إلى زي الصداقة واستخدام أسلوب الحوار والمناقشة وطرح الآراء في المجالس. وأيضا مشاورة الفتاة في المناسبات المتعلقة بالأسرة أو المدرسة، وتعويدها على اتخاذ القرار، ومنحها الحرية في اختيار ملابسها وشرائها في إطار المعقول والمعروف. ـ وأيضًا يمكن تخصيص مبلغ شهري أو أسبوعي لمصروفها. ـ غرس روح المسئولية، وذلك من خلال تحديد خطوط عامة ينبغي عليها اتباعها والسير في نطاقها، ثم تترك لها حرية الإبداع بعد ذلك مع المراقبة عن بعد. ـ يجب أن أتدرج بابنتي وأعطى لها الفرصة سانحة للتعلم والاستفادة من الأخطاء وإشعارها أنها ستكون عند حسن ظني، فالخوف المفرط على الفتاة يشل حركتها ويعطل قدراتها وإمكانياتها،، ولكن يمكن تمكينها من الانطلاق والحركة تحت إشرافي ورقابتي مع بيان أن الجميع عرضة للخطأ والصواب.

 

[2] المشاركة الأسرية:

وللمشاركة الأسرية وجوه مختلفة منها: ـ قضاء بعض حاجيات الأسرة التي تستطيع شراءها وإنجازها، وهذا يساعد على زيادة ثقتها الاجتماعية وتنمية شخصيتها. ـ المشاركة في تنظيف المنزل وتنسيق حديقته ووضع بصماتها وشخصيتها في ترتيب الأثاث والمفارش ولمسات الجمال. حتى في وجود الخادمة نفسح للفتاة المجال للمشاركة لكي لا تصبح اتكالية وتكون قادرة على تحمل أعباء الحياة عندما تكبر. ـ كما يمكن أن تكلف الفتاة برعاية الأخ الأصغر ـ إن وجد ـ أثناء غياب الأم، ورعاية المنزل كذلك، مما يكون له أكبر الأثر على استشعار معنى المسئولية. ـ تجهيز بعض الوجبات الخفيفة تحت إشراف الأم لتعويد الفتاة على تحمل هذه المسئولية في حال غياب الأم، أو في حال حدوث ظرف أو طارئ للأسرة.

 

[3] المشاركة الاجتماعية:

1ـ عن طريق الدعوة إلى الله لكل من حولها، مما يغرس بداخلها روح المسئولية والقيادة.

2ـ القيام بالأعمال التطوعية كمساعدة الفقراء والمحتاجين، وكذلك مساعدة الزملاء أو الأقارب، أو زيارة مريض.

3ـ تقوية الإرادة لديها من خلال تدريبها على حفظ الأسرار.

4ـ يمكن تكليف الفتاة ببعض الأعمال الثقافية مثل تلخيص كتاب أو حفظ أبيات من الشعر. وهذه اقتراحات متواضعة بجهد متواضع وعلينا أن نجتهد ونضيف إليها، فعملية التربية هي مزج بين عنصرين: عنصر حب ومراعاة مشاعر وتلبية بعض الرغبات، وعنصر التوجيه والمتابعة والرقابة ولا ننسى الصداقة بيننا وبين بناتنا، فلا نعيب بعد ذلك على الفتيات وعدم تحملهن المسئولية مع الأمهات يقول الشاعر:

نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيب سوانا

ولا ننسى في هذا المقام أن خير البشرية ومعلمها وقائدنا وقدوتنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رعى الغنم وهو ابن ثمان سنين..وكذلك الصحابة والمسلمون الأوائل قادوا العالم وحكموا مشارق الأرض ومغاربها لأنهم تربوا على تحمل المسئولية وهم صغار فكانوا قادة وهم كبار.

 

 
 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply