بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..سأشرح لكم مشكلتي وأسأل الله أن أجد ما يريحني ويذهب قلقي..وإليكم المشكلة..
أعاني من وسواس في النية فإذا أردت مثلا أن أصلي الظهر أو أي فرض آخر أجد صعوبة جدا للدخول في الصلاة وإذا دخلت في الصلاة تبدأ الوساوس ماذا تصلين؟ أو أجعليها سنة.. وتستمر بشكل قوي وكثيرا ما أشعر أن شيئا بداخلي يقول حسناً سأجعلها سنة وعندها تبدأ المشكلة حيث أجعلها سنة وأسلم وأحيانا أتجاهل ما يدور بداخلي وأكمل صلاتي وهذا قليلا ما يحدث حيث أني أجد صعوبة في ذلك لجأت إلى طريقة وهي أن أصلي السنة أولا ثم أصلي الفرض فتحسن الحال قليلا، ولكن هذا الحل ليس عمليا حيث أنه في بعض الأحيان لا يكون هناك الوقت إلا لصلاة الفرض كأن أكون في المدرسة أو أريد اللحاق بصلاة الجماعة.. أصبحت الآن أشعر بقلق وخوف شديد كلما أردت أن أصلي وأحيانا يستمر الخوف طوال فترة الصلاة ويزيد الخوف إذا سمعت أي صوت أثناء الصلاة. والمشكلة ليست في نية الصلاة فقط وإنما أيضا في نية الصيام فإذا صمت تستمر الوساوس طوال فترة الصيام (هل أنت صائمة قضاء أم من الست؟ اجعليه من الست، أو هل أنت صائمة أم مفطرة؟ أفضل أن تفطري - وهذا يحدث عند شعوري بأي تعب أو جوع بسيط -) وأحيانا تستمر الوساوس إلى ما بعد الإفطار، وتماماً مثل ما يحدث لي في الصلاة يحدث لي في الصيام فأشعر أن شيئا بداخلي يقول حسنا ولكني أجاهد وأستعيذ وأقول اللهم إني صائمة..
أرشدوني إلى الحل وكيف لي أن أصلي بطمأنينة دون خوف أو قلق وأشعر بارتياح حيث أني لم أعد أعرف هل صلاتي صحيحة؟
وهل صيامي صحيح؟
جزاكم الله خيرا وعذرا على الإطالة.
الإجابة
هذه مقدمة عملية تطبيقية في سبيل الخلاص من الوسواس:
1ـ الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ـ وهذه الاستعاذة ـ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ـ إنما تبلغ أُرها حين تكون على اعتقاد جازم بمعانيها.
فإن العوذ: اللجأ إلى الشيء والاقتراب منه.
ومن استعاذ بالله اعتصم به ولجأ إليه، فأي كيد يصله وهو يعتقد اعتقاداً جازماً أنه معتصم بالله الذي هو ربّ كل شيء ومليكه. والله جلّ وتعالى يقول: \"وإما ينزغنَّك من الشيطان نزغٌ فاستعذ بالله إنه سميع عليم\".
فهو سميع يسمع استعاذتك فيجيبك.
عليم: يعلم ما تستعيذ منه فيدفعه عنك.
2ـ المداومة على أذكار الصباح والمساء وخاصة (المعوذتين)، فإن الذكر هو الحصن الحصين من الشيطان الرجيم.
3ـ قطع الاسترسال. فلا يسترسل المؤمن أو المؤمنة مع حبائل الشيطان ومكائده وخواطره وهواجسه.
فإن الشيطان كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - يأتي للعبد فيسأله من خلقك فيسترسل معه حتى يقول له: من خلق الله؟
وعلاج هذا قطع الاسترسال وعدم الاستجابة لهذا الوسواس سداً للذريعة وصيانة للنفس من أن يتسلَّط عليها الشيطان بوسوسته.
4 ـ كثرة الدعاء واللجوء إلى الله - تعالى -، فإنَّ الله هو الذي يقدّر البلاء وهو الذي يدفعه.
5 ـ كثرة قراءة القرآن الكريم مع التدبر وفهم معانيه.
ومن أسباب العلاج لوساوس الشيطان المتعلقة بالطهارة والصلاة والتشاغل عنها بجانب ما سبق ما يأتي:
6ـ استصحاب القاعدة الفقهية العظيمة: \"اليقين لا يزال بالشك\"، فما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين.
دليل ذلك ما صحَّ عن عبد الله بن زيد عند مسلم قال: \"قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: \"إذا وجد أحدكم في بطنه شيئاً فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً\".
فمن كان متيقناً أنه توضأ، ثم شكَّ هل أحدث أم لا؟ لم يلتفت إلى هذا الشك، وبنى على ما هو متيقن منه. لو استصحبت هذه القاعدة وعملتِ بها لتخلصت من وساوسك.
7 ـ الإقتداء والتأسي بمسلك السلف الصالح في هذا الجانب، حيث كانوا يتشددون ويحذرون مما يدخل في بطونهم، وما كانوا يغالون في مسائل الطهارة، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً.
روى أبو داود في سننه عن امرأة من بني عبد الأشهل قالت: \"قلت يا رسول الله، إن لنا طريقاً إلى المسجد منتنة، فكيف نفعل إذا تطهرنا؟ قال: أو ليس بعدها طريق أطيب منها؟ قالت: بلىº قال: فهذه بهذه\".
وقال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: \"كنا لا نتوضأ من موطئ\" أي موطوء، يعني إذا وطئ على المكان القذر الجاف لا يجب عليه غسل القدم.
إنَّ هذه الشريعة مبناها على اليسر، ورفع الحرج، وعدم التكليف بما لا يطاق، هذه النعم العظيمة حرمها كثير من الناس بسبب تشددهم وتنطعهم وطاعتهم للشيطان، من ذلك:
نضح الفرج والسراويل بالماء دفعاً للوسوسة.
قال العلامة ابن القيم: \"قال الشيخ أبو محمد: ويستحب للإنسان أن ينضج فرجه وسراويله بالماء إذا بال، ليدفع عن نفسه الوسوسة، فمتى وجد بللاً قال: هذا من الماء الذي نضحته، لما روى أبوداود بإسناده عن سفيان بن الحكم الثقفي أو الحكم بن سفيان قال: \"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بال توضأ وينضح\" وفي رواية: \"رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال ثم نضح فرجه\"، وكان ابن عمر ينضح فرجه حتى يبل سراويله.
وشكا إلى الإمام أحمد بعض أصحابه أنه يجد البلل بعد الوضوء، فأمره أن ينضح فرجه إذا بال، قال: ولا تجعل ذلك من همتك، والهُ عنه.
لكن الموسوسين استعاضوا عن هذه السنة بأمور ما أنزل الله بها من سلطان، هي: السَّلت، والنتر، والنحنحة، والمشي، والقفز، والحبل، والتفقد، والوجور، والحشو، والدرجة.
قال ابن القيم: \"ثم إن طائفة من الموسوسين قد تحقق منهم طاعة الشيطان، حتى اتصفوا بوسوسته، وقبلوا قوله، وأطاعوه، ورغبوا عن اتباع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصحابته، حتى إنَّ أحدهم ليرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله - عليه الصلاة والسلام -، أو صلى كصلاته، فوضوؤه باطل، وصلاته غير صحيحة، ويرى أنه إذا فعل مثل فعل رسول الله - عليه الصلاة والسلام - في مواكلة الصبيان، وأكل طعام عامة المسلمين، أنه قد صار نجساً، يجب عليه تسبيع يده وفمه، كما لو ولغ فيهما كلب أو بال عليهما هر، ثم إنه يقبل قول إبليس في تعذيب نفسه، ويطيعه في الإضرار بجسده، تارة بالغوص في الماء البارد، وتارة بكثرة استعماله وإطالة العرك، وربما فتح عينيه في الماء البارد، وغسل داخلهما حتى يضر ببصره، وربما أفضى إلى كشف عورته للناس، وربما صار إلى حال يسخر منه الصبيان ويستهزئ به من يراه.
وقد بلغ الشيطان أن عذبهم في الدنيا قبل الآخرة، وأخرجهم عن اتباع الرسول، وأدخلهم في جملة أهل التنطع والغلو، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
وأخيراً: نصف لك هذا العلاج وبإذن الله بعد أسبوع واحد يذهب عنك هذا الوسواس، وهي أن تتوضئي لكل فرض، وبعد الوضوء والانتهاء منه لا تلتفتي إلى أي وسواس ولا تقولي إنَّ هذا العضو لم يصل إليه الماء، وحتى لو رأيتِ أنَّ الماء لم يصل إليه حقيقة لا تغسليه، ثم صلي وإذا انتهيتِ من الصلاة لا تعدينها أبداً حتى لو تيقنتِ أنكِ تركتِ ركناً، وبإذن الله إن وضوئك وصلاتك صحيحة.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هناك كتب ننصحك بقراءتها: (ذم الموسوسين لابن الجوزي، إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم الجوزية).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد